سوري الهوى والمنبت، شرب من نهر "العاصي" ماءً وعلماً، وأخذ من أعمدة "أفاميا" الصلابة والشموخ، وعلى ترابها بان عليه النبوغ. المعرفة أصبحت لديه هوساً، فجال العالم ليشبع نهمه للعلم، فكانت "روما" منتهاه، لكنه بقي "بوسيدينيوس الأفامي".

مدونة وطن "eSyria" وفي إطار سعيها لتوثيق الشخصيات السورية التي أنارت العالم بعلمها وثقافتها، التقت بتاريخ 25 حزيران 2019، الباحث والصحفي والمهتم بالشأن الثقافي "سائد الخالد" ليحدثنا عن "بوسيدينيوس الأفامي"، فقال: «ولد "بوسيدييوس" في مدينة "أفاميا" السورية سنة 135 ق.م، ومنها أخذ كنيته، وفيها نبغ في العلم، فاهتم بالفلسفة والرياضيات وعلم الفلك والتاريخ وعلم الكتابة، وهو من أسرة ميسورة مادياً ذاك الوقت، ولم تبخل على علمه بشيء. كان مفكراً، فاتجه إلى الفلسفة متبحراً فيها، لكنه لم يجد ما يشبع نهمه المعرفي على الأرض السورية، فشد رحاله إلى "أثينا"؛ بلاد الفلسفة والإغريق، فوجد ضالته بالفلسفة الرواقية، وتتلمذ على يد معلمه "بلنايتوس" حتى غدا من نوابغ الفلسفة الرواقية، وكاد أن يأخذ كرسي معلمه، لكنه ترك "أثينا" ورحل إلى جزيرة "رودس"، وكانت ملتقى الفلاسفة ذاك الوقت؛ لأنها كانت ملاذاً لفلاسفة الإسكندرية الرواقيين، وفيها افتتحت مدرسة الخطابة، وهذا ما أعجب "بوسيدينوس" وراقه، فمكث في "رودوس" يوسع مداركه، ويعلّم فيها ويتعلّم، ولأنه كان سفيراً فوق العادة؛ فقد طاف في كافة أرجاء "أوروبا" وشمال أفريقية يكمل أبحاثه في كافة العلوم».

هو فيلسوف ومؤرخ من مدينة "أفاميا" على نهر "العاصي" في "سورية"، وتوفى في "روما". أسّس مدرسة في "رودس"، وسافر إلى "روما" وشمال أفريقيا. كان من طلاّبه "بومبيوس"، القائد الرومانيّ الذي ألحق "سورية" بالإمبراطورية الرومانية، وحضر محاضرات في "رودس" أثناء عودته من "سورية"، وكذلك "شيشرون" خطيب "روما". ترك مقالات عديدة، منها مقال عن النفس، وآخر عن الآلهة. وقيل إنه أعاد حساب محيط الأرض بذات الطريقة التي قام بها "إراتوستينس" بعد 150 عاماً من قيام الأخير بذلك

ويضيف "الخالد": «بسبب تأثره بالفلسفة الرواقية، التي تعتمد الفيزياء والأخلاق والمنطق؛ اهتم "بوسيدنيوس" بالرياضيات والفيزياء والفلك، وبرع فيها، حتى تم اعتماد بعض القياسات التي وصل إليها من قبل العلماء في كافة المجالات، فقد استطاع قياس بعد الشمس من الأرض، الذي استند عليه العالم "استرابون" في دراسة المد والجزر، كما استطاع قياس عرض المحيط الأطلسي، وقدّره بـ8000 ميل من خلال السفر من "إسبانيا" إلى "الهند". ولأنه صاحب فكر موسوعي؛ فقد اهتم بالتاريخ، وألّف كتاباً عن تاريخ "روما" وممالكها من عام 144 حتى 82 ق.م، لكن الكتاب مفقود، كما تضمن وصف رحلاته إلى "بلاد الغال"».

جزيرة رودس

أما عن تلاميذه، فيتابع "سائد الخالد": «لم تبقَ علومه حبيسة صدره، فقد كان عطاؤه بقدر توقه إلى العلوم، فكان يحاضر ويدرّس علومه أينما حلّ، فكان له طلاب، لكن يبقى أشهر طلابه خطيب "روما" (المفوّه) "شيشرون". وتبقى جزيرة "رودس" مهوى فؤاده، فكل رحلة قام بها لا بد أن يكون مآبه "رودس"، وفي عامه الثالث والثمانين شد رحاله إلى "روما" ليؤسس فيها مدرسة، لكن مسيرته انتهت هناك، فمات العالم الموسوعي "بوسيدينيوس" ودفن فيها، ولم يصل إلينا من مؤلفاته إلا ما ندر؛ على الرغم من أن شهرته ملأت الآفاق، إذ يقول عنه تلميذه "شيشرون": (هو من أعظم الفلاسفة الرواقيين، وصلة الوصل بين فلسفة الشرق والغرب). لذلك تبقى الأمة السورية ولّادة، ومهداً لمبدعين نثروا الثقافة والحضارة في بقاع العالم».

أما الأديب وعضو اتحاد الكتاب العرب "إبراهيم خلف"، فيقول عنه: «هو فيلسوف ومؤرخ من مدينة "أفاميا" على نهر "العاصي" في "سورية"، وتوفى في "روما". أسّس مدرسة في "رودس"، وسافر إلى "روما" وشمال أفريقيا. كان من طلاّبه "بومبيوس"، القائد الرومانيّ الذي ألحق "سورية" بالإمبراطورية الرومانية، وحضر محاضرات في "رودس" أثناء عودته من "سورية"، وكذلك "شيشرون" خطيب "روما". ترك مقالات عديدة، منها مقال عن النفس، وآخر عن الآلهة.

الصحفي "سائد الخالد"

وقيل إنه أعاد حساب محيط الأرض بذات الطريقة التي قام بها "إراتوستينس" بعد 150 عاماً من قيام الأخير بذلك».