في عزلة هي أقرب إلى الرَّهبنة، وسط الكتب ومسوّدات الأشعار والترجمات، يشيّد الشاعر "حازم عبيدو" عالمه بمدامك الكلمات، التي يراها مُنجز الإنسان الأنبل. وفي الطريق إليه لن تضلَّ الوصول، وفرادته تقودك نحو قيمة أدبيّة خاصّة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر "حازم عبيدو" بتاريخ 2 نيسان 2018، ليتحدث عن بداياته الشعريّة بالقول: «في مناخ النشأة -منتصف الثمانينات- كان الشعر يمثّل الحالة الأبرز والأرفع في الوجدان عموماً، ويندر أنْ نجد دفتراً مدرسيّاً لا تذيّله أبيات أو مقاطع شعرية، كان هو وسيلتنا في الرفض والمحاججة، وفي الحب أيضاً. داخل هذا المناخ تكوّنت بداية أقوال وعبارات شعريّة تصدح بأصداء شعراء تلك المرحلة، ثمّ أخذت تظهر أولى القصائد، ولاحقاً في وقت متأخر عام 2009، قرّرت نقل مجموعة قصائد من نور غرفتي إلى عتمة النشر، فأصدرت مجموعتي الأولى: "تتناوبين على بريق المعدن"، وهذه كانت وسيلتي -وهذا غريب ربّما- في دفن هذه القصائد في ضريح جذّاب، ووضع اسم على نهاية مرحلة كنت قد بدأت أشعر بانحسارها لمصلحة نصوص أكثر مكراً في إخفاء ظلال الآخرين، وأمتن صلة بالبشر وهشاشتهم لا مطمحَ لها في قراءة الغيب، أي غيب، وضمن هذا المسعى أعدُّ لمجموعتي القادمة».

لقد ولج "حازم" عالم الشعر بخطوات واثقة، يعمّدها العشق والحكمة وبهاء الكلمة

أمّا عن تأثيرات المجتمع المحيط والعائلة، فأضاف: «لم يكن في العائلة شاعر بالمعنى الحرفي، لكن كان هناك الكثيرون من قرّاء الشعر، وأظنّ أنّ لأمّي الأثر الحاسم؛ ففي سنوات طفولتي الأولى، قصّت عليّ غربة "السيّاب" الذي كانت الفتيات يغرمن بقصائده وينفرن من شكله، وعن حنين "نزار إلى "عروسة السكّر". حفظت عنها أبياتاً ولا سيّما قصائد "مظفر النواب" باللهجة المحكيّة، جذبتني هذه الطريقة في الكلام التي لم أكن أدرك معناها، غير أنّها كانت كافية لأرى أنّ ثمّة عالم آخر، أكثر سحراً وجاذبيّة من الذي نعيشه، تشكّله الكلمات، ولا أزال إلى هذه اللحظة أسير فتنته، وإن اختلفت شروط الأسْر من حين إلى آخر».

مجموعته الشعرية

يواصل الحديث متناولاً تجربته في الترجمة: «ما شجّعني على الخوض في غمار الترجمة وجود شريكة بمستوى "أيف كادوري"، فهي ابنة اللغة الفرنسية، وتمتلك حساسيّة عالية في التقاط مقاصد هذه اللغة، نحن نعمل كثنائي، ولا يمكن أن ينجز العمل من دونها، عملنا على هذا النحو يجعل الكتاب من أوّل جمله حتّى آخرها مثار نقاش، ويحرّر المعنى من وجهة النظر الواحدة لتغدو روح اللغة الفرنسيّة مرتاحةً داخل جسدها العربي. كما أنّ هذه المهنة تحتاج إلى صقل مستمر للمعارف وتواضع جمّ، هي مهنة الظلّ؛ إذ كثيراً ما يُثار نقاش حول كتاب من دون الالتفاتة إلى اسم المترجم، وهذا يناسبني، كما لا يمكن أيضاً إغفال الجانب المادي، فللترجمة دوماً ناشر يشتريها. أمّا البداية، فكانت مع رواية صغيرة لـ"ماكسنس فرمين" بعنوان: "الكمنجة السوداء"، التي صدرت عن "مشروع كلمة" للترجمة في "أبو ظبي"، فاجأنا الاستحسان الذي لاقته الرواية، وخاصة بين أوساط الشباب، ثم توالت الأعمال».

وبخصوص الملامح التي تميّز مشروع الترجمة، يقول: «منذ البداية كانت خياراتنا، سواء التي نرشّحها لدار النشر، أو ما تقترحه الدار علينا، تنتمي إلى راهن الكتابة الفرنسيّة، وقد سبق لنا الاعتذار عن ترجمة العديد من الأسماء الفرنسيّة المكرّسة. مشروعنا يتلخّص بالمساهمة -بتواضع- في إثراء معرفتنا عن أدب الزمن الذي نعيشه، بماذا يحلم هذا الأدب؟ وكيف يبتكرُ حكاياته؟»

بعض الكتب المترجمة

وعن أعماله الحاليّة، يجيب: «نعمل على ترجمة الكتاب الثالث من "ثلاثيّة النمل" للكاتب "برنار فيربير"، وهو "ثورة النمل"، وقد سبق لنا ترجمة الكتابين الأوّلين: "النمل"، و"يوم النمل"، وقد صدرا عن دار المدى، وهي ثلاثيّة مشوّقة، يمزج فيها المؤلّف بأسلوب بارع بين الفلسفة والخيال العلمي. كما أُعدُّ لإصدار مجموعة شعريّة خاصة بي».

من جهتها تصف "أيف كادوري" عملها مع "حازم" بالقول: «تربطنا صداقة قديمة، جمعنا الشغف المشترك بالأدب، ولا سيّما الأدب الفرنسي. العمل معه جدّي إلى أقصى الحدود، ويشعر بمسؤوليّة عالية نحو القارئ؛ وهو ما يجعل التفكير بالعمل مع غيره مستحيل؛ إذ لدينا فهم متطابق للترجمة، ويصعب أن أجده في شريك آخر، ويتجلّى واضحاً في الاتّفاق على الحدود الفاصلة بين الإبداع، على اعتبار الترجمة فعلاً إبداعياً بالنتيجة، وبين الأمانة حدّ التزمّت، بما أنّ النصّ المُترجَم هو لمؤلّف آخر له لغته وأسلوبه. والتوازن بين هذين الحدّين يجعل العمل مرهقاً وجديراً في آن معاً».

وفي سياق تعليق الشاعر "مخلص ونوس" على مجموعة "حازم عبيدو" الشعريّة التي حملت عنوان: "تتناوبين على بريق المعدن"، يقول: «يرسم بفنيّة عالية صوراً مدهشة تنمّ عن شاعرية خصبة، وتجربة وجدانية وحياتية، حيث تستحيل اللغة بين يديه عجينة يشكّل منها ما يريد من معالم روحه التوّاقة».

أمّا القاص "محمد عزوز"، فيضيف: «لقد ولج "حازم" عالم الشعر بخطوات واثقة، يعمّدها العشق والحكمة وبهاء الكلمة».

مُقتطف من قصيدة:

"لا يكفي أنْ تُشيحَ ببصركَ إلى الجهةِ الأخرى كيلا تَصيرَ حَجَر.

المطرُ، لا يَغسِلُ آثارَ الأسماكِ التي تَتَخبَّطُ في الوجه.

ولن يُساعدكَ عُكّازُ الضرير بألّا تَرى ألبومات الصُور تَسيلُ مع أعصابِ المكان

تُبقّعُ الشّارعَ الذي نهرعُ إليهِ، مُرتدينَ قُمصاننا بالمقلوب، مُحاولين

التشبُّثَ بحياةٍ بَصقنا مِرَراً على أسفلتِها".

يذكر أن "حازم عبيدو" من مواليد مدينة "سلمية" عام 1973، خريج كلية الإعلام في جامعة "دمشق"، عمل في مجال التحرير الإعلامي في مؤسسة "الآغا خان" في "سورية" حتى عام 2011، ونشر عدة مقالات في صحف عربية ومواقع إلكترونية. له مجموعة شعرية صادرة عن دار "كنعان" عام 2009، بعنوان: "تتناوبين على بريق المعدن". والعديد من الترجمات بالاشتراك مع "أيف كادوري".