على الرغم من اتّساعها، تجد نفسك في متحف مفتوح على حضارات تعود إلى آلاف السنين، لكن نهري "دجلة" و"الفرات"، جعلاها تزداد خضرة وعظمة، وباتت مع الزمن خزان "سورية" المملوء بالخير والإبداع.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 3 كانون الأول 2016، التقت المحامي والباحث "عادل يوسف" المهتم بالشأن التاريخي والتراث، ليحدثنا عن تاريخ وتسمية "الجزيرة السورية"، فقال: «تم تسمية "الجزيرة السورية" بهذا الاسم وحسب الدراسات لوقوعها بمحاذاة نهري "دجلة" و"الفرات"، وحسب "المعهد الدولي لدراسات ميزوبوتاميا"، وجامعة "كاليفورنيا"، وجميع البعثات الأثرية العلمية الدولية، فإن هذه المنطقة كانت جزءاً من مملكة "بين النهرين" الآرامية، وممالك آرامية أخرى، وكانت جزءاً من الدولة الآشورية.

يبلغ عدد السكان في الجزيرة حالياً نحو مليون ونصف المليون نسمة، وهي منطقة تعتمد الزراعة ولا سيما الحبوب بأنواعها، كما توجد فيها بعض حقول النفط، وأهم مدنها: "الحسكة، القامشلي، المالكية، رأس العين، عامودا، الدرباسية، الشدادي". وفيها جامعتان؛ واحدة حكومية في "الحسكة"، وتتبع إلى جامعة الفرات. وواحدة خاصة في "القامشلي". كما يوجد فيها مطار دولي في "القامشلي"

والمنطقة سكنتها قبائل من شعوب الآراميين والعموريين والبدو، وبقيت "الحسكة" ضمن الإمبراطورية الآشورية لفترة طويلة إلى أن تمكن "البابليون" من السيطرة عليها في عام 612 قبل الميلاد في العام الذي سقطت فيه عاصمة آشور "نينوى".

بين الحداثة والتاريخ

ترتبط "الحسكة" في عراقتها بتاريخ بلاد ما بين النهرين في منطقة الجزيرة السورية، حيث قسم المؤرخون عالم هذه البلاد إلى "سومر" و"أكاد" في الجنوب الشرقي، و"عيلام" في الشمال الشرقي، و"عمورو" التابعة لبلاد العموريين في الجنوب الغربي، و"سوبارتو" في الشمال الغربي، ويقع وادي "الخابور" ضمن مملكة "سوبارتو" التي كانت تمتد من مدينة "عيلام" في بلاد الرافدين إلى جبال "طوروس"، وقد عثر على لوحات جغرافية محفوظة في المكتبة الملكية لـ"آشور بانيبال" على لفظة "سوبارتو" التي كانت مهد المدنية وحضارات قديمة متلاحقة».

وتابع: «خضعت المنطقة لسلطة الكنعانيين الذين استولوا تدريجياً على القسم الغربي من "سوبارتو"، وبعدهم حكمها "الحثيون" الذين قطنوا في "تركيا" شمال "الجزيرة السورية" جعلوا عاصمتهم مدينة "واشوكانى"، عند ينابيع "الخابور"، إلا أن "الآشوريين" قوضوا الدولة الحثّية، ودمروا عاصمتها "واشوكانى"، من دون أن يتمكنوا من الاستقرار؛ وذلك بسبب الحروب المتواصلة بينهم وبين الحثيين وشعوب أخرى؛ وهو ما مهّد لظهور الدولة الآرامية في منطقة الجزيرة، حيث استطاع أحد الشيوخ الآراميين بناء دولة جديدة على أنقاض دولة "ميتانى" المنهارة، فاختار مدينة "غوزانا" في تل حلف عاصمة لدولته، ثم عاد الآشوريون في غزوة ثانية للمنطقة، وتمكن "تغلات فلاصر الأول" من تدمير "غوزانا"، إلا أن الآراميين ما لبثوا أن حسروا نفوذ الآشوريين من جديد، وأعادوا بناء دولة آرامية جديدة تحت حكم "أبي سلمو" رئيس "غوزانا"، وهو الاسم الذي أطلق على بلاد "الخابور" في العهد الآشورى، ثم عاد الآشوريون مرة أخرى لإخضاع المنطقة، إلى أن جاء الميديون عام 612 ق.م وكسروا شوكة الآشوريين نهائياً. وفى عام 332 ق.م، تمكن "اليونانيون" بقيادة "الإسكندر المقدوني" من فتح البلاد، ثم حل محلهم الرومان عام 64 ق.م، حيث كان لمدينتي "نصيبين" و"رأس العين" شأن كبير في عهد الإمبرطور "تيودريوليوس"».

الجزيرة السورية الحية دائماً

أما حضارياً، فيؤكد "عادل يوسف" أن المصادر التاريخية تشير إلى أن الاستقرار البشري في محافظة "الحسكة" يعود إلى الألف الثامن ق.م. وقد لعبت جغرافية المنطقة الخصبة دوراً مهماً في جذب الشعوب السوبارتية والأكادية والأمورية والحورية والحثية والآشورية والآرامية والإغريقية والرومانية والساسانية والعربية؛ وهو ما جعل حضارة المنطقة التي ترتقي في القدم إلى ما قبل الألف السادس ق.م، حيث تتسم بالغنى والتنوع، وهو ما أثبتته المكتشفات الأثرية المتتابعة، وتكاد أغلب المواقع الأثرية تتوضع في التلال المنتشرة على ضفتي "الخابور"، التي تعد من أقدم حضارات العالم. وقد وثقت ذلك أغلب الأوابد ومراكز الاستيطان في النصوص المسمارية والآشورية القديمة. وعن التسمية التاريخية للجزيرة، تفيد المصادر التاريخية والكتب التي صدرت عن العديد من الباحثين، إضافة إلى الكتيبات التي أصدرتها المحافظة بهذه الخصوص عن تاريخ المحافظة وأصل التسمية، أن المحافظة عرفت تسميات تاريخية عدة مثل: "ميزوبوتاميا"،"Mîzopotamya" باليونانية، و"آرام النهرين"، و"جزيرة أقور". وتأتي تسميتها "الجزيرة" من خلال مدونات المؤرخين لوقوعها بين دجلة والفرات، كما أشار إلى ذلك "ياقوت الحموي" و"المقدسي"».

أما "خالد محمد عثمان الخالد" الطبيب والباحث بالتاريخ، فيقول: «لقد كان أثر الحضارات المتعاقبة على "الجزيرة السورية" واضحاً على الشعب الجزراوي، وخصوصاً على الصعيد الفكري والثقافي، فقلّما تجد في الجزيرة إنساناً لا يتقن أو يفهم عدة لهجات أو لغات، فهو يتقن العربية، ويفهم الكردية، والآشورية، والأرمنية، والسريانية. وكذلك الموسيقا التي تصدر عنهم، فيطرب لها، ويرقص على أنغامها، وعلى الرغم من التنوع الحضاري والديني تبقى الجزيرة مثال التعايش السلمي منذ قديم الزمان؛ فالجزراوي مثقف بالفطرة، وحضاري بالتاريخ والمدارس العليا التي توزّعت في الجزيرة في القرن الأول والثاني الميلادي، مثل: "نصيبين"، و"الرها"، و"رأس العين"؛ وهي أكبر دليل على ذلك».

يقول "ياقوت الحموي" في وصفه الجغرافي لمنطقة "الجزيرة": «جزيرة "أقور" بالقاف، وهي التي بين "دجلة" و"الخابور"، مجاورة للشام، وتشتمل على ديار "مضر" و"ديار بكر"، وسميت بالجزيرة؛ لأنها بين "دجلة" و"الفرات"، وهما يقبلان من بلاد الروم وينحطان متساويين، حتى يلتقيا قرب "البصرة"، ثم يصبان في البحر. وهي صحيحة الهواء جيدة الريح والنماء، واسعة الخير، بها مدن جليلة وحصون وقلاع كثيرة، ومن أمّات مدنها: "حران"، "الرها"، "الرقة"، "رأس العين"، "نصيبين"، "سنجار"، "الخابور"، "ماردين"، "ميافارقين"، "الموصل"، "ماكسين"، "تل مجدل"، "عبربان"، "طابان"».

"أيهم إسماعيل الحموش" مدرّس في كلية الآثار بجامعة "الفرات"، تحدث عن عدد السكان في الجزيرة وأهم الأعمال التي يمارسونها: «يبلغ عدد السكان في الجزيرة حالياً نحو مليون ونصف المليون نسمة، وهي منطقة تعتمد الزراعة ولا سيما الحبوب بأنواعها، كما توجد فيها بعض حقول النفط، وأهم مدنها: "الحسكة، القامشلي، المالكية، رأس العين، عامودا، الدرباسية، الشدادي". وفيها جامعتان؛ واحدة حكومية في "الحسكة"، وتتبع إلى جامعة الفرات. وواحدة خاصة في "القامشلي". كما يوجد فيها مطار دولي في "القامشلي"».