جمعه للأصالة والمعاصرة في قصائده، جعل الشاعر "صقر عليشي" يبني قصائده الشعرية معتمداً على الصور الجمالية المشحونة بطاقة وجدانية دفينة، عبر استحضار ذاكرة الطفولة، حيث مفردات الطبيعة التي رافقته في معظم قصائده حملت في طياتها انسجاماً وتوافقاً بين سطور أشعاره.

"الشعر هو فنّ يصوّر الحياة كما يراها الشاعر، ليترجمها إلى كلمات تعتمد الإيقاع والعاطفة والخيال"؛ هذا ما بدأ الشاعر"صقر عليشي" حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 نيسان 2017، الذي قال عن تجربته الشعرية: «بدأت مبكراً محاولاتي الشعرية؛ ففي المرحلة الابتدائية كنت أتابع الشعر وخضت أول تجربة شعرية لي، وحسمت أمري أن أكون شاعراً بالمرحلة الإعدادية عندما بثت قصيدتي عبر أثير إذاعة "دمشق" من خلال برنامج "أحلام واعدة". وكانت ملهمتي قريتي التي عشت فيها "عين الكروم" التابعة لمحافظة "حماة"، ففيها أبصرت عيناي النور عام 1957، مع وجود بيئة حاضنة للشعر صقلت موهبتي وزادتها غنى. هذه البيئة هي التي أضفت القداسة على الشعر، وتحدثت عن الشاعر بكل فخر واعتزاز، وأضافت من جمالها الطبيعي إلى خياله، فكانت الدافع للغوص في ثنايا الكلمات الشعرية. كما أن جمال الطبيعة الساحرة من جبال شاهقة وينابيع وأشجار، رسّخ بذاكرتي منذ الطفولة مفردات، وكوّن مخيلتي ولوّنها وطبعها ببصمة خاصة، وكان لتلك الطبيعة دور كبير في تطوير موهبتي الشعرية، حيث أعطتني لوناً معيناً من المفردات والتعابير اللغوية، فلم أكتب شعراً في وصفها بوجه عام، وإنما مفرداتها كانت حاضرة بين خبايا أبيات شعري مهما كان موضوعها، فقد علمتني الطبيعة هذه العلاقة الجمالية اللطيفة بين الكتابة والتأملات التي كانت آنذاك حنونة وساحرة؛ كما هي الطبيعة التي لم تفقد شيئاً من رونقها، فهذا الصفاء الروحي هو الذي أغنى مخيلتي ودفعها لتخطّ كلاماً جميلاً وعذباً».

هو من الشعراء الذين استطاعوا استخلاص مفرداتهم من اللغة العربية، وملء هذه المفردات بمحتويات جديدة وبشروط مناسبة لقاعدة التواؤم بين ظروف إنتاج النص وشروط تلقيه، فهو بمفرداته البسيطة وعفويته وشفافيته المرهفة وموضوعاته المأخوذة من الحياة اليومية يوحي ببساطة موهومة لا يستطيع أن ينتجها إلا من امتلك خبرة ومهارة فائقة، فالصنعة لديه تختفي تحت ستار الطبع، فقد امتازت أشعاره بفسحة من السخرية بعيدة عن قسوة الحياة ومرارة الواقع، ففي سخريته ترفع عن انكسار ووطأة الهزيمة، مع أن هذه السخرية مشبعة بالوجع والوخزات الناعمة التي تنسجم وتتوافق مع طبيعته وصدقه الطفولي. وعلاقتي به مثّلت نموذج صداقة مبنية على أساس الاختلاف وليس التماثل، فهو ليس بحاجة إلى شبيه، وأنا لا أريد أن أسمع أصداء صوتي، فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً نعيش دفء الصداقة والمحبة والمصارحة من دون مبالغة

وعمّا ميّزه عن باقي الشعراء، والتفرّد في اللغة الشعرية، أضاف: «الشعر هو الفن الذي رافق البشرية بكل مراحلها التاريخية، نقل من خلاله قيم وثقافة حضارات مرت عبر الزمن مشبعة بالأحاسيس الصادقة وما تحمله من مشاعر وهواجس دفينة. تتميّز تجربتي الشعرية بوجود خيط مخفي بحبل سرّي بين القديم والجديد؛ أي انقطاع واتصال بآن واحد، وهي ميزة ليست سهلة، ولا هي أمر عادي، ولا نجدها في كل مكان، وهي أيضاً لم تأتِ عفو الخاطر، وإنما أتت ضمن سياق فهمي للحداثة ومقدار قطعها مع الماضي وارتباطها به، إضافة إلى أنني كتبت شعراً ونثراً، فلتبرز أهمية الشعر يحتاج إلى وجود الموسيقا التي تشير إلى أن الوزن ظل يميزه عن النثر ردحاً طويلاً من الزمن، مؤكداً أنه ليس كل كلام موزون هو شعر، فما يميز الشعر عن سواه هو الخيال الشعري، وما يأتي بعد ذلك ليس سوى إضافات تعزز القصيدة أو تضعفها بما في ذلك الموسيقا واللفظة وصدق الحالة وغيرها، فلا يمكن أن يكون الشاعر حديثاً من دون أن يعزّز تجربته بتجارب الماضي؛ وهذا ما يعطي العفوية والسلاسة للشعر. وبرأيي الثقافة وحدها لا تعطي شعراً، بل لا بد للشاعر من امتلاك موهبة تظهر مهاراته وجودته بالأداء الشعري والمفردات اللغوية، فالإبداع هو نتاج مجموعة تقاطعات ترتبط بالواقع المحيط والبيئة الاجتماعية والنفسية، أعكس من خلالها مرآتي الداخلية على شكل منتج إبداعي تتفاوت مستويات تقاناته بحسب الخبرة والممارسة، وصدقية التعبير، وسعة الاطلاع، وما زلت حتى اللحظة أبحث عن أي شيء يغني تجربتي الأدبية، فاللغة بحر يجب أن أستزيد منه كلما سنحت لي الفرصة».

الدكتور عاطف بطرس

وعن المهمة التي يضطلع بها النقد، ورأيه في نقاد الشعر، أضاف: «للنقد أهمية كبيرة في الساحة الأدبية، فالأدب والنقد يمشيان جنباً إلى جنب، فكل شاعر ناقد، ولا بد من امتلاكه الملكة النقدية، فوجود الإبداع الحقيقي لا يكتمل من دون وجود النقد ويبرز مستواه الحقيقي وجماليات النص، لكننا اليوم نفتقد إلى النقد الذي يحمل الهمّ والضمير الثقافي الذي يسلط الضوء على التجارب المهمة الباقية في الظل، التي تعاني العزلة وعدم التواصل، فأنا أقرأ النقد وأتابع الدراسات النقدية، لكن لا أكتب نقداً، وقد تعبت كثيراً مع القصيدة ولأجلها، ولم أبخل بالمثابرة والاطلاع، وما زلت إلى اليوم في دأبي هذا. وبكتابتي للقصيدة تأثرت بالعديد من الشعراء والكتاب الذين أضافوا الكثير إلى ملكتي الشعرية، مثل "المكزون السنجاري"؛ فعبر أشعاره علمني أن يكون للقصيدة أكثر من ظل ومعنى، وتعدد في الدلالات؛ وهذا نمّى لغتي الصوفية؛ فعلى الرغم من أنني لم أكتب الشعر الصوفي، إلا أن معانيه رسخت في قصائدي عبر كلمات ومعانٍ دخلت سرّاً في أشعاري، وتأثرت أيضاً بالشاعر "نديم محمد"».

وفي حديث مع الناقد الأدبي الدكتور "عاطف بطرس" عن شعر "عليشي"، قال: «هو من الشعراء الذين استطاعوا استخلاص مفرداتهم من اللغة العربية، وملء هذه المفردات بمحتويات جديدة وبشروط مناسبة لقاعدة التواؤم بين ظروف إنتاج النص وشروط تلقيه، فهو بمفرداته البسيطة وعفويته وشفافيته المرهفة وموضوعاته المأخوذة من الحياة اليومية يوحي ببساطة موهومة لا يستطيع أن ينتجها إلا من امتلك خبرة ومهارة فائقة، فالصنعة لديه تختفي تحت ستار الطبع، فقد امتازت أشعاره بفسحة من السخرية بعيدة عن قسوة الحياة ومرارة الواقع، ففي سخريته ترفع عن انكسار ووطأة الهزيمة، مع أن هذه السخرية مشبعة بالوجع والوخزات الناعمة التي تنسجم وتتوافق مع طبيعته وصدقه الطفولي. وعلاقتي به مثّلت نموذج صداقة مبنية على أساس الاختلاف وليس التماثل، فهو ليس بحاجة إلى شبيه، وأنا لا أريد أن أسمع أصداء صوتي، فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً نعيش دفء الصداقة والمحبة والمصارحة من دون مبالغة».

أحد مؤلفاته

يذكر أنّ الشاعر نشر ديوانه الأول بعنوان: "بعينيك ضعت" عام 1979.