اتصفت أشعاره بالبساطة العميقة وصدق الكلمة، كلماته مخبأة في حنايا النفس وعمق الوجدان، عدّ الشعر حالة متفجرة من الوحي خط بها كلمات حصدت جوائز عدة، عالج الروح والجسد بآن واحد؛ إنه الشاعر والطبيب "محمد سعيد العتيق".

«الشعر هو النور المسافر في دمي قبل التكون ربما في جينات الروح و خلايا الجسد، تشكل ذلك الوريد العازف على أوتار الزمن وهواء الرئتين لمّا امتلأتا بعد الصرخة الأولى من الحياة». هذا ما بدأ به كلامه لمدونة وطن "eSyria" الشاعر الدكتور "محمد سعيد العتيق" عندما التقته بتاريخ 22 آذار 2018، ليحدثنا عن مسيرته الأدبية: «نشأت وترعرعت في منزل عمي الشيخ الفاضل "حسين العتيق" بسبب وفاة والدي، فقد تعلمت من هذا الرجل الصوفي كل قيم ومفاهيم الحياة، فهو معلمي الروحي على الرغم من انتمائه إلى التعليم بالفطرة والتصوف، ففي قرية "مورك" التابعة لمحافظة "حماة" أبصرت عيناي النور عام 1964، ودرست فيها المرحلة الابتدائية، أما المرحلتان الإعدادية والثانوية، فدرستهما في مدينة "دمشق". بداياتي الشعرية كانت عندما كنت طالباً في الجامعة، حيث تعرفت إلى عدد من الكتاب والشعراء؛ وهو ما شجعني على المضي في هذه المغامرة الروحية التي كانت تهتز وتورق من خلال الشعر، لم يكن للعائلة دور ظاهر في الحقيقة، لكن الشاعر ابن بيئته وتجربته والعالم الذي يحيط به، ومن خلال مطالعاتي المبكرة تأثرت كثيراً بشعراء وكتاب كثر، منهم: شعراء المعلقات، وعلى رأسهم "عنترة"، و"الشنفرى"، و"إيليا أبو ماضي"، و"أبو تمام"، و"ابن الفارض"، و"الحلاج"، و"الشريف الرضي"، و"بدوي الجبل"، و"نزار قباني"، و"بدر شاكر السياب"، فالقراءة هي المصنع المولد للجمال واللوحة الأدبية، أضف إلى أن كل الأدب والفن والموسيقا والرسم والفلسفة والعلوم مفضلة لدى الشاعر حتى يكون موسوعة يستنبط منها نصه المنوع، فالكتاب بالنسبة لي هو ذلك الصديق والبطل في كل قصيدة وكتابة، فهو الدليل في لحظات الافتراق عن الحياة والدخول في عالمي الخاص وصومعتي السرية، إنه الحبيبة التي أمارس معها أروع لحظات العشق البريء، فالشاعر عفوي بالمطلق مع اللا وعي، فإذا قصد أصبح "نظاماً" لا شاعراً، وبرأيي إن الإبداع ليس مهنة أو دراسة يمكن تحقيقيها من خلال الجد والاجتهاد، بل هي فطرة يخلق المبدع عليها موجودة في حليب أمه يرضعه منذ اللحظة الأولى للحياة، ثم يكتمل من خلال القراءة والفهم الواعي لهذا الكون، فلا بد للشاعر أن يمتلك الشعور والانفعال والتأثر والعاطفة والوجدان والرؤية والهاجس، إضافة إلى امتلاكه مقاليد اللغة والتعبير والموسيقا والموهبة الفطرية، فإذا اجتمعت هذه كلها، صبّ الشاعر حروفه كلمات وسطوراً لامعة في غياهب العقل الباطن، ثم أدركها بالعقل الواعي، لتكون القصيدة على الورق».

الشعر هو النور المسافر في دمي قبل التكون ربما في جينات الروح و خلايا الجسد، تشكل ذلك الوريد العازف على أوتار الزمن وهواء الرئتين لمّا امتلأتا بعد الصرخة الأولى من الحياة

وعن كتاباته تابع: «كتبت الرواية في المرحلة الجامعية، لكنني لا أعدّ نفسي إلا شاعراً حتى لو كتبت أجناساً أدبية أخرى، فالكتابة الشعرية بالنسبة لي حالة التفجر من الروح والذات الشاعرة، هذا التفجر الفائض عن هواجس النفس اللا واعية واللا مدركة لتكون الكلمة بجوهرها، فهي التعبير الأقصى عن الزمن والحركة، حيث يمر المعنى وتمر الصورة أمام شاشة الفكر والروح، فتتحرر على شكل طاقة وتفريغ باتجاه واحد لا يمكن كبته أو إيقافه، فكيف يكون للشاعر نوع من القصائد أو شكل يقرره؟ فالشعر في ماهيته الحقيقية تعبير إنساني فردي يتمدد ظله الوارف في الاتجاهات الأربعة، فهو وليد الشعور بما يحمله من تأثر وانفعال، رؤى وأحاسيس، عاطفة ووجدان، صور وتعبيرات لفظية، فهو قدح الروح بزناد العقل، إضافة إلى أن الكثيرين أطلقوا مصطلح القصيدة النثرية على الشعر الحديث، وهو لعمري ضرب من الضبابية والغموض والضياع. أما الشعر فهو الأصوات والأحاسيس والإيحاءات، وهو بناء الشاعر المطرز بالنجوم الممتلئ بالخيال والتجربة والرؤية المتلائمة مع الحالة النفسية واختلاجات الداخل بما يتوافق مع البنية الفنية والذائقة الجمالية».

مجموعة دواوينه الشعرية

وعن رسالته قال: «لا بد للمثقف من حمل رسالة كونية إنسانية، فبرأيي إن المثقف "نصف نبي"؛ لا بد أن ينشر رسالته بصدق وأمان لوضع بذرة القيم والجمال والمواطنة، وبناء جيل منفتح على الكون والعلم والثقافة المغايرة وقبول الآخر بثقافته وفكره وأيديولوجيته؛ وهذا جزء من دور المثقف الحقيقي، والأهم من ذلك، أن يكون حراً في طرحه من دون انتماء إلى مذهب أو فكر متطرف مهما كان، وأن لا يتقمص صورة القبيلة أو العائلة أو الدين، فالأدب حر لا دين ولا قبيلة، وكم هو جميل أن يكون المثقف فكراً عابراً للمكان والزمان ويحمل كل مواصفات الإنسانية! وفي حالات خاصة يتحول إلى مثقف طوارئ للوطن؛ ففي حالة الجرح والألم، لا بد أن ينبري بقلمه وعقله ليكون على قدر الحدث، وتكون حروفه موجهة لصياغة السد المنيع المدافع عن حياض وطنه».

وعن رأيه بالجمع بين الدراسة العلمية وموهبته، يضيف: «بالنسبة إلى تجربتي الشخصية في هذا المجال، فالطب مهنة من أرقى المهن، وهي تكمِّل صفة الإنسان الطبيب الذي لا بد أن يكون إنساناً ليحقق هذه المعادلة المعقدة، وعندما يستكمل الإنسان الأدوات العلمية ويحقق إنسانيته، يكون رسول رحمة وملاك محبة، فكيف إذا كان شاعراً حالماً يخوض في أرواح البشر ويعالج الروح والآلام فيكتملان؛ ما بين طبيب يداوي الجسد، وشاعر يداوي الروح، فهناك تناغم وتكامل جميل بين المسألتين».

مشاركته بالاتحاد العام للأدباء و الكتاب العرب بالعراق

تحدث الشاعر والأديب "عبد الكريم الناعم" عن الشاعر والدكتور "العتيق" بالقول: «تعرّفته من خلال مشاهدتي لكتاباته على صفحات شبكة الإنترنت، وندواته الأدبية التي يقيمها، وتميزت قصائده بالبساطة العميقة والبعد عن التعقيد والانفعال، فلديه تجربة متميزة تنم عن مخيلة شعرية فريدة ولوحات تفنن في تصويرها تصويراً يعتمد الإيحاءات الغامضة البسيطة التركيب، يرسم الكلمة بالصورة الحية الدالة ذات الأبعاد والاستنادات التراثية الأصيلة، إضافة إلى أن انفعالاته تنفذ إلى الروح بسلاسة متجاوزة حدود الفردية الضيقة إلى رحاب الإنسانية الواسع، فهو من خلال كلماته لا يبحث عن الصورة فقط، وإنما من أجل خدمة النص أيضاً، فهذه السلاسة والبساطة لفتت نظري بأشعاره».

الجدير بالذكر، أن الشاعر الدكتور "محمد سعيد العتيق" صدرت له أربع مجموعات شعرية، وهي: "وجد وعشاق الشآم"، و"على ضفاف الروح"، و"طرائد النور"، "رنين الظلال" الذي صدر عن وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب، ولديه أربع مجموعات شعرية قيد الطباعة، وتم تكريمه بالعديد من الملتقيات الأدبية داخل "سورية" وخارجها، وقد حصل على جائزة "يا مال الشام" عام 2016، وجائزة "بردة فارس الشعر" في "العراق"، وهو خريج كلية الطب البشري بجامعة "حلب"، ودرس ماجستير المختبرات الطبية في "دمشق"، وتخصص دقيق في أمراض الدم في "دمشق".

الأديب عبد الكريم الناعم