ضمن غرفتين مفعمتين بالحب والثقافة العالية نشأ الروائي الشاب "محمد المير غالب" ليتحف القراء بروايته الأولى "شهد المقابر"، ويتوّج مسيرته القصيرة مع الأدب بثقة المتمكن العارف بخبايا الورق وسطوة السطور، محافظاً على موروث ثقافي غني لدى عائلته الكبيرة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 29 تشرين الثاني 2018، الأديب "محمد المير غالب"، ليتحدث عن دراسته وميوله الأدبية، فقال: «درست المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدرسة "العروبة"، وحصلت على الثانوية في ثانوية "قتيبة"، وتخرّجت في المعهد السياحي بـ"حمص"، لكن لم أكن راضياً عن دراستي، لذلك تقدمت إلى امتحان الثانوية العامة مرة ثانية، ودخلت كلية الترجمة (فرنسي) في "اللاذقية" أولاً، ولم أتابع دراستها، فسجلت ترجمة (إنكليزي) في جامعة "البعث"، وأنا الآن في السنة الأخيرة من دراستي.

في زمن قلّت فيه المواهب الشّابّة، برز أديب شاب في العشرينات من عمره، وخاض تجربة كتابة الرواية باكراً، وعلى الرّغم من العمر الزمني له، فإنّ عمر التجربة يبدو طويلاً، وهذا يثبت أن التجارب لا تُقاس بسنّ الأديب. ربّما كان للعامل الوراثي أثره الفعّال في الموهبة، لكنّ ذلك لا يكفي، إلا إذا رافقته خبرة ومعرفة، وهذا ما تمّ، وقد ظهر ذلك في كثير من كتاباته التي تعبّر عن خبرة في كتابة القصة، فقد قرأت له بعض قصصه القصيرة، ورأيت فيها كاتباً موهوباً ومثقفاً ومتمكناً من ناصية الفن القصصي لغة، وسرداً، وحبكة، وقد فاجأني بقدرته على خوض تجربة الرواية، وهي مغامرة قلّما ينجح فيها الكثيرون، لكنّ الأديب الشاب "محمد المير غالب" نجح بامتياز، وتجربته تبشّر بولادة مبدع وروائي عظيم

ولدت في منزل مؤلف من غرفتين، إحداهما مكتبة، وهي إرث ثقافي من جدي الراحل الدكتور الباحث "مصطفى غالب"، ومنذ طفولتي وجدت منهلاً لشغفي في المطالعة، مع أنني قرأت في أدب الصغار، إلا أنني وجدت في المكتبة متعة في الاطلاع على أدب الكبار، ووجدت في الكتب أقراناً لي، كما أنني كنت أرافق أبي الأديب "مهتدي غالب" في نشاطاته المسرحية، وكانت تقام على مستوى المجلس والمركز الثقافي العربي في "السلمية". بدأت الكتابة في المرحلة الابتدائية، حيث كتبت قصصاً ونصوصاً مختلفة، من خاطرة وشعر ومسرح، وكرمت رائداً على مستوى القطر في التمثيل عندما كنت طليعياً في المرحلة الابتدائية، وشاركت في مسابقات الشبيبة في المرحلة الإعدادية، وفزت بالمرتبة الأولى عن مسرحية "ميراث الأب" عام 2004، وشاركت والدي الأديب "مهتدي غالب" في المسرح، وفزت بجائزة الممثل الأول عن المسرحية التي كتبها "لعبة الأذكياء"، وبقيت ملازماً له في المسرح حتى آخر عمل قدمته؛ مسرحية "الاستثناء والقاعدة"، ثم تركت التمثيل لأكتب السيناريو، وقد أعجب المخرجون بكتاباتي، لكنني لم أتابع أيضاً لأتفرّغ للقراءة وكتابة الرواية».

الإهداء في روايته

وعن كتابته للرواية والقصة، قال: «بعد أن تركت التمثيل مع والدي، عدت إلى نهمي في المطالعة وأصدقائي الكتب في مكتبة جدي العامرة، أنهل منها ما يطيب لي. لكن الحروب التي قامت على أرض وطننا "سورية"، وما رافقها من أحداث، وما خلفته ظلالها الاجتماعية الحزينة، كانت رحماً لولادة روايتي الأولى "شهد المقابر"، التي فازت بجائزة "كتارا" العالمية في دورتها الثالثة عام 2017؛ وهذه المسابقة تقام كل عام للرواية غير المنشورة، وقد احتفلت بتوقيعها في مهرجان "كتارا" للرواية العربية في دورتها الرابعة عام 2018 في "الدوحة". أما الجائزة، فهي عبارة عن مبلغ مالي وطباعة الرواية، ونشرها عالمياً، بعد ترجمتها إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية.

كما أنني شاركت بمسابقة خاصة لأدب الشباب في القصة القصيرة، التي أقامها اتحاد الأدباء الدولي في "الولايات المتحدة الأميركية" لأفوز بالجائزة. وآخر أعمالي مجموعة قصصية للأطفال، ورواية أخرى قيد الطباعة».

غلاف الرواية التي ترجمت إلى لغتين

وعن تجربته الروائية، تحدث القاصّ "محمد عزوز" قائلاً: «تجربة الأديب الشاب "محمد المير غالب" فاجأتني منذ سرتُ مع أول فصول روايته "شهد المقابر"، التي استحقت عن جدارة جائزة "كتارا" للرواية العربية لعام 2017.

قدرة روائية عالية المستوى، مع أنها عمله الأول، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على ثقافته وقراءته الواسعة، لم لا؟ وهو ربيب أسرة كان هواؤها الثقافة؛ فجدّه الباحث الراحل د."مصطفى غالب"، ووالده الأديب المتميز "مهتدي غالب"، وروايته تضخّ معلومات واسعة وتفاصيل دقيقة عن فترة الحرب على "سورية"، وترتبط بكل الأطراف التي حاربت هنا، وبدا وكأن الكاتب عاش معها كلها مع أنه لم يغادر مدينته، وليس لديه أي تجربة في القتال أو الحرب. اللغة فيها تنتقل من لغة الأدب إلى لغة الشارع والحي ومخيمات اللاجئين السوريين، وتصل حد بعض اللهجات الخاصة في "سورية". هي رواية متقنة كتبها شاب امتلك الأداة، أما الخبرة، فقد أتت من قراءة الواقع قراءة سليمة ودقيقة».

المربي الشاعر "فائق موسى" تحدث عما وجده بتجربة "محمد المير غالب"، قائلاً: «في زمن قلّت فيه المواهب الشّابّة، برز أديب شاب في العشرينات من عمره، وخاض تجربة كتابة الرواية باكراً، وعلى الرّغم من العمر الزمني له، فإنّ عمر التجربة يبدو طويلاً، وهذا يثبت أن التجارب لا تُقاس بسنّ الأديب. ربّما كان للعامل الوراثي أثره الفعّال في الموهبة، لكنّ ذلك لا يكفي، إلا إذا رافقته خبرة ومعرفة، وهذا ما تمّ، وقد ظهر ذلك في كثير من كتاباته التي تعبّر عن خبرة في كتابة القصة، فقد قرأت له بعض قصصه القصيرة، ورأيت فيها كاتباً موهوباً ومثقفاً ومتمكناً من ناصية الفن القصصي لغة، وسرداً، وحبكة، وقد فاجأني بقدرته على خوض تجربة الرواية، وهي مغامرة قلّما ينجح فيها الكثيرون، لكنّ الأديب الشاب "محمد المير غالب" نجح بامتياز، وتجربته تبشّر بولادة مبدع وروائي عظيم».

يذكر، أن الروائي الشاب "محمد المير غالب" من مواليد مدينة "السلمية"، عام 1991.