لقّب بفنان الصبر؛ فمن أدوات بسيطة من أعواد ثقاب ولاصق استطاع الفنان "مازن إسماعيل أبو عبدالله" كسر القواعد وابتكار تصاميم ومجسّمات ليدخل عالم الفن التشكيلي، وتكون أعماله سفيرة له في معظم الأماكن السياحية والتراثية، وتحاكي تراثنا وتاريخنا وحضارتنا.

الفن بحر واسع لا حدود له، أدواته مخفية، وعين الفنان هي الوحيدة القادرة على اكتشافها، لرؤية الأشياء بطريقة مختلفة وغير مألوفة؛ وهذا ما حصل مع الفنان التشكيلي "مازن اسماعيل أبو عبدالله"، مدونة وطن "eSyria" تواصلت معه بتاريخ 3 أيار 2018، فحدثنا عن موهبته التي تفرّد بها عن غيره من الفنانين، حيث لم تكن المساحة البيضاء والفرشاة والألوان أدواته، وإنما أعواد الثقاب التي لا تصلح إلا للاشتعال بنظر الكثيرين، متمكناً من تصميم مجسّمات بطريقة متقنة ولوحات جميلة بدقة وتركيز عاليين، وعن بداياته قال: «الابتكار لا يقتصر على الحجم أو العدد، إنما على الفكرة البسيطة والجميلة والمتقنة، وموهبة الفنان هي التي تمده بالأدوات والطرائق، وتمكّنه من الغوص في عوالم ذاته، وتطفو على السطح وتعبر عن مكنوناته بطريقة خلاقة. الطبيعة الخلابة التي تتمتع بها منطقة "مصياف" ساهمت بتنمية حسي الفني وأغنت تجربتي الفنية. بعمر 14 عاماً صمّمت بيتاً ريفياً من علب الكاسيت البلاستيكية وكسوته بأعواد الثقاب، ولاقى تصميمي تشجيع وإعجاب المحيطين بي وخاصة والدتي. طورت أدواتي مستخدماً الألواح الخشبية التي كنت أعمد إلى قصها ثم تشكيلها وإعادة تركيبها، مع إضافة بعض الإكسسوارات، كالإضاءة، والحدائق، والتلوين لتتناسب وطبيعة العمل، وتشجع على اقتنائها، مستلهماً من التراث السوري والبيئة الريفية وحارات "دمشق القديمة" العديد من الأفكار الجميلة».

الابتكار لا يقتصر على الحجم أو العدد، إنما على الفكرة البسيطة والجميلة والمتقنة، وموهبة الفنان هي التي تمده بالأدوات والطرائق، وتمكّنه من الغوص في عوالم ذاته، وتطفو على السطح وتعبر عن مكنوناته بطريقة خلاقة. الطبيعة الخلابة التي تتمتع بها منطقة "مصياف" ساهمت بتنمية حسي الفني وأغنت تجربتي الفنية. بعمر 14 عاماً صمّمت بيتاً ريفياً من علب الكاسيت البلاستيكية وكسوته بأعواد الثقاب، ولاقى تصميمي تشجيع وإعجاب المحيطين بي وخاصة والدتي. طورت أدواتي مستخدماً الألواح الخشبية التي كنت أعمد إلى قصها ثم تشكيلها وإعادة تركيبها، مع إضافة بعض الإكسسوارات، كالإضاءة، والحدائق، والتلوين لتتناسب وطبيعة العمل، وتشجع على اقتنائها، مستلهماً من التراث السوري والبيئة الريفية وحارات "دمشق القديمة" العديد من الأفكار الجميلة

ولدى سؤالنا عن مراحل تطور فنه أجابنا: «المتابعة والتجربة والممارسة أشبعت رئتيّ بمختلف أنواع الفنون من رسم وتصميم؛ وهو ما طور رؤيتي الفنية، وانتقلت من تصميم وتشكيل المجسمات إلى فن الرسم بأعواد الثقاب، وتشكيل لوحات أستقي فكرتها من خيالي ومن الطبيعة وما يحيط بي مستخدماً الألوان الطبيعية لرأس أعواد الثقاب، وطبيعتي الهادئة تآلفت مع هذا الفن الذي مفتاحه الصبر، ولقّبت بفنان الصبر؛ فهناك أعمال تأخذ مني أكثر من عشر ساعات عمل متواصل تبعاً لحجمها وطريقة تكوينها، وتحتاج إلى أكثر من خمسة آلاف عود، والمتعة التي أشعر بها وأنا أصمّم عملاً تعطيني طاقة وقدرة على التحمل. حاولت تعليم هذا الفن لعدد كبير من الأصدقاء، إلا أنهم تراجعوا لعدم قدرتهم على الصبر، فمن يرى العمل من الخارج يبدي إعجابه، ويظن أنه عبارة عن لصق عدد كبير من العيدان بطريقة مرتبة، لكن ما إن يبدأ التجربة حتى يكتشف صعوبة هذا الفن القائم على جمع عدة مواهب بموهبة واحدة، إذ لا مكان للخطأ، والدقة مطلوبة، فبمجرد أن أمسك عود الثقاب أعرف أين سأضعه، والشكل النهائي للعمل الفني. وما يميز أعمالي أنها مختلفة ولا تتشابه، ودائماً هناك جديد».

من مشاركاته بأحد المعارض

وعن المعارض التي شارك بها والشعور الذي كان يلامس قلبه في نهاية كل عمل، قال: «بأدوات بسيطة كمقص الأظافر والمشرط والمسطرة واللاصق وأعواد الثقاب تمكنت من تصميم الكثير من المجسمات التي تحاكي بيئتنا المحلية والتاريخية كالقلاع والحصون، والكثير من اللوحات التزينية، والشمعدانات وعلب الضيافة وساعات جدارية، وأعمال فنية مختلفة، كمجسّم للسيدة "العذراء" أو السيد "المسيح" عليهما السلام، وشخصيات دينية وتاريخية، وجلتُ "سورية" عارضاً منتوجاتي في معظم المراكز الثقافية والأماكن الأثرية التي أقيمت بمختلف أنحاء "سورية" وقصورها التاريخية، مثل: قصر "العظم"، و"التكية السليمانية"، و"خان أسعد باشا"، ولطالما لمست شغف الزوار واهتمامهم بهذا النوع من الفنون، فهم لم يعتادوا التعامل مع أعواد الثقاب بهذه الطريقة الفنية التشكيلية، وكنت أشرح خطوات العمل بدقة، وخاصة لجيل الشباب الذين كان يبهرهم التشكيل، لكن ينقصهم الصبر، ففي مجسّمات الأبنية الطابقية أتبع فيها خطوات البناء الأساسية من رسم مخطط، ثم تركيب أعمدة وتمديد كهرباء، ثم الإكساء. ومراحل تشكيل اللوحات الفنية أكثر متعة؛ لأنك تخرج بعض أحاسيسك وأفكارك بطريقة فنية، وملامسة قلم الرصاص لمساحة فارغة تطلق العنان لروحك الفنية، ثم تحديد الخطوط الرئيسة بأعواد الثقاب حسب الحجم، ولا أحب إضافة الألوان إلا ما ندر؛ إذ يبهرني اللون الطبيعي، وبعدها أدهن المنتج بمادة خاصة لحمايته من العوامل الخارجية، وحاولت أن أدخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، لكن حتى اللحظة لم أجد من يدعمني مادياً أو معنوياً، علماً أن هذا الفن معروف في معظم أنحاء العالم، ويلقى صدى كبيراً، وأنا استفدت من متابعتي لتجارب الآخرين وإبداعاتهم».

فنانة الأعمال اليدوية المختصة بأعمال القش والخيزران "منى أبو الخير" أعطتنا رأيها بأعمال الفنان "مازن اسماعيل" قائلة: «تفرده بالمادة وجمال وتقانة أعماله الفنية حجزت له مكاناً دائماً بالمعارض اليدوية والتشكيلية، فالمواد التي يستخدمها على الرغم من بساطتها صعب التعامل معها، حيث يمر العمل الفني بمراحل متعددة ومختلفة، ولا بد للفنان الذي يعمل بهذا المجال أن يمتلك عدة مواهب مجتمعة منها حس التصميم والتشكيل والرسم، ويتمتع بروح الصبر والدقة، فهناك أعمال تراوح فيها أحجام أعواد الثقاب بين الكبير والوسط والصغير؛ وهذا ما جعله يضيف إلى هذا الفن، فقد أدخل خامات متعددة تتناسب وطبيعة العمل، كالفخار وعجينة الورق والمرايا والإطارات الخشبية مبتكراً مجسمات ولوحات تدخل بديكورات المنازل كالشمعدانات، ويمتلك روح التحدي، ويفاجئنا دائماً بتصميم شكل جديد ينتقيه إما من تراثنا السوري أو إحدى الشخصيات التاريخية أو الدينية المعروفة، من ناحية الحجم والتصميم، واستخدامه لأكبر عدد من أعواد الثقاب، حيث تحتاج بعض الأعمال إلى أكثر من خمسين ألف عود ثقاب، فهذا يضعه أمام مسؤولية وتحد أكبر أمام مقدرته الفنية التي تظهر وتتبلور دائماً مع الوقت. عمل وجهد لمدة 35 عاماً بهذا المجال، تبلور بأشكال فنية مبتكرة ودقيقة».

مجسّم للسيدة العذرء

يذكر، أن "مازن إسماعيل أبوعبدالله" من مواليد "دمشق"، عام 1967.