تمكّن ببراعة انتقاء كلماته، وتناغم حروفها، أن يعلي الصوت الأدبي السوري داخل حدود بلاده وخارجها؛ من خلال أمسياته ومؤلفاته التي صاغت أبهى الصور عن عشقه للأرض.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 13 تموز 2018، مع الكاتب "يعقوب مراد" ليحدثنا بالقول: «لا نلتمس الموهبة إلا بعد مدة طويلة من التحضير لها، بعد مخزونٍ من المعرفة والشغف بقراءة الناس ومعاناتهم؛ وهذا ما حصل معي؛ فقد بدأت البحث في القضايا الاجتماعية، وانتهيتُ بالبحث في كلّ ما يسعى لبلسمة جراح الوطن وأبنائه، وأظن أن أول ما كتبته كان "الضياع"، وهي قصة قصيرة نُشرت في مجلة "هنا دمشق" الصادرة عن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في "سورية". القصة عن طفلٍ يعمل بتلميع الأحذية، كمصدر رزق له ولعائلته، وأول قصة قصيرة كانت بعنوان: "أجمل ذكرى" نُشرَتْ في صحيفة "الثورة"، وهي تتحدث عن قصة البطل الذي رفع العلم السوري فوق "جبل الشيخ" في حرب "تشرين" التحريرية ولفتت انتباه واستحسان الناقد "أحمد صوان"، الذي كتب يتأمل ببداية كاتب شاب له مستقبل واعد، لهذا يمكنني القول إن أول كلمة أدبية لـ"يعقوب مراد" كانت ولادتها من لحظة اعتزاز وفخر الانتماء إلى وطنٍ بحجم الكون، ومن كتابة القصص والمقالات في الصحف السورية والعربية، إلى كتابة القصص في "السويد".

"يعقوب مراد" أديب وباحث وروائي يمتلك مواهب متعددة مطبعة بثقافات مختلفة وبنى وأسس حقيقية، والأهم من هذا أنه واثق من نفسه في تناول أي عمل أدبي، يكتب بإحساس شفاف وصادق؛ وهو ما يجعل الوطن أهم أولوياته في الكتاب وغير ذلك، فالإنسان يتجلى دائماً بشرف وكبرياء في كل أعماله، لم يثنه الألم فظل شامخاً، وهو ثروة وطنية غالية

أيضاً، وبسبب الحرب التي استهدفت بلدي، انتقلت إلى كتابة الأشعار والروايات والألحان وغيرها، وكان هدفي الأول منه، رفع اسم "سورية" عالياً في جميع المحافل الدولية والعالمية، وإلى حدٍّ كبير شجعني الأصدقاء والمحيطون بي.

الشاعر والناقد "محمد خالد الخضر"

وكان لمحبتي لهم وعلاقتي الإنسانية بجميع من حولي، وخاصة الفنانون الذين عملتُ معهم سنوات طويلة، كبير الأثر باستمراري في الكتابة، وبالدرجة الأولى، كان لأمي وما عانتهُ من أجل أن تراني مبدعاً في المستقبل، أكبر وأبلغ الأثر في تصميمي على ألا أخذلها، وكتبت لأنصفها قصة "عندما حملتني أمي"؛ حيث كانت تحملني على ظهرها لتوصلني إلى المدرسة على الرغم من مرضها وتعبها».

ويكمل: «في بداية الثمانينات، أسَّست مدرسة لصحافة الندوات، وكنت أجمع فيها جمهوري الفني والرياضي والطلابي وجهاً لوجه، أيضاً شغلتُ منصب مدير مكتب مجلة "ألوان" بـ"دمشق"، وفيها ارتبطتُ بصداقات كثيرة مع مثقفي ونجوم الفن العربي في الشرق الأوسط، وفي نهاية عام 1985، غادرت إلى "السويد"، يرافقني وطني السوري ولا يغادرني، وفيها اشتغلت في عدة صحف أوروبية، وساهمت في تأسيسس مجلة "الشروق"، ثم عملت كباحث اجتماعي في إدارة السجون، بعدها أسّست مركز "التوازن الإعلامي"، وما زلت أعمل فيه حتى الآن.

إن كل كتبي ومنشوراتي هي (نبض سوري في "استوكهولم")، وهو عنوان مقالة وردت في كتابي "عراب المحبة" وأؤكد فيه أن كل ما يهمني وسواء في "استوكهولم" أو غيرها، أن أبقى سورياً أصيلاً، أدافع عن وطني "سورية"، وأن أحيا بأنفاسِ ياسمينٍ كلّما شعرتُ بأن أوكسجين إنسانيتي بدأ ينفد، أتيت "دمشق" للتزوّد به».

ويضيف: «قد يأتي النضج الأدبي باكراً بسبب المعاناة والظروف الموجعة، وعندما يشعر الموهوب بأن لديه فائضاً ومخزوناً من القصص والحكايات التي يحاكي بها مجتمعه ومعاناته، يتطور الأمر لديه، عندما يشعر بأن حكاية وطنه هي الحكاية الأجمل التي عليه أن يرويها بدقة؛ بحزنها وفرحها، بمعاناتها وعافيتها، بكلِّ ما فيها من تفاصيل تسكنه فيسكبها في كتابٍ غير مخصص للبيع، وإنما للحياة الأرقى والأجمل والأكثر إنسانية.

ويبدو أن العالم الإلكتروني زاحم العالم الورقي بطريقة ساهمت في تحييد الأخير، إلا أنه لا يمكن أن يلغيه، ذلك أن للكتاب عشاقه، وللمصداقية والدقة من يبحث عنها، بالأحرى، للأصالة رائحة تجذب المعتاد على تنفسها والحياة في عوالمها وفي عمق عمقها».

وقد اخترنا مقتطفاً من روايته "في حضن الشيطان"، كتب فيه:

‎«ما إن ألقيتُ بجسدي المُنْهك على السرير، حتى انهالت على رأسي المُثْقل بالأحداث والمُفاجآت كلّ الهواجس التي حملتها معي في رحلةٍ، لم أتوقعْ أحداثها ولم أتخيّلْ مشقّتها، كنت أعلم صعوبةَ المهمة، إلا أنني تعثّرتُ بقسوة البحث عن حقيقةٍ أدْغمَتها أصابعُ الشيطان في فحم خُبثها وقتلت بريقها الماسي في سواد مكرها. أغمضتُ عيني كطفل أنهكه مسير يومٍ طويل، وأتعبَ قلبه النابض بالحياة هَوْلُ المفاجآت، لتغرق روحي بفيضِ حنين أشعلته ذاكرتي التي حملت صورة وطني المُنهك والمُكابر على أوجاعه بالصمود».

‎ومن كتاب "عراب المحبة"، وهو عبارة عن قصص قصيرة ومقالات اجتماعية، فنية، إنسانية، وضعها كبصمة رجل في الاغتراب، اختار لنا هذا المقتطف:

«أنا سوريٌّ مقتولٌ بالشوق، ومجندلٌ بالغربة، أزداد فرحاً بلقاء أصدقاء جدد، وأزداد حزناً كلما تعرفت أكثر إلى مشكلاتهم التي لا تنتهي أبداً.‏

‎أركض وراء المعرفة لأفهم، لأتعلم، لأرتوي، فأفيض حزناً حتى الموت، وأكتشف في لحظةِ صدقٍ صامتة، أنّ ما يوجد الآن في أحاسيسنا "المعاصرة" ليس أكثر من "عشرة" عاطفية، ربما بسبب رغبتنا بارتداء الكثير مما يحوطنا، أو بسبب تغلف أمانينا بالصدأ!‏».‏

واختتم الحوار بمقتطف عاطفي مما أسماه "الوصية"، قال فيه:

أولادي الأعزّاء:

«أريدكم أن تعرفوا لا يهمني أين أكون، أو مع من أكون، كلّ ما يهمني فعلاً هو أن أبقى سورياً أصيلاً أدافع عن وطني بنبض القلب ورمش العيون، وبعد ذلك كل شيء يهون...

ولو جاء يومي وشعرتُمْ بأنَّ قلبي سيتوقف، وعجز الأطباء، وسلموا أمري لله

وأنه آن الأوان أنْ تودعوني الوداع الأخير

وصيّتي لكم:

أن تذكروا اسم الشام على مسامعي؛ ستعود روحي إليّ

لأنّ الشام روحي، وسينبض قلبي من جديد

أحبّكم كما أحبُّ الشام...».

عنه يقول الشاعر والناقد "محمد خالد الخضر": «"يعقوب مراد" أديب وباحث وروائي يمتلك مواهب متعددة مطبعة بثقافات مختلفة وبنى وأسس حقيقية، والأهم من هذا أنه واثق من نفسه في تناول أي عمل أدبي، يكتب بإحساس شفاف وصادق؛ وهو ما يجعل الوطن أهم أولوياته في الكتاب وغير ذلك، فالإنسان يتجلى دائماً بشرف وكبرياء في كل أعماله، لم يثنه الألم فظل شامخاً، وهو ثروة وطنية غالية».

يذكر أن الكاتب "يعقوب مراد" من مواليد "القامشلي" في محافظة "الحسكة"، عام 1958.