بإرادة كبيرة وإصرار على النجاح، وبعد 33 عاماً من الانتظار، تمكّن "أسامة الأحمد" من تحقيق حلمه بإكمال دراسته، ليقف اليوم ويشرح لطلابه محاضرات باللغة العربية بعد أن كان لسنوات عدة عامل نظافة على ذات المدرج.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 5 كانون الأول 2017، مع "أسامة الأحمد" المُدرّس في كلية "الطب البيطري" في جامعة "حماة"، ليحدثنا قائلاً: «نشأت ضمن أسرة ريفية فقيرة بالكاد تسد قوة أطفالها الثمانية مما تجنيه من الزراعة وتربية الماشية، إضافة إلى عمل والدي في مستوصف القرية. إخوتي منهم من أكمل دراسته، وآخرون اتجهوا إلى الأعمال الحرة، وكنت ممن لم يحالفهم الحظ بإكمال الدراسة بسبب تَحمّل مسؤولية المنزل أثناء غياب والدتي التي كانت تمكث بسبب المرض لفترات طويلة في المستشفيات للعلاج. كانت حياتي موزعة ما بين القيام بواجبات المنزل، والزراعة وتربية الماشية، فأصبح تفكيري محصوراً بكيفية تأمين المال، وابتعدت بذلك عن الدراسة. غادرت المدرسة بعد حصولي على الشهادة الإعدادية عام 1991، واتجهت إلى الأعمال الحرة، وعملت بمهن كثيرة، منها: (عتال) في سوق الهال، وأخرى (ناطور)، وفي عام 1998 حصلت على فرصة عمل كعامل نظافة في جامعة "حماة"».

تزامنت مدة دراستي مع الحرب العشواء على بلدي؛ حيث نالت قريتي نصيب كبير من الإرهاب؛ وهو ما اضطرنا إلى النزوح منها، حيث اجتمعت عائلتي كلها (60 شخصاً) في منزلي لمدة عام ونصف العام؛ وهو ما تطلب العمل لساعات أكثر للقيام بأعباء العائلة؛ كانت دراستي تبدأ من الساعة 11 ليلاً حتى أذان الفجر، وبوجود والدتي إلى جانبي ودعمها لي تمكنت من اجتياز تلك المرحلة، لكن والدي الذي توفي قبل تحقيق حلمي لم يغب عن مخيلتي طوال مدة دراستي، لكن لربما يزورني في أحلامي وأخبره عن هذا الحلم الذي تحول إلى حقيقة، وها أنا اليوم أقف لأشرح لطلابي المحاضرات في المدرجين الأول والثاني اللذين كنت أقوم بتنظيفهما لمدة ست سنوات

وعن تجربته في إكمال دراسته، يضيف: «لطالما رغبت أثناء عملي بالجامعة أن أكون أحد طلابها، وأحقق حلمي وحلم والدي، لكنني لم أتجرأ على اتخاذ تلك الخطوة، وبإلحاح ودعم من الدكتور "محمد العمادي" عميد كلية الطب "البيطري" أعادني إلى أجواء الدراسة. بدأت التحضير للحصول على الشهادة الثانوية، حيث نلتها بجدارة، ونتيجة المفاضلة العامة لعام 2009-2010 تم قبولي في كلية الآداب، قسم اللغة العربية. وبعد مضي أربع سنوات تخرجت بمعدل جيد، ما أهلني للتدريس في أي كلية في الجامعة بصفة غير مختص، وهنا تقدمت بطلب تعديل وضعي الوظيفي من الفئة الخامسة إلى الثانية لتوكل إليّ شعبة "الطباعة والنشر"، لكن ذلك لم يشبع رغبتي، فتقدمت لدورة متقدمة بالحاسوب، حيث مكنتني من تعديل وضعي الوظيفي إلى الفئة الأولى، وتسلمت شعبة شؤون الطلاب، إضافة إلى التدريس في ذات الكلية، وذلك حسب النظام الداخلي للجامعات».

أسامة الأحمد في المدرج

وعن الصعوبات التي واجهته أثناء دراسته، يتابع قائلاً: «تزامنت مدة دراستي مع الحرب العشواء على بلدي؛ حيث نالت قريتي نصيب كبير من الإرهاب؛ وهو ما اضطرنا إلى النزوح منها، حيث اجتمعت عائلتي كلها (60 شخصاً) في منزلي لمدة عام ونصف العام؛ وهو ما تطلب العمل لساعات أكثر للقيام بأعباء العائلة؛ كانت دراستي تبدأ من الساعة 11 ليلاً حتى أذان الفجر، وبوجود والدتي إلى جانبي ودعمها لي تمكنت من اجتياز تلك المرحلة، لكن والدي الذي توفي قبل تحقيق حلمي لم يغب عن مخيلتي طوال مدة دراستي، لكن لربما يزورني في أحلامي وأخبره عن هذا الحلم الذي تحول إلى حقيقة، وها أنا اليوم أقف لأشرح لطلابي المحاضرات في المدرجين الأول والثاني اللذين كنت أقوم بتنظيفهما لمدة ست سنوات».

بدوره "عدنان إبراهيم" طالب في كلية "الصيدلة"، يقول: «جمعتني مع المدرّس "أسامة" صداقة قديمة، ذو أخلاق عالية، وكريم مع كل من يطرق بابه، كما يتميز بروح الدعابة على الرغم من ظروفه الصعبة، ونزوحه من قريته لم يغير من عزيمته، بل أثبت لنفسه ولمن حوله أنه أقوى من المصاعب، واستطاع تحقيق حلمه ولفت أنظار المجتمع إليه في هذا التحول الذي وصل إليه، والذي يعجز عنه الكثيرون ممن تتوفر لديهم كل أساليب الرفاهية. وبالنسبة لي، فقد كان لتجربته أثر وحافز كبير؛ فبفضل دعمه وتشجيعه تمكنت من متابعة دراستي؛ واتخذت من تجربته قدوة، ومشيت على خطاه، حيث تقدمت للشهادة الثانوية، ودخلت أحد فروع المعاهد المتوسطة، لكن ذلك لم يرضِ طموحي، فعاودت تقديم الشهادة الثانوية مرة أخرى، وها أنا اليوم طالب في كلية "الصيدلة"، والفضل الأول يعود إلى دعمه ووقوفه إلى جانبي».

طالب الصيدلة عدنان إبراهيم

من الجدير ذكره، أن المدرّس "أسامة الأحمد" من مواليد قرية "صوران" في ريف "حماة" عام 1975، متزوج ولديه خمسة أولاد، حائز على عدد من شهادات التكريم من نقابة المعلمين.