على الرغم من مرور مئات السنين على اعتقادات وعادات اجتماعية لدى سكان "حمص" وتحديداً النساء منهم، إلا أن أغلبها ما زال محافظاً على وجوده متكيفاً مع تطورات العصر الحديث؛ كصباحات النساء الحمصية المستمرة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحثة في الشأن الاجتماعي "شيرين محفوض" بتاريخ 15 كانون الأول 2015؛ لتحدثنا عن هذا التقليد المتوارث بقولها: «تحافظ حفلات الاستقبال أو "الصبحيات" على خصوصية المجتمع الحمصي في الماضي والحاضر؛ فهي تعكس ثقافة وأفكاراً ومبادئ وعادات وتقاليد مجتمع النصف الآخر، ومثل المجتمعات الأخرى وخاصة الشرقية منها أوجد التقسيم الصارم لأدوار كلٍّ من الرجل والمرأة في مجتمع "حمص" تقسيماً للأمكنة التي يوجد فيها كل منهما خارج المؤسسة الزوجية، فالمضافة والفنادق والمقهى للرجال، أما الصالون أو "الحرملك" بالمصطلح الشرقي العثماني فهو للنساء، وكانت فرصة تحرك المرأة في المجتمع الحمصي ضيقة جداً كما في مدن "الشام" كافة خصوصاً في الأوساط المحافظة، ولم يكن أمام النسوة سوى مجالين استطعن من خلالهما توسيع هذه الفسحة الاجتماعية من ضمن ما تبيحه الأعراف والتقاليد؛ وهذان المجالان هما "الصبحيات" والاستقبالات، لكن تبدلات العصر وتطوره أدت إلى تخفيف هذه العادة، فدور المرأة في المجتمع أصبح أكثر فعالية مع دخولها مجال العمل إلى جانب الرجل، لذلك لا يوجد وقت كافٍ إلا في حالات العطل والمناسبات، وعندما تحدث فإنها تحافظ على تفاصيلها بعفوية».

كان لكل سيدة حمصية في الماضي "صبحية" خاصة تحييها كل أسبوع مرة في منزلها، ويتوافد إليها صديقات المضيفة وقريباتها وجاراتها ومعارفها، وفي مثل هذه الصبحية كانت النساء يمارسن حريتهن الكاملة من دون قيود بعيداً عن الرجال لأن الاختلاط ممنوع، وكانت "الصبحية" تتم عادة في الفترة الصباحية من الساعة العاشرة حتى الساعة الواحدة بعد الظهر؛ أي في الوقت الذي يكون الأزواج فيه خارج المنزل في أشغالهم ووظائفهم والأولاد في مدارسهم

ربة المنزل "نورا حجازي" من سكان مدينة "حمص" حدثتنا عن أبرز التفاصيل المرافقة لجلسة "الصبحيات" بقولها: «كان لكل سيدة حمصية في الماضي "صبحية" خاصة تحييها كل أسبوع مرة في منزلها، ويتوافد إليها صديقات المضيفة وقريباتها وجاراتها ومعارفها، وفي مثل هذه الصبحية كانت النساء يمارسن حريتهن الكاملة من دون قيود بعيداً عن الرجال لأن الاختلاط ممنوع، وكانت "الصبحية" تتم عادة في الفترة الصباحية من الساعة العاشرة حتى الساعة الواحدة بعد الظهر؛ أي في الوقت الذي يكون الأزواج فيه خارج المنزل في أشغالهم ووظائفهم والأولاد في مدارسهم».

شيرين محفوض

وتضيف: «كانت هذه الصبحيات تقتصر على النساء المتزوجات من دون العازبات، ولم يكن من عادة العازبات مهما كانت أعمارهن المشاركة في مثل هذه اللقاءات الاجتماعية، كانت صبحيات النساء في "حمص" تحفل بما لذّ وطاب من المآكل والمشارب الحمصية اللذيذة من معجنات وحلويات بمختلف أنواعها، إلى "التبولة" و"الفواكه" و"خبز التنور" المغطى بالقشدة "المغطوطة" الذي كان ظاهرة مميزة في هذه الصبحيات، لكن فاكهة هذه الجلسات (الحريمية) الخاصة هي الأحاديث التي كانت تتصاعد حرارتها بين الحاضرات، وتدور هذه الأحاديث عادة حول شؤون الحياة اليومية وحوادث البيوت وقصص الناس والشؤون الأخرى كالموضة والطبخ، ولا يخلو الأمر أيضاً من ثرثرات الغيبة والنميمة، وتكون هذه "الصبحيات" أحياناً فرصة لاستعراض الملابس والحليّ أمام الأخريات، وخلال ذلك تدار الأحاديث والفكاهات وتعزف بعض النساء على العود، أو ربما يحضرن عازف عود على أن يكون ضريراً، ولا بد أن تغني إحداهن وترقص امرأة أو أكثر، وكانت دارجة في مثل الأجواء الشامية المعروفة حيث تعزف إحداهن على "رقصة ستي"، فترقص امرأة أو أكثر بعد أن يحزمن الخصر بشال أو "إيشارب" أو أي شيء مشابه».

ومن "الهناهين" الشعبية التي ترددها النسوة في مثل هذه الجلسات:

"ها وارقصي يا منعنعة... ها وبالسكَّر مقمعة... ها ورقصي وحياة (زوجها فلان)... ها وضلي على قلبو مدلعة

لي لي ليش".