قدّمت لأسرتها وأبناء قريتها نموذجاً متفرداً من العطاء والمحبة، رسمت أجمل معاني الوفاء لوالدتها المريضة، تابعت تعليمها الجامعي بعمر الخمسين في سبيل بناتها، وكانت في مكان عملها قدوة من الالتزام والتفاني.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 5 نيسان 2019، التقت "مريم علي العلي" في مكان عملها بالمجمع الإداري بمدينة "القامشلي" للحديث عن مشوارها الاجتماعي والتربوي والتعليمي، فقالت: «سنوات عمري الطويلة، منذ الطفولة حتّى يومي هذا كأي امرأة ريفيّة، حيث العمل في تربية الأنعام والطيور والأرض، ونقدم من خلاله جهداً مثمراً مثلنا مثل الرجال، وربما أكثر. وأثناء مراحلي المبكرة في الحياة، أشاد أهلي وأبناء قريتي بجدي وكدّي، واجتهادي كان في كل جوانب الحياة، فلم أعرف الكلل واليأس، على الرغم من صعوبات الحياة الكثيرة. وتصديتُ لخطوة مهمة لم تعرفها أي أنثى من قبلي، ففي الماضي، كان الرجال يفضلون العمل بالأرض والمنزل على دراسة الفتاة، أمّا أنا فتقدمت لشهادة التعليم الأساسي سرّاً، وحققت نجاحاً رائعاً، وكان دافعاً لباقي الفتيات لينهجن نهجي، وكانت رسالة جميلة بأن الأنثى جديرة بالإنتاج في كل الميادين. وفي مرحلة مبكرة أيضاً تزوجتُ، كعرف من أعراف الريف، وإضافة إلى تربية أطفال زوجي من زوجته الأخرى، وإنجابي لأطفالي، تصديتُ لدراسة الشهادة الثانوية، وفيها أيضاً كان النجاح من نصيبي، والدهشة الكبيرة كانت لكلّ من سمع بالنبأ، وأكثر من ذلك، فقد أعدتُ تقديم الامتحانات عام 2009 للشهادة الثانوية في سبيل الوصول إلى كلية الحقوق، وهذا ما تحقق».

أقطع مسافة جيدة من قريتي إلى مكان عملي الوظيفي، لكنني مواظبة على التقيد التام بأدق تفاصيله، ومساعدة المراجع بأمور إضافية في سبيل إنجاز عمله، وحتّى يشعر بالراحة والسرور في مؤسستنا. وفي القرية أسعى لأكون عنصراً للمحبة ونشر السلام، ومنزلي كان وسيبقى لتلك العناوين، وحتّى اليوم مستمرة بالعطاء في الأرض والدوام الرسمي وكليتي الجامعية، وتربية أسرتي التربية المثالية، بالاعتماد على نفسي فقط

وتتابع "مريم" عن مشوارها في الحياة: «ازدادت مسؤوليات الحياة، وبناتي وصلن إلى المرحلة الجامعيّة، وثلاث منهن معي في كلية الحقوق، ندرس معاً، ونتنافس في سبيل النجاح والتفوق، وقد تحملت كل ذلك، فقط لأكون قدوة لهن وغيرهن.

مريم في كلية الحقوق

متاعبي اليومية كثيرة، في البيت والأرض والدوام، لا وقت للراحة نهائياً، والأهم أنني تقدمت لنيل الشهادة وأنا أعيل والديّ المريضين؛ فالوالدة معوقة وضريرة، واحتاجت إلى قرنية حتى يعود جزء من بصرها، فذهبتُ إلى الطبيب وقمتُ بكافة الإجراءات الطبية في سبيل منح قرنية عيني لها، وفي اللحظات الأخيرة تعذر الأمر طبياً، وقبل وفاتهما أعدتُ مع بناتي ترميم منزل والديّ، وكنت أحياناً أعمل في الثانية فجراً، وأقوم بالعمل من خلال قطع "اللبن" الخاص بالبيوت الريفية، حيث قطعتُ 200 قطعة، وتنفيذ كل ما يلزم لإعادة المنزل من جديد، وهو عمل عادة ما ينفذه الرجال، وسعادتي أن والديّ كانا في قمة رضاهما عنّي. وعلى الرغم من الأعباء المادية الكثيرة التي يحتاج إليها ترميم المنزل، إلا أنني لم أشعر باليأس، حيث ضاعفتُ عملي في الأرض الزراعية، خاصة أثناء العطل الرسمية وأوقات ما بعد الدوام، لأسدد الديون، وأقدم كل مستلزمات حياة بناتي الجامعيّة».

تفاصيل أخرى تخص حياة "مريم" اليوميّة، تضيف عنها: «أقطع مسافة جيدة من قريتي إلى مكان عملي الوظيفي، لكنني مواظبة على التقيد التام بأدق تفاصيله، ومساعدة المراجع بأمور إضافية في سبيل إنجاز عمله، وحتّى يشعر بالراحة والسرور في مؤسستنا. وفي القرية أسعى لأكون عنصراً للمحبة ونشر السلام، ومنزلي كان وسيبقى لتلك العناوين، وحتّى اليوم مستمرة بالعطاء في الأرض والدوام الرسمي وكليتي الجامعية، وتربية أسرتي التربية المثالية، بالاعتماد على نفسي فقط».

"زكي محمد" أحد زملاء العمل الوظيفي لـ"مريم"، تحدّث عن مزاياها، فقال: «تقدّم صوراً جميلة في مكان عملها، من خلال الجدية والمثابرة اليومية، وتتمتع بالحيوية والنشاط منذ الصباح الباكر حتى نهاية الدوام، وترافق المراجع إن دعت الحاجة لإنجاز مهمته، ابتسامتها لا تفارقها، حتى وهي تحمل هموماً كثيرة بداخلها، تزرع الخير والمحبة بين الموظفين جميعاً، وفي قريتها نموذج خيّر بالعمل والنشاط الرائع، أمّا في جامعتها وكليتها، فقد قدمت درساً جميلاً للنساء المبدعات بأن الحياة يجب أن تعاش بكل أجزائها، ولا وقت لليأس والكسل».

"زبيدة محمد سليمان" من أهالي قرية "خبرة عمو" تحدثت عن "مريم" النموذج الطيب في قريتها، وتقول: «لها بصمة وحضور ناجح ضمن أسرتها وقريتها ومجتمعها، فهي تتعامل بكل محبة وأخوة وإنسانية مع كل من حولها، لا تنام الليل إذا جارها أو أحد سكان القرية مريض أو جائع، لا تتردد في المساعدة والتعاون لأي عمل خير، تعمل في الأرض والبيت والعمل من دون كلل أو ملل، في كل مكان لها اسمها ومكانتها، حتى في العمل، فنحن نسمع عن عطائها الطيب والناجح، الأهم من ذلك وصولها إلى الدراسة الجامعية في سنّ متأخرة، لتكون قدوة وسنداً لبناتها».

يذكر، أن "مريم العلي" من مواليد قرية "خربة عمو" في ريف "القامشلي"، عام 1970.