فنان عاش مع الطبيعة وللطبيعة، فتوحد معها ليخرج عوالمها ويصقلها بضربات ريشته الملونة متبعاً طريق المدرسة الانطباعية، وضبط إيقاع لوحته شعراً.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان التشكيلي "كرم النظامي" عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 10 أيلول 2017، وقال في البداية: «في الطبيعة روح فأصغي إليها، فلوحتي صغيرة وعالمها كبير جداً وعميق؛ عالمي الضوء والظلال والمدى ما خلف السماوات، مدرستي الطبيعة عالجتها برؤيتي الخاصة، وأضفت إليها عوالم من الجمال المخفية، فنسجت من لوحاتي روحاً ملونة تطير وتتراقص طرباً على وقع كلماتي وضربات ريشتي.

أظن أنه لا يوجد انفصال بين الشعر والفن، فأنا أعيش الحالة في كل لحظة، وأرسم من دون تخطيط مسبق؛ فوعاء الشعور مملوء، ومع كل لوحة أقول الشعر؛ فالعملان لا ينفصلان، وكلاهما من ذات المعين الروحي، فما لا يكتب يرسم، والعكس صحيح، وكل لوحة هي قصيدة شعرية حروفها الألوان، فدفقة الإحساس تختلف في كليهما لارتباطها بطريقة التعبير

منذ صغري رسمت على دفاتر المدرسة وجدران الحارة، حتى إنني هجرت مقاعد الدراسة إلى حضن أمي الطبيعة، فصارت ملعب أحاسيسي وشكلتني فناناً، وقضيت طفولتي تحت أشعة الشمس وفي الوديان وعلى ضفاف بردى، حيث صنعني المطر وعجنتني الرياح، فكنت طفلاً شقياً لم تعتب علي غابة أو بحر أو جبل ولا نهر ولا حيوان، فقد ولغت عميقاً بدم الطبيعة؛ فكنت أصيد الطيور وأحول مجرى السواقي فيكون الأذى، ومعايشتي للطبيعة صقلتني؛ لأن التناقض يخلق الإبداع، والمبدع لا يعرف قيمة ما أبدع إلا مما تركه من أثر في الأرواح، ولوحاتي تكفر عن ذنوبي؛ فالفن يطهر، وكل هذه الانطباعات انغرست في روحي فتشكل نزوعي نحو الانطباعية التي هي عالمي ومدرستي؛ لأنها الأكثر قرباً إلى إحساس الناس والفنان. أتابع تجارب الانطباعين العالميين والمحليين، ولم يعلمني أحد بل اجتهدت وحدي، وعملت على المدرسة التعبيرية بأكثر من لوحة للتوافق وآلية البحث في الألم الإنساني الذي سببته هذه الحرب المجنونة، ومعظم أعمالي عن "سورية" كامرأة محزونة استبيح شرفها من أهلها ومن الغرباء».

تشكيل زيتي انطباعي

وتابع "النظامي": «أظن أنه لا يوجد انفصال بين الشعر والفن، فأنا أعيش الحالة في كل لحظة، وأرسم من دون تخطيط مسبق؛ فوعاء الشعور مملوء، ومع كل لوحة أقول الشعر؛ فالعملان لا ينفصلان، وكلاهما من ذات المعين الروحي، فما لا يكتب يرسم، والعكس صحيح، وكل لوحة هي قصيدة شعرية حروفها الألوان، فدفقة الإحساس تختلف في كليهما لارتباطها بطريقة التعبير». وتابع حديثه: «أنا أحب القراءة وقارئ نهم للفلسفة والأدب وتاريخ الفنون والأساطير، وظهرت موهبتي الشعرية مع الفن، ولا علاقة للموهبة بالدراسة الأكاديمية، ولا يمكن أن أقول عن موهبتي إنها فطرية فقط، وإنما مؤدلجة وتعبت لصقلها، يمكن أن نقول إن الحياة زادتها قوة وغذتها. قصائدي مرسومة الألوان شعراً، وأمتلك رؤية خاصة للكون وإحساساً يعكس انطباعي عنه وعن سره وقدسيته».

الفنان التشكيلي "غازي عانا"، عن رأيه بفن "النظامي" قال: «تعرّفت إليه قبل عشرين عاماً، الفنان الذي أتمنى أن يبقى هاوياً ينشر الحب والسلام والجمال كيفما اتجه وأينما اشتغل، ولتبقى المساحات أمامه لا تتسع سوى لحلمه أو رؤاه، وهي تصل إلى ما لا يمكن تخيّله من مشاهد تجلّي الطبيعة، التي لا نشاهدها سوى في الحلم، وخواطره قبل لوحاته، لكونهما مرتبطين كحالة إبداعية يتعايش معها باللا وعي، فتسبقه الكلمة أحياناً إلى الفكرة، وفي كثير من الأحيان يلتقطها بالريشة أو الأداة المملوءة باللون وتعب الأيام وشغفه بالحياة على الرغم من مرارتها، كقوله: "متل حبّة مطر كبرت وصارت غيمة، بكل رحلة شتي بتنفنف عشق جديد وبتكبر وردة مع القمر إلها حكاية، ومع رشفة خمر من خد الزهر إلها أسرار مخبّاية"، هل هذه لوحة أم خاطرة شعرية؟ عند "النظامي" الفنان والشاعر هي لوحة وخاطرة. "النظامي" فنان تشكيلي ظلم نفسه قبل أن يظلمه المشهد التشكيلي السوري على الرغم من العدد الكبير من اللوحات التي مازال يرسمها في كل الأوقات والأمكنة، ودائماً بأدواته وألوانه هو، والتي يجهّزها بنفسه لتناسب ما يريد اشتغاله من موضوعات الطبيعة التي يصوغها بفهمه ورؤيته، بهوايته وغوايته يرسم المشهد الذي يضمّ مجموعة الأساليب والمدارس التي تتالت عبر تاريخ الفن، فنشاهد في ذات الكادر تحوّلات الشكل من أقصى الواقعية، على الرغم من اختزاله أحياناً، إلى حيث مشارف التجريد مروراً بتعبيرية اللون محلّقاً مغرّداً بخصائصه المنفصلة بالزمان والمكان عن الواقع، ليرسم حلماً أو مقترحاً جمالياً مختلفاً عن الذي اعتدنا مشاهدته في اللوحة عموماً. هو فنان يجمع في لوحاته كل ما يمكن من ذائقة جمالية وإحساس مرهف بتفاصيل المشهد الذي يبدو ضبابياً للوهلة الأولى وكأنه تجريد للطبيعة، بينما في المشاهدة المتأنية حالة أخرى من الحكاية التي تبدو أقرب إلى الوشوشات بصوت منخفض يشبه الصمت في الموسيقا، لا تلبث أن تنكشف أسرار بعض الشكل تباعاً لتبدأ المتعة من البصر، ولا تنتهي بالبصيرة».

من أعماله

يشار إلى أن الفنان "النظامي" أقام العديد من المعارض الخاصة في "ألمانيا وهولندا وإسبانيا وبيروت"، وفي "دمشق" الكثير منها في الصالات العامة والخاصة.

من أشعاره:

"تل الدرا.. كحل عيون سلمية الذي سال دمعاً بالأمس وتطيب بعطر ترابها المضمخ بدماء شهدائها وجرحاها..

تل الدرا بعيون النظامي

لأصابع سلمية الوردية التي تعرف كيف ترسم الحياة على جدران الموت السوداء..

لقلبها المتروك وحيداً بين أشداق الضباع لكنه يأبى إلا الخفقان في صدور أبطالها الشجعان..

لكل إله مرّ من هنا وترك صلاةً..

ولكل عاشق تفيأ في الظلال وترك قبلةً على ثغر من أحب أو كاد..

لربوعك الخصبة وزنار الألوان على خصرك الشهي..

سلام وألف سلام لقلبك من حزن الضلوع!"

يذكر أن "كرم النظامي" من مواليد "السلمية" عام 1959، وخريج كلية الحقوق.