"أمّ العطاء" لقب نالته الأمّ الشاعرة "رواء العلي" من الأوساط الاجتماعية والثقافية في مدينتها والمناطق التي تترك فيها بصماتها الخيرية، إضافة إلى العالم الافتراضي الذي حولته إلى حقيقة بنشاطاتها الثقافية والدعم المعنوي والمادي، وترجمت ذلك بديوان: "لمة شمل ثقافي".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 9 آذار 2019، مع الشاعرة "رواء العلي"، فتحدثت عن نشأتها قائلة: «إن الطبيعة الساحرة والمجتمع الأصيل اللذين تتمتع بهما مدينتي "سلحب"، والتعليم الأولي الذي تلقيته على يد معلمين أكفاء أظهر موهبة الشعر لديّ، وجعلني أحبّ الشعر وأخطو أولى خطواتي على طريقه، فكنت في طفولتي مولعة بالقراءة، وهي المرحلة الأولى التي عزّزتها بالمعرفة المكتسبة بقراءة أمّات الكتب في شتى مجالات المعرفة وأكسبتني الهوية الثقافية الحقيقية، وكان تأثري شديداً بشعراء المهجر؛ لأنني وجدت فيهم نفسي؛ خاصة "جبران خليل جبران" في كتابيه "النبي" و"الأجنحة المتكسرة"، ولم أقف عند الشعر فقط، بل قرأت كل ما وقع تحت يدي من أنواع المعارف والعلوم في جميع جوانبها الاجتماعية والعلمية والفلسفية والفنية، وهذا هيأ لديّ قواعد بناء مؤسستي، مؤسسة "الجيل الجديد للثقافة والإعلام" فيما بعد، حيث دخلت عالم الشعر وأنا طالبة في المرحلة الإعدادية، وأذكر أن أستاذ اللغة العربية أثنى على إحدى قصائدي وأرسلها لتنشر في مجلة المدرسة وتكون حافزاً للآخرين، وكان لهذه الحادثة وقع خاص لأتذكرها دائماً وتشعل بداخلي الكثير من التحفيز».

قصيدتي تحمل نبوءتها ## وتسري في وميض عينك ## انكشف النور ## فتغلغلت ## حتى أنارت وجنتيك ## حيث زيت السماء ## يقبل يديك ## حتى اتحدّ الكوكب الدريّ ## في جسد فسيح ## فجاء الغيب الحزين ## بكبرياء مقلتيك ## سرقت وداعة الفرح ## وألقت جمرها ## فأشعلت أغنيتي ## طهارة معصميك

حفلت حياة الشاعرة "رواء العلي" بمحطات كثيرة، كما أنها تعدّ سنوات الحرب من المحطات المهمة بالنسبة لها، فتقول: «نادتني محطة الواجب حين شنّ الإرهاب حربه ضد وطني العزيز، الذي جعل الربيع فيه خريفاً لأغلب الأسر السورية، فنهضت أنا وأسرتي لمحاربته بكل ما نملك، ومن نتائج ذلك استشهاد أحد أبنائي، وإصابة زوجي بفقد إحدى عينيه، وإصابة ابني الثاني الشهيد الحي، وكان الردّ مني بتصميم وعزيمة قوية؛ إنك أيها الإرهاب الغاشم لم ولن تستطيع كسر الأمهات السوريات ولو اضطرتهم للتضحية بجميع أبنائهن في سبيل الوطن؛ وهو ما جعلني أترجم هذا التصميم بالعمل التطوعي في خدمة أبناء وطني عن طريق عمل مؤسسة "الجيل الجديد للثقافة والإعلام" التي تخدم المبدعين من أبناء الوطن، وتكون منبراً حرّاً لكل إبداع متميز وفن راقٍ، ولم تقتصر نشاطاتها على الأعمال الأدبية بفنونها المختلفة، بل تعدى ذلك إلى كل أنواع الإبداع».

رواء العلي تكرم مبدعين سوريين

وكان ديوان "لمة شمل ثقافي" إحدى محطاتها المهمة، فتتحدث قائلة: «نظرت نظرة شمولية واسعة إلى وطني الأكبر من "المحيط" إلى "الخليج"، فحاولت جمع أبناء هذا الوطن الكبير تحت مظلة عمل جمعي يوحد اتجاهاتهم في جميع أقطار الوطن، فكانت فكرة "لمة شمل ثقافي"، التي جاءت فكرته من خلال عمل مسابقة لاختيار أفضل عمل أدبي على مستوى الوطن العربي، وكان لمنسق المؤسسة سفير السلام "رعد كامل" الدور في الفكرة والجهد، وتم ذلك عن طريق تكوين لجنة من النقاد الأكاديميين من أغلب الاتحادات للكتاب العرب من مختلف الدول العربية، وأخذت مسمى لجنة التحكيم والنقد، وتم الإعلان عن المسابقة، وتقدم أدباء من جميع أقطار الوطن العربي وصل عدد أعمالهم إلى 1880 مشاركة، وفاز الشاعر المصري "محمد حافظ حافظ"، وكانت جائزته طبع ديوانه الذي يحمل عنوان: "قبلة مؤجلة" على نفقة المؤسسة الخاصة، وقد حصل على قراءات نقدية كثيرة من أشهر النقاد عربياً وعالمياً، فأعطاني هذا الديوان وما حصده من صدى جماهيري ونقدي حافزاً كبيراً».

وتتابع قولها: «أحسست حينئذٍ بأن هذا الشيء لم يرضِ طموحي؛ لأن من أهداف المؤسسة خدمة أكبر عدد من مبدعي الوطن الكبير، فجاءت فكرة عمل ديوان عربي مشترك يشمل قصائد لأكبر عدد من الشعراء العرب، ثم تم الإعلان عن المسابقة، ولاقت قبولاً منقطع النظير، حيث تقدم ما يقارب 2000 من الأعمال المتنوعة الخاصة بالثقافة والفنون بكافة أطيافها العربية، وتم اختيار ستين قصيدة بواسطة اللجنة، وقمت بجمعها في ديوان اخترت له اسم: "لمة شمل"، إضافة إلى اختيار لوحات لمبدعين سوريين كان بعضها غلافاً للديوان، وكان اختيار الاسم تفاؤلاً بما سيحدثه هذا الديوان من لمة الشمل العربي الثقافي، وتمت طباعته وصدرت منه الطبعة الأولى، وبسبب التفاعل مع الديوان وصدى الفكرة الذي انتشر بين المثقفين العرب؛ أخذت على عاتقي إنشاء مكتبة عربية تنطلق من بلد الحضارة "سورية"، التي كانت وستبقى انطلاقة لكل نهج شامل من العطاء على الرغم من الزمن الصعب، وسيكون ذلك على مراحل متعددة متباعدة حسبما يسمح لي الظرف المادي الشخصي، ورسالتي لمة شمل عربي ثقافي خالٍ من عوامل التفرقة والتشتت لإنشاء جيل ثقافي».

ديوانا "إليك يا ليلة قدري" و"لمة شمل"

وعن الشعر تقول الشاعرة "رواء العلي": «الشعر بالنسبة لي هو ذاك الكوخ العتيق الذي يحمل كل معاني الأصالة والشعور الصادق داخل النفس بكل طهر وصدق ونقاء، وما يميز شعري أنه ذو وجوه؛ فهو يحتمل التأويل لأكثر من معنى، وكل قارئ يجد في قصيدتي حالة مختلفة تتناسب مع فكره؛ لأنها تميل في كثير من الأحيان إلى منحى فلسفي، وأستقي كلماتي من مشاعري وحالتي التي أعيشها، فالشعر عندي تعبير عن وجدان صادق وتجربة عشتها أو شعور صادق يقوم بطرح قضية ما، وأميل في كتاباتي إلى قصيدة النثر مع وجود القافية أحياناً، فالحالة الشعرية هي التي تفرض القالب للنص الشعري».

تقول في رثاء ابنها:

«قصيدتي تحمل نبوءتها

وتسري في وميض عينك

انكشف النور

فتغلغلت

حتى أنارت وجنتيك

حيث زيت السماء

يقبل يديك

حتى اتحدّ الكوكب الدريّ

في جسد فسيح

فجاء الغيب الحزين

بكبرياء مقلتيك

سرقت وداعة الفرح

وألقت جمرها

فأشعلت أغنيتي

طهارة معصميك».

تنوّعت أعمال مؤسسة "الجيل الجديد" للثقافة والإعلام، وتقول: «أعمال المؤسسة كثيرة، فهي تلقي الضوء على كافة الشخصيات الثقافية السورية والعربية عبر التحقيق الثقافي الذي قمت بإسناد عمله إلى الناشطة الاجتماعية "ابتسام القاسم"، وتقوم بتوثيق ذلك في وكالة المدائن الإخبارية العالمية التي أترأس صفحتها الثقافية بإشراف رئيس تحريرها الإعلامي "علي العقابي"، كما أنني أترجم "لمة شمل" ليس من خلال الدواوين الشعرية فقط، وإنما نشاطات على أرض الواقع ببعض الدول العربية من خلال التكريمات التي يقوم بها ممثلو المؤسسة».

ابتسام القاسم

وتضيف عن أعمال المؤسسة في "سورية": «قمتُ ببعض النشاطات التي تمّ من خلالها تكريم مبدعين بعد موافقة مديرية الثقافة في "حمص"، وتمّ تكريم النحات العالمي "علي عطية فخور"، والفنان التشكيلي زين الشام "علي حمود"، والدرّاج العالمي "علاء الراعي"، والفنان التشكيلي "أحمد رمضان"، وقمت بحفل تعارف لأعضاء المؤسسة وتسليمهم تكريماتهم السابقة التي كانت عبر شبكة الإنترنت، وكان العدد 25 مكرماً، وكان لتلك الخطوة الدور في الانتقال من العالم الأزرق ووسائل التواصل إلى الواقع الملموس. وتحتضن المؤسسة فعاليات لذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها جمعية "الزرزوية" لذوي الاحتياجات الخاصة، وآخر عمل قامت به المؤسسة مسابقة "لأولادنا علينا حق"، وهي تتمة للمة شمل خاص بالأطفال وتحفيزهم، وصدرت نتائجها لجميع المواهب الثقافية والفنية، وتمّ تكريمهم على ثلاثة مستويات بين الإبداع والتميز والشكر والتقدير، وهذا بهدف تكملة لمة شمل بربط عالم الطفولة بعالم الآباء».

أما الشاعرة والناشطة الإعلامية "ابتسام القاسم"، فتتحدث عنها قائلة: «الشاعرة "رواء العلي" أم وأخت وصديقة، تعلمت منها الكثير حين احتضنت موهبتي في الإعلام، وبدأت أعلن عنها عن طريق عملي كناشطة لمؤسسة الجيل الجديد بتكليف منها عرفت بأن الإعلام رسالة ومحبة وإنسانية، وتعلمت منها أن العطاء لا ينتظر ولا يعرف حدود، وأن المأساة تخلق الأمل وتصنع القدر، ونذرت نفسها لنشر ثقافة جيل واعٍ وإعداده ليعيش الحياة بالثقافة والمعرفة والوعي، لا بالإرهاب والحرب والعدوانية، وإنجازها لمؤسسة الجيل الجديد صرح ثقافي كبير وعطاء غني للثقافة والإنسانية، وتابعت ليكون ديوان "لمة شمل عربي" إنجازاً حقيقياً، وتحويله من العالم الافتراضي إلى الواقع، كما أنها ناشطة في المجالات الثقافية والإنسانية، وتقوم بالكثير منها في أرجاء "سورية".

تكتب الشعر بإحساس عالٍ وتميز يدخل القلب والمسمع، لها ديوان "إليك يا ليلة قدري"، طبعته لها منظمة حقوق الإنسان تكريماً لنشاطاتها الثقافية، وكُرمت دولياً وعربياً ومحلياً، وكُرمت عام 2017 من بين سبع نساء في عيد المرأة، ونالت الكثير من شهادات التقدير والإبداع، وهي دكتورة فخرية في الثقافة، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "الجيل الجديد" للثقافة والإعلام، ورئيس الصفحة الثقافية لوكالة "المدائن" الإخبارية العالمية، وسفيرة النوايا الحسنة لمنظمة "أجنحة السلام والديمقراطية" الدولية، ومستشار عام لاتحاد القبائل العربية في "سورية" و"فلسطين"، وعضو الأمانة المركزية لـ"اتحاد السلام للقبائل العربية"، ومستشار الأمين العام المركزي لـ"اتحاد السلام للقبائل العربية"، وسفيرة السلام العالمي».

يُذكر، أن الشاعرة "رواء العلي" ولدت في مدينة "سلحب" التابعة لمحافظة "حماة" وتقيم فيها.