سنوات طويلة وعربات الدعاية والإعلان لعروضه وأفلامه تتجول في القرى والأحياء، ولحظات جميلة وطويلة عاشها روّاد سينما "حداد".

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 19 أيلول 2017، زارت سينما "حداد" في مدينة "القامشلي"، التي لم يبقَ منها إلا الجدران والذكريات، والتقت مع صاحبها "عادل أوصمان" الذي يأبى مفارقة جدرانها وذكرياتها، ويجد في شرب كأس من الشاي بين أحضانها السعادة وماضي السينما المحمل بالكثير من العناوين، وعنها قال: «من أقدم دور السينما في المنطقة، وكان من أشهرها من حيث العروض والأفلام المنوعة والقوية، افتتحها المرحوم "يوسف حداد" مع بداية الخمسينات، لكن مع نهاية السبعينات قمت بالحصول على ملكيته وحقوقه، أوّل فيلم عرض على خشبتها كان بعنوان: "ذهب مع الريح"، استمر العرض 30 يوماً لشدة الإقبال عليه، ثمّ توالت العروض المختلفة بالعناوين والأفكار، الأجمل في هذه السينما أن يافطات العروض عرضت من خلال عربات خشبية متجولة في شوارع وأحياء المدينة، إضافة إلى جولاتها في الريف القريب والبعيد، هذه الظاهرة خلقت جوّاً اجتماعياً جميلاً، قائد العربة كان يتجمهر مع الناس، يجالسهم ويحاورهم ويقضي ساعات معهم ويتناول الطعام والشراب، ويأخذ قسطاً من الراحة والنوم أيضاً خاصة في الريف، أمّا الحضور، فكانوا من النساء والرجال والأطفال والكبار، فصالة اللوج (مكان الجلوس في الطابق العلوي) كانت مخصصة للعائلات، أمّا فئة الشباب، فجلوسهم في الطابق الأرضي. العروض كانت تبدأ من التاسعة صباحاً وتستمر حتّى الـ12 ليلاً، أما أيام العيد، فكان الحضور كبيراً والشارع الذي يقابل السينما يكتظ بالأهالي».

أجمل ما عشناه منظر تلك العربة الخشبية، يدفعها رجل وسيم في شوارع "القامشلي"، على العربة كانت تستقر لوحة قماشية واقفة رُسِمَ عليها بطل فيلم كاوبوي أو بطلة فيلم هندي، والرجل يصرخ معلناً عن موعد عرض الفيلم في السينما، قاعة السينما كونت ملاحم خيالنا الخصب، فيها تابعنا ولأول مرة كرة القدم تتحرك على الشاشة في فيلم وثائقي قصير كان اسمه: "العالم عند أقدامهم" عن مونديال عام 1970، وحضرناه مراراً وتكراراً، وشاهدنا قوة "ستيف ريفز"، ورومانسية "حب تحت المطر"، وانتظرنا صفير الجمهور عند هجوم بطل الفيلم، أو عند انقطاع الصورة، ورنين المفتاح المعدني على زجاجات "كازوز سينالكو"، انحسرت السينما مع دخول التلفزيون إلى البيوت، وبقي بريقها صامداً إلى حين قبل أن تصبح خارج الخدمة بتاريخ 18 أيار 1995، لتسرق فرح طفولتنا

ويضيف "عادل": «ثمن التذكرة كان ثلاثين قرشاً، مع وجود تخفيضات للطلاب، أمّا ثمن الشطيرة، فكان قرشين، وثمن علبة العصير 15 قرشاً، هذه الأسعار البسيطة كانت دافعاً ليقوم أحد الأشخاص بدعوة جيرانه أو أصدقائه وأهله مع أطفالهم لحضور أحد الأفلام مع تقديم وجباتهم ومشروباتهم، كانوا يعدّونها متنزهاً وحفلة، والسينما كان سبباً لدمج المجتمع بعضه مع بعض، فأنا من خلاله تعرفت إلى الكثيرين، والعلاقة الاجتماعية قائمة حتّى يومنا هذا. أمّا ضمن الصالة، فالشخص الذي يجاور شخصاً آخر بالجلوس يربطه تعارف وصداقة حكماً. ومن الذكريات الجميلة بعد الإعلان عن فيلم "عنترة بن شداد" جاء 80 شخصاً من القرى على الدواب، وتمّ ربطها جميعها أمام السينما، في ظاهرة غريبة وفريدة، فتمت المخالفة من مجلس البلدية فوراً؛ لأن المكان تعرض للأوساخ الكثيرة. أمّا بحضور فنانين من "دمشق"، أمثال: "دريد لحام، ناجي جبر، محمود جبر"، فكان الأهالي يخصصون الزيارة للالتقاء بهم وإلقاء التحية عليهم فقط. هناك قصص جميلة وذكريات ثمينة في السينما، بالأمس القريب مغترب قادم من البلاد البعيدة إلى مدينته، اتّجه على الفور إلى دار السينما وذرف الدموع وهو يتأمل الجدران والمكان، وقال: "كنتُ صغيراً عندما قدمت إلى السينما، وظلت لي معه ذكريات جميلة، أنا في الغربة وأعيش تلك اللحظات"».

من ذكريات السينما

أمّا الكاتب "ملكون ملكون"، فيتحدّث عن ذكريات السينما قائلاً: «أجمل ما عشناه منظر تلك العربة الخشبية، يدفعها رجل وسيم في شوارع "القامشلي"، على العربة كانت تستقر لوحة قماشية واقفة رُسِمَ عليها بطل فيلم كاوبوي أو بطلة فيلم هندي، والرجل يصرخ معلناً عن موعد عرض الفيلم في السينما، قاعة السينما كونت ملاحم خيالنا الخصب، فيها تابعنا ولأول مرة كرة القدم تتحرك على الشاشة في فيلم وثائقي قصير كان اسمه: "العالم عند أقدامهم" عن مونديال عام 1970، وحضرناه مراراً وتكراراً، وشاهدنا قوة "ستيف ريفز"، ورومانسية "حب تحت المطر"، وانتظرنا صفير الجمهور عند هجوم بطل الفيلم، أو عند انقطاع الصورة، ورنين المفتاح المعدني على زجاجات "كازوز سينالكو"، انحسرت السينما مع دخول التلفزيون إلى البيوت، وبقي بريقها صامداً إلى حين قبل أن تصبح خارج الخدمة بتاريخ 18 أيار 1995، لتسرق فرح طفولتنا».

عادل أوصمان