بعينين نهمتين جائعتين للجمال، أسس لعلاقات مترفة بالإحساس مع محيطه، ما ساهم في تشكيل رؤاه الخاصة، وترجمتها بعدة أشكال في مجموعات شعرية، وحضور لافت في المهرجانات الثقافية، وبمنشوراته في الصحف والدوريات المحلية والعربية.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 أيار 2020 الشاعر "عباس حيروقة" ليحدثنا عن طفولته ومعين شعره قائلاً: «كانت طفولة مفتوحة تجاه الأفق المطلق، نتمدد على أسطح بيوتنا طوال أشهر طويلة نهجي ما كتبه الأجداد في دفتر السماء، نتأمل بنات "نعش" وهن يحملن جثمان والدهن، ونتتبع "سهيل" ونبحث عن أخته "العبور" أو الأخرى "الغموض". كنت أهيم بتأمل حقول القمح اليانعة الممتدة على مدّ النظر، وأرخي بكل غمام جسدي على سنابل غضة وأتأمل حكايات الغمام الممعن بالبياض لذاك السرير الأزرق الأبدي وأصغي مطولاً لسقسقة السواقي وهي تمضي في كرنفالات الفرح تجاه تربة أتعبها الظمأ، وأحاول تهجي مفردات شلالات "الزاوي" المتاخمة لقريتي وهي تساقط بكل حنان الكون على صخرات بيضاء لتنثر كل رذاذ النور، وتنشد قصائدها على مسمع أسراب الحمام واليمام.

بدأت إرهاصات الشعر في فترة المراهقة، ونشرت أولى قصائدي في صفحة على "دروب الإبداع" في صحيفة "البعث" نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وكنا مجموعة شعراء شباب "أيمن معروف"، "طالب هماش"، "أديب حسن محمد"، "منير خلف"، والذي عُرِف بجيل التسعينيات، درست المرحلتين الأولى والثانية في قريتي "المحروسة"، وبعد حصولي على الثانوية الصناعية في "مصياف" اختصاص كهرباء عام 1991 سجلت معهد مكننة زراعية بـ"حلب"، ولكنّي لم ألتحق بالدراسة بل ذهبت لمنطقة "عين عرب" لأعلم في مدارسها، وبعد ذلك توظفت بمؤسسة معامل الدفاع في "حلب" لأكثر من عشرين سنة، وفي عام 2012 عدت إلى "مصياف" بعد الأحداث

عشت طفولتي مع أفراد عائلتي التسعة والشمس والقمر يزينان كوكبنا الطفح بالنور والماء، والدي رجل مكافح يوقظ الفجر على صلاته ويهمس في أذنه مكبراً على خير العمل، رجل كان يذهب إلى العمل قبل جهجهة الضوء، وأمي المجبولة من ماء الطهر وطينه، حين السفر؛ تستقبلني وأخوتي باكية، وتودعنا بدموع من تراتيل المحبة، فكان كل ذلك المعين الذي أستمد منه شعري».

القاص محمد عزوز

ويتابع عن دراسته، ورسم لوحاته الشعرية قائلاً: «بدأت إرهاصات الشعر في فترة المراهقة، ونشرت أولى قصائدي في صفحة على "دروب الإبداع" في صحيفة "البعث" نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وكنا مجموعة شعراء شباب "أيمن معروف"، "طالب هماش"، "أديب حسن محمد"، "منير خلف"، والذي عُرِف بجيل التسعينيات، درست المرحلتين الأولى والثانية في قريتي "المحروسة"، وبعد حصولي على الثانوية الصناعية في "مصياف" اختصاص كهرباء عام 1991 سجلت معهد مكننة زراعية بـ"حلب"، ولكنّي لم ألتحق بالدراسة بل ذهبت لمنطقة "عين عرب" لأعلم في مدارسها، وبعد ذلك توظفت بمؤسسة معامل الدفاع في "حلب" لأكثر من عشرين سنة، وفي عام 2012 عدت إلى "مصياف" بعد الأحداث».

وعن مهامه وأنشطته يحدثنا قائلاً: «كتبت الشعر والقصة والبحث الأدبي، نلت العديد من الجوائز الأدبية محلياً وعربياً في مجال الشعر والقصة، وصدر لي عام 1999 كتاب "تراتيل الماء"، وعام 2000 "قيامات الفرات"، و"صغب الضفاف" عام 2003، و"ماء وأعشاش ضوء" عام 2010، و"محزونة القصبات ضفة نهرنا" 2012، ومنه أقطف من قصيدة "كوزة وشفاه وأنين":

مجموعات شعرية للشاعر عباس حيروقة

يجوب بوحك أوراقي فيرعشها، فيسجد القلب بين الماء والطين

ويرسل الشكر للباري ويخبره، عن حال نبضي بين الحين والحين

الناقد الأدبي يحيى محي الدين

أنت القصائد والأزهار.. ليلكها، أنا الفراش لهذا النور.. ضميني

بالإضافة إلى ديوان "صلاة البياض الكثيف" عام 2017 ومنه هذه الأبيات:

مازال في الشام يجلو ناظري بردى، ويخفق القلب إذ ما قاسيون بدا

وترقص الروح رقص المولوي إذا، ما كان في حضرة الأنوار مُتَّقدا

والياسمين على أبواب حارتها، غطّى المآذن والصلبان قد صَعِدا

كما صدر لي في عام 2019 ديوان "من سيرة الغمام والظل".

شاركت في العديد من الندوات النقدية والمهرجانات والأمسيات الشعرية في مختلف مدن ومحافظات القطر أنشر نتاجي الأدبي في مختلف الصحف والدوريات المحلية والعربية، كما شاركت في مهرجانات ثقافية عدة».

الناقد الأدبي "يحيى محي الدين" قال: «حقق الشاعر "حيروقة" في خارطة الشعر السوري موقعاً متقدماً، بعد أن ارتقى بمشروعه واشتغل على قصيدته بحب وشغف كبيرين، وقبض على أدواته الإبداعية بجدارة العارف وحرفية الفنان منطلقاً من إرث الشعرية العربية، ناهلاً من ينابيعها الأولى بحيث يرى المتابع لتجربته الشعرية عنايته في كتابة القصيدة وفق نظام الخليل الشعري، وبأدوات الشاعر الحديث، فهو وإن استخدم الشكل الشعري القديم في الكثير من قصائده، إلا أن القارئ سوف يلمس عناصر الحداثة في بعديها الفكري والفني طافحة بالاستعارة والمجاز والانزياح اللغوي، إضافة لذلك يكتب قصيدة التفعيلة التي تحتفي بلحظة الحداثة ومستقبل اللغة وهي طالعة من بيوتات الريف كحنطة سورية، ومثل آلهة دوّنت تعاليمها المقدسة بضوء شمس البلاد القصيدة الذاهبة نحو فتنتها.

كتب قصيدة النثر وحقق فيها موقعاً في الوقت الذي تعثر فيه الكثيرون على أبوابها، وطرح أسئلة الشعر بأشكال عكست رؤيته للحياة فاقتربت من مرايا النور ودارت مع دوران المتصوف الذي مسّه الكشف محاولاً تفسير عشقه لكينونته الإنسانية، وصور المتعبين والبسطاء، واعتنى بالأنثى عناية عالية فأنت لا تفرق بين روح النشيد وروح الأنثى عنده، تعيش قصيدته حافلةً بتفاصيل الهم ّ الإنساني وهي تتناول مواضيعها وعناوينها في دفتر الوطن السوري، ومن عمق حافل باحترام الإنسانية جمعاء.

لغته الشعرية حافلة بالإيقاع والموسيقا، فالحامل الجمالي متناغم مع الحامل الدلالي في معظم قصائده، ويتلمس المتتبع لتجربته الشعرية عنايته بثقافته وبحثه عن الخلاص معتمداً على طموح الشعر باعتباره مخلصاً من شرور الحياة وباعتباره الفن الذي يسمو بالروح وصولاً لحياة تنعم بالحبّ والخير والجمال».

الأديب "محمد عزوز" عنه قال: «تعرفت عليه في منتدى ثقافي إلكتروني ولفت انتباهي بثقافته الأدبية والعامة، وتابعت له أبحاثاً كُتِبت بيد خبير، وكنت أظنه في عمر أكبر وعرفت أنه شاعر مجيد من خلال نصوص شعرية ينشرها في عدة مواقع، فشدني شعره بلغته المميزة وموسيقاه التي أصر عليها فما أعاقت أجنحة الجمال في مفرداته بل زادتها إشراقاً، هو شاب في شخصه وأحاسيسه، وكبير في مفرداته وجمله الشعرية يهدر الشعر من بين أنامله الرقيقة شلالاً من الشوق والنور والمحبة، شارك معنا في مهرجان الشعر في "سلمية" لأكثر من دورة وكان حضوره مميزاً، كما شارك في بعض جلسات صالوننا الأدبي قرأته في أعماله، فكان دفق نهر يندفع نحو الجمال بألقٍ عالٍ وقمرٍ يسكب الضوء على أرض تستجدي الخصب والضوء، الوطن وجهته وعشقه الأكبر، وهمس للمرأة والجمال بحروف تضوع عطراً، إنه شاعر منذور للجمال والحياة».

يذكر أنّ الشاعر "عباس حيروقة" من مواليد "مصياف"، قرية "المحروسة" عام 1972.