الروح الإنسانية، والمرأة، والحياة اليومية، والوطن، جلّ ما تتناوله الشاعرة والقاصة "سوزان إبراهيم" في إبداعاتها الأدبية، وهي ممتطية صهوة مهر بري يستنزف بعضاً من طاقة روحها، لكنه يعوض عليها في الوقت ذاته بسعادة لا تدانيها سعادة أخرى، كما تحدثت لمدونة وطن "eSyria" حول تجربتها الأدبية، من خلال مجموعة من الأسئلة التي وجهناها لها:

  • حبذا لو تحدثينا عن محاولتك الأولى في كتابة القصة، وفي نظم الشعر، وكيف اكتشفت موهبة الكتابة، ومن شجعك حينها؟.
  • ثمة مفارقة حادة إذاً في الملامح التاريخية والإنسانية للمرأة تمضي إليها "سوزان إبراهيم" وتأخذها من مخزونها الجمعي وتدفع بها إلى ذاكرة القصيدة بمرارة باعتبار أن المسافة بين كل منها جارحة في تبايناتها وهي في السياق الذي تمضي فيه لا تذرف الحسرة على مكانة المرأة الملكة كما أنها لا تنظر بعين الرضا إلى صورتها المعاصرة التي تبدو في أغلب المشهد الراهن أكثر امتداداً في البؤس، وهي في مسعاها الذي تنشد من خلاله الخلاص من هذا البؤس لا تتوجه في نصها الشعري إلى خطاب الرجل لتحميله أسباب الحالة المتردية للمرأة كما يفعل الخطاب النسوي في كثير منه بل تختار في توجهها ناحية المرأة نفسها في الخطاب محملة إياها مسؤولية المآل الذي بلغته جراء إذعانها للظلم وباعتبارها شريكاً اجتماعياً مساهماً في تلوين الأنوثة القادمة من رحمها وفق المجتمع وأناه الذكورية وهو ما يذكّر بما ذهبت إليه من قبل غادة السمان منذ بواكيرها في مجموعتها "عيناك قدري" كما يعيد إلى الأذهان ما أكدت عليه سيمون دوبوفوار في قولها في كتابها "الجنس الثاني" نحن لم نولد نساء هكذا

    ** لعلي إذا أغمضت عينيّ قليلاً، رأيت فتاة في الصف الأول الإعدادي تجلس على ضفة نهر يلتف حول باحة مدرسة لم تكن مسوّرة بجدران عالية بل بأشجار وهضبات، إنها تكتب مُحاوِلةً نظم قصيدة تتحدث عن جمال شهر آذار وروعة الربيع، ينصرف جلّ همها إلى جعل الكلمات في آخر كل (بيت شعري) تتشابه في الموسيقا والروي، كانت تلك ربما قصيدتها الأولى بعد زمن لا أعلم مقداره – ربما مئة عام حسب مقياسي الخاص بالزمن – ثمة من قال للطفلة التي نضجت وخبرت متعة الحروف وأريجها: "لماذا لا تتوجهي لكتابة القصة القصيرة، أعتقد أن لك صوتك الخاص في هذا العالم"، وهكذا فعلت! كانت قصتي الأولى حواراً بيني وبين القلم (هذا الواشي الصغير) الذي يحولنا إلى آنية شفافة ويعرض حميميتنا على رصيف الفرجة.

    ربما برعت منذ طفولتي في كتابة مواضيع (التعبير) التي كانت في مناهج التعليم الابتدائي والإعدادي، أما في المرحلة الثانوية فكان موضوع الإنشاء الذي أكتبه يحمل بواسطة مدرس اللغة العربية ليقرأ على طلاب الشعب الأخرى، وجاء مدرس اللغة العربية في الصف العاشر ليقول: "لديك ما تقولينه فلماذا لا تكتبي"! ولم يطل بي الأمر حتى بدأت كتابة الخواطر ونشرها في مجلة جيش الشعب والجندي العربي».

  • ما الذي يحرضك على الكتابة، وما أبرز الموضوعات التي تناولتها في كتابة القصص، وكذلك في الشعر؟.
  • ** لا وقت محدداً للكتابة، إنها تداهمني كلما طاب لها ذلك، لا تجيد الاستئذان ولا طرق الأبواب قبل الدخول، إنها كائن غير مهذب وفق تقاليدنا الاجتماعية المعروفة، بل هي فضولية وحشرية تدس أنفها في كل موطئ حرف، ما يحرضني على الكتابة حالة أو مزاج لا أتعمد توليده – رغم أنني حاولت مرات استدراجه – إنه وقت مشحون بالقلق دون معرفة سبب واضح لذلك، وحين تنضج ثمار القلق سأجد نفسي في مكان قصي، منفصلة حتى عني، وعن وعيي المألوف، سأمتطي صهوة مهر بريّ يستنزف بعضاً من طاقة روحي، لكنه يعوض علي في الوقت ذاته بسعادة لا تدانيها سعادة أخرى. في مجموعاتي القصصية وفي قصائدي كانت الروح الإنسانية محور دوران الكلام، وكان للمرأة بالطبع مركز الدائرة، ثم الحياة اليومية للوطن.

  • هل يمكن أن تعطينا لمحة موجزة عن المجموعة الأولى التي نشرتها والمجموعات الأدبية الأخرى، وماذا تعني لك هذه المجموعات؟.
  • ** كان إصداري الأول مجموعة شعرية (لتكن مشيئة الربيع) عام /2003/، تلتها المجموعة القصصية الأولى (حين يأتي زمن الحب) في نفس العام، ثم (امرأة صفراء ترسم بالأزرق) عام /2005/، وأصدرت بداية هذا العام /2009/ المجموعة القصصية الثالثة (لأنني.. لأنك).

    وأرى أن هذه المجموعات شكلت محطة أولى في سفر قد نصل محطته النهائية مع آخر شهيق، ربما استطعت كما أزعم عبر تلك المجموعات خاصةً في المجموعة الأخيرة إضافة لمسة أو نكهة ما إلى المشهد القصصي النسائي في سورية، لكنني أدرك تماماً أن ما في جعبتي أهم من كل ما قدمت حتى الآن. كانت تلك المجموعات بمثابة الإجراءات اللازمة لتسجيل اسم ومكان وتاريخ مولود في دائرة السجل المدني، ليشكل لنفسه هوية مستقلة، كانت تأسيساً لقادم أزعم أنه أكثر أهمية!.

  • أنت خريجة كلية الآداب قسم الأدب الإنكليزي، فما مدى تأثير دراستك على كتاباتك؟
  • ** لا يمكن رصد تأثير ذلك بشكل مباشر، لكن الاطلاع على أدب شعوب أخرى بلغة أخرى برؤى مختلفة عما نرى بأحاسيس تختبر الأشياء وتعبر عنها من منطق مغاير، ربما يجعلك أكثر ثراء لغوياً وفكرياً وتخييلياً إنها رحلة في عوالم متمايزة عما ألفناه واستوعبناه إنها زاوية جديدة للرؤية.

  • ماذا تحدثينا عن تجربتك على المنبر وما أبرز المهرجانات الأدبية والأمسيات التي شاركت فيها؟
  • ** في مرحلة ما من التجربة الإبداعية، تكون المشاركة في المهرجانات والأمسيات ضرورية لانتشار الاسم وتكريسه عبر المنابر الثقافية، كما تتيح للكاتب تجربة اللقاء المباشر مع جمهور يتفاعل معه ويتلقى عبر وجوههم إشارات عليه أن يجيد ترجمتها، إنها باختصار تجربة جميلة، لا أذكر كم الأمسيات والمهرجانات التي شاركت فيها، لكنني أعتقد أنها غطت مساحة أثيرة على قلبي من وطني سورية. وأنا ممن بدأت المشاركة بالأمسيات مبكراً ومنذ سنوات الدراسة الجامعية الأولى.

  • ما جديدك حالياً، وما أبرز طموحاتك في مجال الأدب؟
  • ** آمل أن أنجز قريباً مجموعتي الشعرية الثانية، بعد أن استأثرت بي القصة القصيرة لزمن طويل نسبياً، رغم أنني كنت أخونها بصراحة، ومحتويات المجموعة الجديدة هي مجموع الخيانات التي ارتكبتها بحقها، أما عن طموحاتي في مجال الأدب، فهذا سؤال أكبر من أن يتسع كل العمر القادم للإجابة عنه. ومع ذلك أرغب في إنجاز كتابة مغايرة عن السائد والمألوف، آمل أن أهز نوم النائمين منذ قرون على أحلام الماضي، آمل أن تكون كتابتي عاصفة تثير زوابع، فقد طال زمن الاستكانة والحياد، أعد إذاً بكتابة غير حيادية، لعلي سأكتب بحد سكين علّ زمن النوم، والمحاباة، وتضخيم الذات ينقضي... ما زلت آمل!!.

    الأديب والناقد "أحمد حسين حميدان" ذكر في عدد مجلة "الأسبوع الأدبي" الصادر بتاريخ 1/9/2011 عن مجموعة الشاعرة "كثيرة أنت" أن «ثمة مفارقة حادة إذاً في الملامح التاريخية والإنسانية للمرأة تمضي إليها "سوزان إبراهيم" وتأخذها من مخزونها الجمعي وتدفع بها إلى ذاكرة القصيدة بمرارة باعتبار أن المسافة بين كل منها جارحة في تبايناتها وهي في السياق الذي تمضي فيه لا تذرف الحسرة على مكانة المرأة الملكة كما أنها لا تنظر بعين الرضا إلى صورتها المعاصرة التي تبدو في أغلب المشهد الراهن أكثر امتداداً في البؤس، وهي في مسعاها الذي تنشد من خلاله الخلاص من هذا البؤس لا تتوجه في نصها الشعري إلى خطاب الرجل لتحميله أسباب الحالة المتردية للمرأة كما يفعل الخطاب النسوي في كثير منه بل تختار في توجهها ناحية المرأة نفسها في الخطاب محملة إياها مسؤولية المآل الذي بلغته جراء إذعانها للظلم وباعتبارها شريكاً اجتماعياً مساهماً في تلوين الأنوثة القادمة من رحمها وفق المجتمع وأناه الذكورية وهو ما يذكّر بما ذهبت إليه من قبل غادة السمان منذ بواكيرها في مجموعتها "عيناك قدري" كما يعيد إلى الأذهان ما أكدت عليه سيمون دوبوفوار في قولها في كتابها "الجنس الثاني" نحن لم نولد نساء هكذا».

    الجدير بالذكر أن الأديبة "سوزان إبراهيم" عضو في اتحاد الكتّاب العرب – جمعية القصة والرواية، وعضو في اتحاد الصحفيين، وهي أيضاً عضو في عدد من الجمعيات والروابط كالعاديات ورابطة الخريجين الجامعيين وغيرها، وتعمل حالياً محررة في القسم الثقافي والتحقيقات بجريدة الثورة السورية.