وجدت النساء الحمصيات في "الحمامات" الشعبية عاملاً جدياً للتساوي مع الرجال في زمن لم يعرف سوى الذكر فقط، فكانت متنفّساً مهماً لهنّ، حيث اتّخذت تلك الحمامات وسط المدينة القديمة الأثرية مستقراً لها، لتستطيع جذب السكان عبر قرون متتالية.

الحمامات التي تتألف من ثلاثة أقسام عادة هي البارد والساخن والفاتر إلى جانب العديد من الغرف المعدة لخلع الملابس والاستراحة والمستودعات يتحدث عنها "رياض الجاسم" صاحب الخبرة الاجتماعية حين التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 كانون الثاني 2016؛ ليحدثنا بالقول: «جرت العادة في الحديث عن حمامات "حمص" الشعبية في المدينة والريف عندما نتذكر العلاقات الاجتماعية الوطيدة، والتاريخ الذي يحمل بساطة العيش، فقد كنّا نذهب إليها كنزهة اجتماعية يجتمع فيها الرجال كل أسبوع أو أكثر بحسب الاتفاق، حيث يتم تناول طبخة "المجدّرة" على الأغلب إلى جانب "المخلل" بعد الحمام عند الجلوس في قسم "البرّاني"، أمّا في "الجّواني" فيكون ساخناً ويتصاعد منه البخار وذلك بفضل إيقاد المياه تحت أرض البناء ومن ثم توزيعها في قساطل قرميدية أو إسمنتية داخل جدران الحمامات، وأغلب حمامات "حمص" شيدت خلال العهود المملوكية والأيوبية والعثمانية وفق الطراز الكلاسيكي، وعرف 22 حماماً أشهرهم "الحمام الصغير"، "حمام العصياتي"، "حمام الشهاب"، ولا ننسى الأمثال الشعبية الكثيرة التي تكونت قصصها داخل الحمامات؛ حيث يقال في اللهجة المحلية: "متل صبي الحمام إيد من ورا وإيد من قدّام"».

أذكر جيداً تلك الأغنية التي ترددت كثيراً على مر الأجيال، والتي يقول مطلعها: "يا رايحة على الحمام خذيني معاكي.. لحملك البقجة وامشي وراكي.. وإن كان أبوكي ما عطاني ياكي.. لأعمل عمايل ما عملها عنتر"

"تمام السقا" أحد سكان الأحياء التراثية في المدينة قدم رأيه بما يخص النساء أيضاً بتساويهنّ مع الرجال في الذهاب إلى الحمام الشعبي بقوله: «للنساء طقوس خاصة للذهاب إلى الحمام الشعبي كالرجال تماماً، حيث يتم تفريغ يوم محدد لهن، ويأخذن ما يسمى "بقجة الحمام" حيث تصطحب المرأة بناتها وأطفالها وزوجات أبنائها أو قريباتها وجاراتها وصاحباتها، ومن أدواتها الرئيسة: (الطشت، والمشط، والحنَّاء، والليفة والصابون، وكيس التفريك، والطاسة العكّاوية، ومنشفة قصبية، ومنشفة صيوان، ومناشف عادية)، ومن طقوس النساء الرئيسة في الاغتسال أن المرأة تحتاج إلى أربع قعدات، وفي كل منها تغتسل 6 وجوه صابون و6 وجوه ماء؛ وهو ما يسمى (أتمام) ليكون المجموع 48؛ وهو ما لم يتقيد به الرجال عادة.

رياض الجاسم

هناك أيضاً "المعلمة" وهي المشرفة على الحمام أثناء تواجد النساء، وتساعدها "الناطورة" وهي التي تغسل النساء و(الأيمة) التي تجلب المناشف وتخدم المستحمات وتنظف الحمام بعد خروجهن، وإذا كان الرجال يستحمّون فذلك لا يستغرق أكثر من ساعتين، أما النساء فهو ما يشبه "سيراناً" حقيقياً أكثر من مجرد اجتماع وترويح عن النفس كما هو الحال للرجال».

وتابع يصف الطقوس الخاصة بالنساء داخل الحمام: «كانت النساء تستخدمنه لما يتجاوز ثماني ساعات؛ حيث تسد صنابير المياه وتكون هذه الفترة "السدة" مخصصة للاستراحة والأكل وعادةً يكون "المجدرة" مع المخللات والزيت والزعتر أو "الكبة حيلة"، وتعرف أيضاً بـ"رصاص المغاربة" نسبة إلى ثقلها على المعدة وعسر هضمها؛ فهي تشبه رصاص الجنود المغاربة الذين دخلوا "حمص" مع جنود الاحتلال الفرنسي أوائل القرن الماضي، ومن أهم الأمثال التي تتناقلها النساء حتى اليوم عن عادة الحمام: "اللي استحوا ماتوا"، دلالة عن حرق الحمام في إحدى القصص؛ فالنساء اللواتي لم يخرجن ماتوا في الداخل، ومن خرجت منهن بقيت على قيد الحياة».

تمام السقا

أما عن أهم البيوت الشعرية الغنائية المتداولة عن الحمامات الشعبية؛ وخاصة تلك المتعلقة بالنساء، فأضاف: «أذكر جيداً تلك الأغنية التي ترددت كثيراً على مر الأجيال، والتي يقول مطلعها: "يا رايحة على الحمام خذيني معاكي..

لحملك البقجة وامشي وراكي.. وإن كان أبوكي ما عطاني ياكي.. لأعمل عمايل ما عملها عنتر"».