تتوالى سنوياً العديد من المكتشفات الأثرية وفي مناطق مختلفة من القطر لتؤكد يوماً بعد يوم على دور بلدنا الحضاري وتاريخه العريق، ومن هذه المكتشفات ما أظهرتها أعمال التنقيب الأثري التي قامت بها البعثة السورية في موسمها الأول في تل "الحسكة" للعام /2008/ وتم الإعلان عن نتائجها مؤخراً.

ولتسليط الضوء على أهم تلك المكتشفات التقى موقع eAleppo في مقر جمعية العاديات بمدينة "حلب" الأستاذ "عبد المسيح بغدو" مدير آثار مدينة "الحسكة"- رئيس البعثة الوطنية في تلها الأثري حيث قال بدايةً: «يقع تل "الحسكة" في وسط المدينة على الضفة اليسرى لمجرى نهر الخابور وتبلغ مساحة مدينته المرتفعة /2.5/ هكتار وارتفاع /309,25/م عن سطح البحر».

يقع تل "الحسكة" في وسط المدينة على الضفة اليسرى لمجرى نهر الخابور وتبلغ مساحة مدينته المرتفعة /2.5/ هكتار وارتفاع /309,25/م عن سطح البحر

وأضاف: «لقد أظهرت أعمال التنقيب والبحث الأثري فيه عن وجود سويات أثرية تعود إلى فترة الحضارة العربية الإسلامية والفترة البيزنطية وعصر الحديد، ففي السوية الأولى تم التعرّف على أساسات جدران حجرية تلاها جدران مبنية من اللبن وأرضية وتنانير ولقى أثرية تعود إلى ما بين الفترة العثمانية والأيوبية.

الهيكل العظمي المكتشف

وفي السوية الثانية تم كشف جزء من منشأة معمارية ذات ثلاثة أبهاء أرضيتها مبلّطة باللبن المشوي وفي القسم الخدمي حوض جصي وقبر له غطاء حجري عُثر في داخله على هيكل عظمي ومسامير ودلت الدراسات الأثرية أنّ المنشأة شُيدت في القرن /4-5/ م واستمرت خلال العصرين الأموي والعباسي، وفي السوية الثالثة وُجد جدار مبني من اللبن وصل ارتفاعه إلى /2,5/ م وعلى نفس المنسوب وتحت السوية الثانية تم الكشف عن جزء من جدار مبني من اللبن ومن خلال مقارنة العمارة المكتشفة في الموقع مع المواقع الأخرى مثل تل "فخيرية" تبين أنّ هذه السوية تعود إلى عصر الحديد».

وختم الأستاذ "عبد المسيح بغدو" حديثه بالقول: «إنّ ما تم كشفه في تل "الحسكة" غاية في الأهمية لكونه توصل لنتائج هامة وهي استمرارية الاستيطان في "الحسكة" دون انقطاع منذ القرن الرابع الميلادي وحتى اليوم، فقبل أعمال البعثة ومكتشفاتها لم يكن تاريخ استيطان الإنسان فيها معروفاً إلا مع بداية القرن العشرين، وكذلك تم اكتشاف الجزء الشمالي والغربي من كاتدرائية تعود إلى القرن الرابع-الخامس الميلادي هي الأولى من نوعها في محافظة "الحسكة"».

تل الحسكة

ولمعرفة المزيد حول الهيكل العظمي الذي تم الكشف عنه في الموقع التقينا في المتحف الوطني بمدينة "حلب" بالدكتورة "رانية العلي" المتخصصة في علم الأنتربولوجيا الحيوية والبحث في البقايا العظمية التي قالت: «لقد تم اكتشاف هيكل عظمي في القسم الخدمي من الكاتدرائية في قبر ذي غطاء حجري وزنه /2/ طن وهو بحالة الصلب بواسطة مسامير مغروزة في كل من عظام الفك والقدم واليدين وهي مختلفة بالشكل والحجم عن المسامير الأخرى التي وُجدت في زوايا القبر والتابعة للتابوت الخشبي وكل الاعتقاد بأنّه لرجل دين».

وأضافت: «ومن خلال دراسة الهيكل العظمي وفق قواعد علم الأنتربولوجيا تم التعرّف على جنسه فهو ذكر وطول قامته تتراوح ما بين / 165-170/ سم وبعض الأمراض الخفيفة التي ظهرت عليه مثل التهابات في العمود الفقري وظاهرة نقص التغذية لديه، ويُعتقد أنه يعود إلى القرن /4-5/ م وحالياً ندرس إمكانية إرسال عينة من عظامه إلى فرنسا للتأكد من تاريخه بشكل دقيق من خلال الكشف عن الكربون /14/ في عظامه».

الدكتورة رانية العلي

وأخيراً قالت: «نحن ما زلنا في بداية الطريق وكل ما نتحدث عنه حول الكاتدرائية وتاريخها وتاريخ الرجل هو مجرد فرضيات بانتظار نتائج المواسم القادمة لوضع النقاط على الحروف ومعرفة اللغز المهم وهو هل الرجل مدفون في الكاتدرائية أم أنّ الكاتدرائية بُنيت لأجله».