يصبح وجود مصادر المياه في أية منطقة عاملاً أساسياً في ازدهارها وكثرة المعالم الجمالية فيها، ويعدّ نهر "العاصي" من أميز الأنهار التي تمر في سورية وتعتبر مدينة "القصير" إحدى تلك المدن التي نشأت على ضفاف "العاصي" واشتهرت بكثرة الينابيع والطواحين والجسور والقناطر القديمة والسهول الخصبة وآخرها مغارة "القصير" المكتشفة عام 1995 وذكر الحديث عنها في كتاب "تاريخ القصير" للكاتب "هيثم عباس" حيث قال:

«المغارة طبيعية اكتشفت أثناء عمليات التفجير التي تتم لاستثمار الأحجار القلعية لتأمين الأحجار والرمال اللازمة لبناء جسر سد "القصير" على بعد عدة أمتار شرقي المغارة، وتلك المغارة تبعد عن "القصير" حوالي خمسة عشر كيلومتراً غرباً على الحدود اللبنابنة- السورية، وتقع ضمن صخور "السينومان تورون" الكلسية الدولوميتية التي يصل عمرها إلى حوالي مليون سنة تشكلت مع ما بداخلها نتيجة عمليات "الحت الكارستي" نسبة إلى جبل "الكارست" الواقع في شمالي غربي شبه جزيرة "البلقان" حيث تنتشر هذه الظواهر بكثرة».

لها باب عريض يتجاوز سبعة أمتار وارتفاعه ثلاثة أمتار، وتتألف من قاعة رئيسية يصل امتدادها إلى مئة متر وعرضها خمسة وعشرين متراً، أما ارتفاعها فيتجاوز الخمسة عشر متراً

يعتقد العلماء الذين زاروا المنطقة أنّ تلك المغارة والأراضي التي حولها من أولى المناطق التي خرجت على وجه الأرض عند تشكّل القارات الأساسية في العالم وهذا ما أكده "السيد "هيثم عباس" في كتابه.

مياه "العاصي" تتدفق من السد المقام عليه

وعن وصف "المغارة" يضيف: «لها باب عريض يتجاوز سبعة أمتار وارتفاعه ثلاثة أمتار، وتتألف من قاعة رئيسية يصل امتدادها إلى مئة متر وعرضها خمسة وعشرين متراً، أما ارتفاعها فيتجاوز الخمسة عشر متراً».

تشتهر المغارات دائماً بوجود الصواعد والنوازل المشكّلة بالكامل من تجمع قطرات المياه عبر آلاف السنين والتي تعطيها طابعاً مختلفاً خاصّاً بكل منها سواء في الألوان أو الأشكال وتلك الموجودة في مغارة "القصير" كلسية المنشأ تأخذ أشكالا عديدة تتميز بروعتها من حيث تصميمها وألوانها الجذّابة مع وجود التماثيل بمختلف أشكالها وأبعادها المغزلية، المتطاولة، الاسطوانية أو الأنبوبية إضافةً إلى أشكال السيوف أو الرؤوس وقضبان "المعكرونة"– تسمية معترف عليها في وصف الصواعد والنوازل- وكثير من الأنابيب التي يكون لبها فارغاً، أمّا الألوان التي تزين المغارة فهي متمايزة بوضوح بين الناصعة البياض، البنية والعسلية بتموجاتها المختلفة على حد قوله.

الشاعر "محمد وليد المصري"

وبخصوص أقسام المغارة فهي تمتلك كما يضيف "عباس": «تنتشر فيها-المغارة- سراديب وكهوف صغيرة أخرى تتجه جنوباً أو شرقاً بالنسبة للقاعة الرئيسية، وتلك الكهوف ذات تهوية جيدة ودرجة الرطوبة غير كبيرة أمّا حرارتها فمعتدلة مع وجود تجمعات مائية صغيرة من المياه العذبة الصافية في بعض نقاطها».

أمّا الشاعر "محمد المصري" وهو من سكان قرية "القصير" فتحدّث عن المغارة أيضاً عندما التقى به eHoms بتاريخ 18/12/2009:

نهر "العاصي" يمرّ في بساتين "القصير"

«للأسف اضطرت دائرة "الآثار" أن تغلق المغارة لعدّة أسباب أولها هو اختباء المهربين فيها وذلك لكون منطقة "القصير" حدودية مع لبنان أي تكثر فيها عمليات التهريب، إضافةً إلى أنّ العديد من سكان "القصير" ساهموا بتخريب المغارة لاقتطاعهم أجزاء من الصواعد والنوازل فيها لأخذها إلى البيوت كنوع من الزينة على الرغم من أنّها باعتقادي أهم من مغارة "جعيتا" بلبنان حيث إنّ عمرها مئة مليون سنة حسب مركز "الاستشعار عن بعد" وأكدت هذا الرقم جامعة دمشق أن هذا العمر سوف يغير مفاهيم جيولوجية الأرض (الكوم والأرك) حيث أثبتت أن أول جزء ظهر على سطح اليابسة كانت هذه المنطقة بعد تشقق الأرض وظهور البحر المتوسط».

مع مغارة "زيتة" تتمتع مدينة "القصير" بمعالم أثرية وسياحية ولكنها للأسف مهملة ولا يتم الاعتناء بها بالشكل الصحيح كما تابع السيد "محمد" وأهمها جسر "القنطرة" وعنه يضيف: «يمتلك جسر "القنطرة" أهمية تاريخية واجتماعية مميزة حيث إنّه أصبح رمزاً من رموز "القصير" ولا يكاد يخلو منزل من منازلها من لوحة رسم فيها الجسر أو صورة له، وهذا يؤكد جماليته الطبيعية والتاريخية فهو من الآثار المعمارية التي تعود لعام 2400 ق.م، وهو مبني من الحجارة البيضاء على نهر "العاصي" الذي يجري عبره من خلال أقنية رومانية عظيمة عددها خمسة تعكس الهندسة المتطورة في ذلك العصر وكان يربط بين لاذقية لبنان (قادش)- تل النبي مندو- وبين البقاع اللبناني أو ما يسمّى الآن "الهرمل" وتعد طاحونة "العميرة" في لبنان تابعة لنفس الجسر، ويبلغ طوله حوالي الثلاثين متراً بعرض ثمانية أمتار، إضافةً إلى أنّه محاط بالبساتين الخضراء الكثيفة الجميلة التي كانت وما تزال مقصداً لأهالي المنطقة للاستجمام والترفيه، أمّا استخدام الجسر فأصبح الآن محصوراً على اللذين يقصدون المنطقة فقط ولم يعد طريقاً رئيسياً للمواطنين، وذلك لأن وجوده بالقرب من الطاحون جعله مسلكاً لمن يريد طحن الحبوب وصناعة الطحين فيما مضى وبانتهاء عمل الطاحون نُسّق الجسر أيضاً وبني بالقرب منه على بعد مئتي متر جسر آخر أصبح طريقاً رئيسياً للمرور».