تميّزت مراسم الزفاف في السنوات البعيدة الماضية، بتفاصيل وعادات اندثرت في يومنا هذا، فقد كانت البهجة بأعلى درجاتها، عند اتفاق الطرفين، وانكسار النفوس عند الرفض. وبين هذا وذاك حفظت تلك الطقوس في الذاكرة الجمعية والمعارض التراثيّة.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 12 آذار 2019، فتحت صفحة ذلك الزمن البعيد، من خلال عدد من كبار السنّ، الذين رصدوا تلك الأجواء، والطقوس الخاصة بالزفاف، فتحدث الحاج "خلدون صبري ملا علي" من أهالي ريف "المالكية" عنها، قائلاً: «لم يبقَ من أعراس الماضي إلا ذاكرتنا، ونحن بدورنا ننقلها إلى الأجيال وأبنائنا، الذين لم يتعرفوا إليها، حاولنا، وكنّا نفضّل أن نبقى على تلك الطقوس الفنية والاجتماعيّة الرائعة، لكن وصلنا إلى مرحلة كبيرة من التطورات الفنية والتقنيات والعادات التي فرضت على شبابنا احتفالات خاصة بمرحلتهم. أمّا في الماضي، فقد كانت مغايرة تماماً بكل تفاصيلها، تبدأ من اقتراح الأهل على ابنهم الفتاة التي أرادوها له، وعلى الأغلب كان القرار للأم أو الأخت، لكونهما الأقرب لمشاهدة الفتاة، وبعد التوافق بين الشاب وأهله، يذهب وفد صغير قريب من الشاب عن طريق وسائل النقل القديمة؛ حصان وعربة نقل، إذا كانت القرية الخاصة بالفتاة بعيدة، وكان الانطلاق منذ الصباح الباكر، وفي دار أهل الفتاة لا يكون الحديث في الطلب الرئيس إلا بعد تقديم كافة واجبات الضيافة والاستقبال وتقديم الولائم، وهي من عززت العلاقات الاجتماعيّة بين أبناء تلك المناطق، وسبب رئيس لبقائها حتى يومنا، وانتقلت من جيل إلى آخر».

سمعتُ من والدي وكبار السنّ في قريتي عن تلك الأجواء، وقد أسعدتني كثيراً، خاصة أنها تحمل الكثير من الثقافة واللوحات الاجتماعية، فكان قراري تدوين ذلك الماضي ضمن معرضي، وقد أخذ مني هذا العمل جهداً ووقتاً، حيث أنجزتُ كافة تفاصيل الزفاف من خلال التراب، سواء العربة ومن بداخلها، حتّى وضعتُ الحصان في إحدى صورها، عندما لا يتم الاتفاق على الزواج، وهذه اللوحة في معرضي يقف عندها الكثيرون من الزوّار، وفوراً يباشرون السؤال عنها وعن معانيها العديدة، وهي إشارة إلى أن الأجيال الحالية تفتقد إلى ماضينا وعاداته وتقاليده، وسعادتي كبيرة، لأنني أقدم رسالة فنية واجتماعيّة

ويتحدث "دهام ناصر العلي" من أهالي بلدة "القحطانيّة" عن تفاصيل أخرى خاصة بالأعراس القديمة، ويقول: «بعد تأدية الواجبات الاجتماعيّة بأدق تفاصيلها، يتم النقاش في جميع تفاصيل الزواج، أحياناً كثيرة يتم الخلاف على أجزاء تعرقل الزفاف، خاصة فيما يتعلق بالمهر وجهاز العروس، وفي هذه الحالة، يضع الشاب عصاً رفيعة في فمه، وهو يمتطي حصانه حتى يصل إلى منطقته ومنزله، فيعرف الجميع أن الخبر غير سعيد. أمّا إذا كان العكس، فإن العريس يرتدي تاجاً، والابتسامة لا تفارقه، وفي يوم الزفاف، تكون العروس في عربة نقل يجرّها حصان، وتكون إلى جانبها إحدى قريباتها، والعريس يكون على حصانه وإلى جانبه حصان آخر مع أحد الأقرباء، ليكون دليلاً على أنه في قمة سعادته وكبريائه، وعند الوصول إلى قرية العروس، تستمر الأفراح، وتبقى الدبكات والرقصات لمدة سبعة أيّام متواصلة، حيث لا يتوقف شباب القرية وبناتها عن الرقص ونشر الفرح في ربوع قريتهم، إضافة إلى ذلك، كان الأقرباء والأصدقاء من شتى المناطق يتوافدون إلى الحفل ويحافظون على وجودهم بين العريس وأهله أسبوع العرس».

تفاصيل الزواج في الماضي ضمن معرض "حزنية"

بدورها "حزنية أوصمان"، أنجزت معرضاً تراثياً في منزلها الريفي، وتصدت لإنجاز عمل خاص بها، تتحدث عن تفاصيل أعراس الماضي بالقول: «سمعتُ من والدي وكبار السنّ في قريتي عن تلك الأجواء، وقد أسعدتني كثيراً، خاصة أنها تحمل الكثير من الثقافة واللوحات الاجتماعية، فكان قراري تدوين ذلك الماضي ضمن معرضي، وقد أخذ مني هذا العمل جهداً ووقتاً، حيث أنجزتُ كافة تفاصيل الزفاف من خلال التراب، سواء العربة ومن بداخلها، حتّى وضعتُ الحصان في إحدى صورها، عندما لا يتم الاتفاق على الزواج، وهذه اللوحة في معرضي يقف عندها الكثيرون من الزوّار، وفوراً يباشرون السؤال عنها وعن معانيها العديدة، وهي إشارة إلى أن الأجيال الحالية تفتقد إلى ماضينا وعاداته وتقاليده، وسعادتي كبيرة، لأنني أقدم رسالة فنية واجتماعيّة».

العصا للرفض والحصان للزفاف