احتفظَ بالقواعد الأساسية المهمّة لصناعة الأدوات التراثية من والده، واجتهد كثيراً حتى طوّر إمكاناته وأدواته دون أن يتخلى عن (كاره)، رافضاً الإغراءات العديدة ليبقى مع مهنته، مستمراً بإنجاز تراثيات الجزيرة السورية القديمة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 18 آب 2019 زارت "عبد القادر حنوش" في محله بمدينة "القامشلي" لينقل لنا مشواره وحكايته مع تلك الأدوات التراثية التي يصنعها منذ سنين طويلة، ومستمر فيها حتى تاريخه، فقال: «فتحتُ عيني على الحياة فوجدتُ والدي وأخي الكبير يصنعان أدوات ومواد خاصة بالماضي البعيد، فأحببت المهنة لأنّها تحاكي الماضي بالدرجة الأولى، ولأنّها مهنة والدي الذي كان يريد مني إتقانها بجهد ذاتي، إذ لم يكن يمنحني التفاصيل الدقيقة في عمل تلك المواد بل يلمّح إلى ذلك بإشارات سريعة لإنجاز أي قطعة تراثية، وفي فترة قصيرة تعلمتها بشكل احترافي، وزاد حبي لهذا العمل مع مرور الوقت، توفى الوالد وسافر الأخ وبقيتُ وحيداً، فإما أن أحافظَ على مهنتي ورسالة والدي أو أغلق المحل وتندثر ذكريات كثيرة وجميلة، فعاهدت نفسي على الاستمرار، خاصة أنّ محلي هو الوحيد في المنطقة الذي يصنع هذه المواد التراثية القديمة».

بشكل دائم لي وللكثيرين من أبناء منطقتي زيارات إلى هذا المكان، الذي بعث السعادة والهدوء في النفس، مكان يحمل قصص الماضي ويقدم كل ما له علاقة بذكريات أجدادنا وكبارنا، مواد لها قيمة معنوية رائعة، حتى إنّنا نحكي عن هذا المكان لأشخاص من مناطق أخرى، للذهاب إليه والتعرف عليه، كونه من أهم وأجمل المعارض

يتابع "عبد القادر" عن مسيرته مع التراث: «أعمل مواد لها صلة وحكاية مع الماضي البعيد، هي غير متوافرة بنسبة كبيرة في منازل الأهالي، وجميع المواد القديمة الخاصة بالمطبخ مثلاً أو ألعاب الكبار والصغار، حتى مواد تجهيز الحلوى والطبخ، إضافة إلى أسرّة نوم الأطفال وألعابهم، وفخاريات منوّعة وعربات نقل خشبية، ومن المواد أيضاً التي أنجزها الكثير من الآلات الموسيقية، التي كانت نكهة الأعراس، حتى لا ننساها وتنساها الأجيال القادمة، وأعمل جاهداً لأكون جزءاً من بقاء تلك الذكريات المهمة لماضٍ جميل، وتحوّل المحل الذي أعمل فيه إلى معرض تراثي، وقد حرصت على أن يكون ذلك، حيث يزوره كل أطياف المجتمع ليتعرفوا على تلك المواد، ويسألون عنها وعن دورها في ذلك الزمن، حتى كبار السن أحياناً يسألون عن قيمة وأهمية بعض المواد التي يجهلون دورها، لذلك تحمل ذاكرتي جميع معلومات وتفاصيل القطع والأدوات الموجودة لديّ، والتي تقدر بالمئات، وأشعر بسعادة كبيرة وأنا أنقل وأساهم بتعريف مجتمعي بأمر في غاية الأهمية».

أعمال منوعة

وعن رسالته أضاف: «هدفي من هذا العمل ليس الربح التجاري نهائياً، لا أقوم بتسويقها في أي مكان آخر رغم الطلب مني، ولم أغير المهنة أو أحول المحل إلى عمل آخر، فالهدف الذي أسعى إليه أسمى من ذلك، طبعاً عُرض عليّ السفر خارج البلد وبعروض مغرية، لكنني رفضت ذلك أيضاً، فآلة الكمنجة التي أصنعها وتستغرق مني عمل يومين وأكثر، وتبقى معلقةً على جدران محلي دون بيعها، تشعرني بسعادة كبيرة تعوضني عن السفر وأيّ مهنة أخرى، المواد التي أصنعها وصلت إلى دول عديدة منها: "تركيا، ألمانيا، أمريكا، هولندا"، وبشكل دائم إلى "العراق"، هذا التراث عندما يصل إلى كل هذه البلدان، لا يعوّض بأي مبلغ مادي، عملي ورغم توفر الآلات والمكنات لكنه يعتمد على جهد يدوي، معظمه حفر على الخشب، واليوم يصبح لي 25 سنةً مع التراث ومستمر معها».

"مصطفى أحمد" من أهالي مدينة "القامشلي" يتحدث عن أهمية معرض "عبد القادر" بالقول: «بشكل دائم لي وللكثيرين من أبناء منطقتي زيارات إلى هذا المكان، الذي بعث السعادة والهدوء في النفس، مكان يحمل قصص الماضي ويقدم كل ما له علاقة بذكريات أجدادنا وكبارنا، مواد لها قيمة معنوية رائعة، حتى إنّنا نحكي عن هذا المكان لأشخاص من مناطق أخرى، للذهاب إليه والتعرف عليه، كونه من أهم وأجمل المعارض».

الكمنجة تستغرق جهداً كبيراً

يذكر أنّ "عبد القادر حنوش" من مواليد "القامشلي" عام 1977.

آلات موسيقية