ارتبط العدد "أربعون" بتاريخ أهالي مدينة "حمص" في الماضي، وامتد إلى الحاضر عبر قصص وأمثال قصّها الأجداد للأبناء عن هذا العدد ليمثل آمالهم ومخاوفهم وتاريخهم.

مدونة وطن "eSyria" التقت الدكتور المغترب في هولندا "حسان الجودي" بتاريخ 22 تشرين الثاني 2015؛ ليحدثنا عن هذا الموضوع بقوله: «لمعرفة الدلالات التي يحملها الرقم "40" يجب العودة إلى أساطير المنطقة، وكتب الرسالات السماوية، ومن ثم يجب مقارنة الواقع الاجتماعي بمعطيات البحث، وبالعودة السريعة إلى أساطير المنطقة نجد أن الرقم "40" هو عدد أيام الفيضان الكوني الذي أغرق الأرض واستمر أربعين يوماً وبعدها انحسر الماء لتبدأ الحياة من جديد، أما في كتب الرسالات السماوية فيتكرر هذا الرقم كثيراً؛ فهو أيضاً عدد أيام طوفان "نوح"، وهو عدد سنوات تيه "موسى" في الصحراء، وبالانتقال إلى الواقع المعاصر نلاحظ الحضور المكثف للعدد أربعين، فهناك: "أربعين الميت"، و"أربعين الصوم"، و"أربعين النفساء" بعد الولادة، و"أربعينية الشتاء".

هذه الأمثال والقصص كانت جزءاً مهماً من الواقع والمجتمع الحمصي لأحقاب كثيرة، لكنها خفّت بوجه ملحوظ حتّى أصبح الموثّقون يخافون اندثار هذه العادات؛ لذلك بدأ عصر التوثيق الكتابي بدلاً من الشفهي، خصوصاً أن مثل هذه الأمثال والقصص قابلة للنسيان إذا ما نقلت بالتواتر بين الأشخاص، لكن ارتباط القصص روحياً مع سكان المدينة ولّد مشاعر الأمل والخوف في الوقت نفسه، من هذه الأساطير التي خالفها بعضهم بمبرّرات علمية ودلائل واضحة، لكن جزءاً من سكان المدينة القديمة ما زالوا يعتقدون بوجود هذه الأساطير ولا يكترثون لكل هذه الدلائل، وذلك تبعاً للخلفية الدينية والثقافية، وهو الشيء الذي جعلهم يصدقون أغلب القصص السابقة وتحويلها إلى تقليد شعبي متوارث فيما بينهم

إن استقراء جميع هذه الدلالات يشير إلى أن العدد 40 يرمز إلى التجدد والحياة الجديدة المختلفة، فبعد "أربعين الصوم" يأتي "عيد الفصح" برمزيته للبعث والولادة من جديد، وبعد "أربعينية الشتاء" يأتي الربيع، وبعد "أربعين الميت" ينتهي الحزن، وبعد "أربعينية النفساء" ينتهي الكسل وتقوم المرأة بنشاط».

د.حسان الجودي

"عارف الشيخ" أحد أبناء مدينة "حمص القديمة" يتحدث عن ارتباط هذا العدد بالسكان وما يحفظون عنه من قصص بالقول: «في "حمص" أماكن ارتبطت بالرقم كجامع "الأربعين" الذي يقال عنه بحسب المراجع الدينية أنه بسبب وجود مقام لأحد "الأبدال" وعددهم أربعون رجلاً، ويوجد في مدخل الجامع جملة مكتوبة على أحد حجارته تقول: (الحمد لله رب العالمين، هذا مقام أحد الأبدال المنوّه عنهم في الحديث التالي: عن "علي" رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأبدال في "الشام" وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب)، أما اجتماعياً فأقوال وحكم كثيرة عرفها السكان وتناقلوها، حيث قالوا إن من يغتسل أربعين أحداً متتالياً يصبح غنياً، وعادة كانت تمتلئ الحمامات الشعبية في هذا اليوم بسبب الاعتقاد السابق. ومثل آخر كمن يدخل إلى الحمام حافياً يصبح نجساً أربعين يوماً ولا تقبل صلاته ولا طقوسه الدينية. كما أن البدوي يأخذ بثأره بعد أربعين سنة. إضافة إلى القول الشهير: من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم أو رحل عنهم».

وأضاف: «هذه الأمثال والقصص كانت جزءاً مهماً من الواقع والمجتمع الحمصي لأحقاب كثيرة، لكنها خفّت بوجه ملحوظ حتّى أصبح الموثّقون يخافون اندثار هذه العادات؛ لذلك بدأ عصر التوثيق الكتابي بدلاً من الشفهي، خصوصاً أن مثل هذه الأمثال والقصص قابلة للنسيان إذا ما نقلت بالتواتر بين الأشخاص، لكن ارتباط القصص روحياً مع سكان المدينة ولّد مشاعر الأمل والخوف في الوقت نفسه، من هذه الأساطير التي خالفها بعضهم بمبرّرات علمية ودلائل واضحة، لكن جزءاً من سكان المدينة القديمة ما زالوا يعتقدون بوجود هذه الأساطير ولا يكترثون لكل هذه الدلائل، وذلك تبعاً للخلفية الدينية والثقافية، وهو الشيء الذي جعلهم يصدقون أغلب القصص السابقة وتحويلها إلى تقليد شعبي متوارث فيما بينهم».

عارف الشيخ