الدكتور العالم كما يصفه زملاؤه، ساهم بوضع الكثير من القوانين، وترك مؤلفات مرجعية مهمة في القانون السوري، وعلى الرغم من المراكز العديدة التي شغلها؛ يبقى التعليم والوقوف أمام الطلبة المهنة الأقرب إلى قلبه.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 24 تشرين الأول 2016، الدكتور "إلياس حداد" الأستاذ في القانون التجاري في جامعة "دمشق" في مكتبه، فتحدث عن تفاصيل نشأته وحياته بالقول: «بدأت العمل كمعلم ابتدائي في الريف، بعد حصولي على أهلية التعليم الابتدائي في عمر 19 عاماً لمدرسة من ستة صفوف، التحقت بجامعة "دمشق"، كلية الحقوق، وتخرّجت فيها بدرجة جيد عام 1965، ليتم تعيني فيها معيداً، ثم حصلت على دبلوم الدراسات العليا 1973، وأنجزت دكتوراة دولة في الحقوق عام 1976، بعنوان: "النظام القانوني لمديري الشركات المغفلة"، بمرتبة شرف من جامعة "Aix-en-Provence" في فرنسا، عيّنت بعدها أستاذاً في قسم القانون التجاري في كلية الحقوق، جامعة "دمشق"».

المحاماة بالنسبة لي فروسية القانون للوصول إلى الحق، ولا أتسلّم أي دعوى إلا لثقتي المطلقة بالحق الكامل لدى الموكل، الاستشارة مجانية منذ بدء عملي في المحاماة حتى الآن، المحامي يجب أن يكون صاحب علم وأدب، وشعاره حمل رسالة العدالة

كانت رسالة الدكتوارة الخطوة الأولى في بحر المؤلفات القانونية للدكتور "إلياس حداد"، التي أصبحت فيما بعد مرجعاً مهماً لأهم الفقهاء الفرنسيين في مراجعهم العلمية، والتي استمرت لتدعم القانون السوري، فكان له الكثير من الكتب القانونية والبحوث العلمية والدراسات التي نشرت من قبله، التي كان لابدّ من الوقوف عندها، وعن أهمها يخبرنا: «عالم البحث والإبحار بالقانون لم يكن مجرد علم، بل كان غاية بحدّ ذاته، ومن أهم الكتب التي قمت بتأليفها كتاب "النظام القانوني لمديري الشركات المغفلة"، "القانون التجاري، بحري - بري - جوي"، "السندات التجارية في القانون التجاري السوري"، "الأوراق التجارية في النظام التجاري السعودي"، إضافة إلى العديد من البحوث والدراسات التي نشرت في مجلات قانونية عربية، مثل: بحث "في جريمة سحب شيك بدون رصيد"، الذي نشر في "المجلة العربية للدراسات الأمنية، الرياض"».

بعض مؤلفاته

ويضيف: «أهمّ إنجازين أفتخر بهما في مجال القانون هما: كتاب "القانون التجاري، الأسناد التجاري" عام 2008، وكتاب "القانون الجوي" عام 2004، فقد بذلت لإنجازهما مجهوداً كبيراً، خاصةً أن "القانون الجوي" لم يبحث بطريقة جيدة في "سورية" منذ عام 1953 ولغاية 2004، استغرق العمل أربعة أشهر من البحث العلمي الجاد والمتواصل في "باريس" ريثما تمّ إنجازه، وكانت بصمة مهمة في القانون السوري».

شغل الدكتور "إلياس حداد" الكثير من المراكز العلمية، أهمّها: وكيل علمي في كلية الحقوق، رئيس قسم القانون التجاري في كلية الحقوق، عضو مجلس مفوضي هيئة الأوراق المالية والأسواق المالية السورية، نائب رئيس "هيئة الأوراق والأسواق المالية" من عام 2009 لغاية 2014، عضو مجلس إدارة "المصرف التجاري السوري" من عام 2003 حتى تاريخه، عضو مجلس إدارة هيئة الإشراف على التأمين، عضو مجلس إدارة الإشراف على التمويل العقاري من عام 2010 لغاية 2014.

مكتبته

لكن شغفه الأول هو التعليم، فكانت المهنة التي رأى حياته من خلالها، وعن ذلك يقول: «قد يكون الإنسان عالماً لكن ليس لديه القدرة على نقل علمه إلى الآخرين؛ فالأمر يحتاج إلى الحب والرغبة التوّاقة للعطاء، شغلت مراكز علمية كثيرة، وشاركت بإعداد الكثير من القوانين السورية، وتأليف الكتب الجامعية، ومارست مهنة المحاماة أيضاً، وذلك خلال سنوات طويلة وشاقة من العلم والعمل، لكن ما وجدت نفسي فيه هو التدريس، وحده أضاف المتعة إلى الحياة».

يتابع: «درّست في عدد من الجامعات العربية، مثل: جامعة "الرياض" في السعودية، وجامعة "تلمسان" في الجزائر، وجامعة "الجدارة" الخاصة في الأردن، وجامعة "القلمون" في دمشق، وجامعة "دمشق" من عام 1970 لغاية 2012، استمرت رحلتي مع التعليم أكثر من خمسين عاماً، بدأت كمعلم ابتدائي في عمر 19 عاماً، وانتهت كأستاذ دكتور في قسم القانون التجاري في كلية الحقوق، جامعة "دمشق" في عام 2012 بعمر 72 عاماً، كنت أجدها المتعة الوحيدة في الحياة، العلم رسالة وطن، وأتمنى أن يجعل أساتذة الجامعة من جامعتهم دار مقرّ لا دار ممرّ».

مارس الدكتور "حداد" مهنة المحاماة في مكتبه من عام 1985 حتى الآن، وعن عمله في هذه المهنة، يحدّثنا بالقول: «المحاماة بالنسبة لي فروسية القانون للوصول إلى الحق، ولا أتسلّم أي دعوى إلا لثقتي المطلقة بالحق الكامل لدى الموكل، الاستشارة مجانية منذ بدء عملي في المحاماة حتى الآن، المحامي يجب أن يكون صاحب علم وأدب، وشعاره حمل رسالة العدالة».

وفي لقاء مع "محمود الشنانة" ماجستير في "القانون التجاري"، وأحد طلاب الدكتور "إلياس حداد"، يقول: «هو قدوتي ومثلي الأعلى الذي أقتدي بخطاه، فمنذ بداية دراستي في كلية الحقوق وخلال السنوات الأربع، تعلّمت منه الأخلاق والتواضع قبل المقرّر الدراسي، أكثر المحاضرين ترغيباً بالعلم لطلبته، ولى الرغم من صعوبة مقرّر "الشركات والأسناد التجارية" كان يشرحه بطريقة محببة وسهلة، يهتم بتقديم معلومات مركزة واضحة مختصرة بعيداً عن الإنشائية، يتعاون مع ظروف الطلاب قدر الإمكان، حتى عند طلب رسالة توصية لأحد الطلاب للدراسة في الخارج، كان يتعاون مع الجميع، قدّم لي الدعم المعنوي والعلمي؛ فكان مرجعاً علمياً شاملاً، يمدّ يد العون إلى جميع الطلاب حتى بتقديم المراجع العربية والكتب الأجنبية من مكتبته الخاصة، محطّ إعجاب وتقدير جميع الأساتذة والطلاب في جامعة "دمشق" علماً وأخلاقاً».

من جانبه "هيثم الطاس" أستاذ في القانون التجاري، جامعة "دمشق"، يقول: «الدكتور "إلياس حداد" مثال الدكتور الفاضل الخلوق، يتمتع بأسلوب في التدريس يتّسم بالتبسيط والسلاسة، حيث كان يربط شرحه للنصوص بأمثلة عملية مبسطة، ويعالج حالات مطروحة أمام المحاكم، ترك الدكتور "إلياس" بصمة حقيقية في مجال مشاركته بوضع الكثير من القوانين وإخراجها الصحيح والمنقّح، وعالج كافة النقاط التي تتعلق بموضوع القوانين المشارك بها، وكان يقوم قبل وضعه لمقترحاته بالاطلاع على تجارب الدول المتقدمة ونصوص قوانينها؛ لتلافي الثغرات الموجودة فيها، وصولاً إلى طرح مقترحات لوضع قواعد دقيقة، فقد شارك بوضع الكثير من القوانين، منها: "قانون سوق الأوراق المالية"، و"قانون التجارة البحرية السوري"، و"قانون تنظيم الجامعات"، و"قانون التجارة السوري"، و"قانون العمل السوري"، و"قانون الشركات العام"، وغيرها الكثير. التميز بأسلوبه الأكاديمي وتحلّيه بأخلاق الدكتور العالم الذي ينشر علمه ليستفيد منه الطلاب. على الصعيد الشخصي يعدّ الدكتور "إلياس" قمة في الذوق والأخلاق الرفيعة، ومثالاً يحتذى به من قبل الأساتذة والمحامين والطلاب».

يذكر أنّ الدكتور "إلياس حداد" من مواليد "حمص"، عام 1940.