يحب تقديم الجديد والمميز، وبأسلوبه المعاصر كسر الجمود بلوحاته؛ من خلال استخدام الألوان الزاهية وتقنيات الفن الرقمي، فأبدعت أنامله لوحات ملأى بالرموز والإيحاءات وتجذب الانتباه.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان التشكيلي "قتيبة معمو" بتاريخ 28 أيلول 2018، ليحدثنا عن تجربته الفنية بالقول: «البدايات كانت مع أمي التي لفت انتباهها أول رسمة لي وكنت وقتئذٍ بعمر السابعة، حيث قمت برسم الأشخاص البعيدين صغاراً والقريبين كباراً، وازداد حبي للرسم مع وجود مكتبة لدى أمي؛ حيث كنت أتصفح الكتب والمجلات وأقف كثيراً عند صور اللوحات للفنانين العالميين، أمثال: "رامبرانت"، و"مايكل أنجلو"، و"ليوناردو دافنشي"، كما أن خالي وعمي فنانان وقد أثرا بطفولتي بتنمية ملكتي الفنية، إضافة إلى البيئة المختلطة التي تربيت فيها، وكان لها التأثير الأكبر بأسلوبي الفني ورؤيتي للفن، فتأثرت كثيراً بالحالة الصوفية التي حاولت التعرف إليها عن قرب ومنذ الصغر، وبعد دراستي لإدارة الأعمال بقي حب الفن في داخلي كالجمر تحت الرماد، فبدأت دراسة الفنون في مركز "أدهم إسماعيل" للفنون الجميلة بـ"دمشق"، الذي جعل مني أكثر أكاديمية وامتلاكاً للأدوات والأسلوب في الفن، حيث صقلت موهبتي أكثر وتعرفت إلى المذاهب الفنية التي لا غنى عنها لكل فنان حتى يقوم بعملية الإبداع، فالفنان والإبداع شيء واحد، والفن بلا إبداع ليس له وجود، فما هو دور الفنان في الحياة من دون إبداع؟

أما بالنسبة للوحة وعلاقتها بالمجتمع، فأتمنى أن تصبح أكثر تأثيراً بالمجتمع للسمو به روحياً وسلوكياً، فكلما ازداد تطور مجتمع من المجتمعات وأصبح أرقى سلوكياً وفكرياً، ازداد اهتمامه باللوحة التي تعبر عنه روحياً وتنقل ثقافته وإبداعاته عبر الأجيال

بعد دراستي للفنون والمدارس الفنية بدأت أستخدم هذه المدارس في سبيل إظهار تجاربي العاطفية والقيم الروحية الكامنة في داخلي، فأحببت جميع المدارس الفنية؛ ولكل منها تأثيرها الخاص، وكانت البداية مع الواقعية مروراً بالسريالية والرمزية والتعبيرية، وأخيراً المدرسة التعبيرية التجريدية التي أثرت في نفسي كثيراً، ووجدت فيها الخلاص والعلاج لروحي الذي ألجأ إليه دائماً عندما أشعر بالكآبة والإحباط والحزن وحتى الفرح، فأنا كنت دائماً أبحث عما وراء قناع المظاهر الذي تتستر خلفه الأشياء في هذا العالم لإظهاره في لوحاتي».

من أعماله

وعن تقنية الفن الرقمي (الديجيتال آرت) أضاف: «حبي للجديد والمختلف وبحثي الدائم لخلق بصمة خاصة لي تميزني عن غيري من الفنانين، جعلني أحاول أن أمزج بين الوسائل القديمة والحديثة للوصول إلى لوحة تشكيلية، فاستخدمت تقنية (الديجيتال آرت)، وكانت تجربة جميلة أحببتها وبدأت عندما قمت بابتكار برنامج يشبه بتأثيره فن الحفر، لكن هنا الآلة الرقمية تقوم بإعطاء شيء من التأثير والتعبير اللوني على اللوحة، استطعت من خلاله التعبير عن مواضيع عاطفية ورمزية تشغل فكري، فقمت بالابتعاد قدر الإمكان عن الجمود والبرودة الموجودين في الفن الرقمي، وأخضعته لمدارس الفن التشكيلي ليعطي تلك الروح الجميلة الموجودة فيه، وعلى الرغم من محبتي للفن الرقمي، تبقى الألوان واللوحة البيضاء والفرشاة هي الأدوات التي لا تفارقني، كما أنني أحب الألوان كثيراً وخاصة الوهاجة وأبتعد عن الألوان الترابية، فالألوان هي الشيء الجميل في هذه الحياة؛ التي أحاول في لوحاتي أن تكون رسالة روحية تنبثق من داخلي متمنياً أن تكون نَفَسَاً نقياً لهذه البشرية التي تعاني ما تعانيه من الحروب، وأظنّ أن هذا دور الفن بوجه عام والفن التشكيلي بوجه خاص لكونه القادر على إعادة النظر في كل شيء والسمو به إلى الأفضل والأنقى، وتهذيب النفس البشرية وتحريرها من قيودها الثقيلة، وتأثرت كثيراً بالمذاهب والطرائق الصوفية وحاولت الاقتراب منها، حتى إنني قمت بزيارة بعض المقامات في "دمشق"، وخاصة الشيخ "محي الدين بن عربي" وتعرفت إلى الحالة الروحية التي يعيشها المتصوف، وقد ظهر ذلك برسوماتي، ومما أثر أيضاً تأثيراً كبيراً تعرضي لحادث أدى إلى الشلل، وأثر ذلك بالناحية النفسية، لكن هذا أغنى تجربتي كثيراً، ودفعني إلى تطوير مهاراتي الفنية التي تحولت إلى رسومات عفوية طفولية».

وأضاف: «أما بالنسبة للوحة وعلاقتها بالمجتمع، فأتمنى أن تصبح أكثر تأثيراً بالمجتمع للسمو به روحياً وسلوكياً، فكلما ازداد تطور مجتمع من المجتمعات وأصبح أرقى سلوكياً وفكرياً، ازداد اهتمامه باللوحة التي تعبر عنه روحياً وتنقل ثقافته وإبداعاته عبر الأجيال».

لوحة بتقنية "الفن الرقمي"

الناقد التشكيلي "أديب مخزوم" قال عنه: «منذ سنوات والتشكيلي "قتيبة معمو" ينجز لوحات ورسومات بالرصاص والفحم وباستخدام تقنيات رقمية وطباعية، وفي الحالة الأخيرة يمزج بين هذه الوسائل القديمة والجديدة للوصول إلى لوحة تشكيلية متفاعلة مع انقلابات وتحولات وتداخلات وتشابكات ثقافة فنون العصر، فهو يخوض غمار الرسم باعتماده تقنيات رقمية وطباعية، ويضيف أو يعدل عليها، وفي هذه اللوحات تظهر العناصر الإنسانية والأحصنة بوجه أساسي ويضيف إليها: "الكف الملطخ بالدماء، والكرسي والطاولة، والكلب والسمكة، والتفاحة، والمصباح الكهربائي، وربطة العنق والتفاحة، والحلزونة والزهرة"، وغيرها بطريقة محورة ومختزلة ومسطحة، وتظهر تشكيلاته في أحيان كثيرة وكأنها ظلال لهذه الأشكال والعناصر، وقد تظهر بإيقاعات بصرية كاريكاتورية وتهكمية أحياناً؛ كاصطياد سمكة من علبة سردين، وفي مجموعة أخرى من رسوماته، يجسد المرأة منفردة أو في حالة حب حميمي مع الرجل، وذلك بخطوط سريعة ومبسطة ورسومات سريعة يستخدم فيها الألوان المباشرة والرسم بالأقلام؛ مؤكداً قدرته على الاستفادة من معطيات الفنون التشكيلية الحديثة كأصل للمعاصرة، ويعمل على تحديثها بطرائق مختلفة، يلعب فيها الخيال دوره، والتعبير من خلال الاستفادة من التقنيات الرقمية والطباعية، هكذا ينقل اللحظات الانفعالية للعلاقات الشكلية واللونية، ولعل الانفعال البارز في حركات الخطوط والتشطيبات المتلاحقة، يشعرنا أيضاً بتلك الروح العفوية المتقدة باستمرار، حتى إننا نشعر بحياة اللوحة، تلك الحياة النابعة من كل مساحة أو حركة أو لمسة عفوية، وتشهد أعماله خبرة فنية وتقنية مركزة؛ من خلال إظهار رشاقة الأشكال وخفتها وانفلاتها من ضغط نقاط الجاذبية، حيث تبدو العناصر الإنسانية والأحصنة، وكأنها سابحة في الفضاء، وإضافة رسومات وإشارات وحركات لونية إلى جوانب من اللوحة الرقمية أو الحفرية يجعل هذه المجموعة من الأعمال تقترب من الرسم المباشر، وتبتعد عنه في آن واحد، وهو يميل في لوحاته نحو تبسيط أشكاله إلى الشكل المسطح، حيث تبدو في أحيان كثيرة قريبة من أجواء أشكال مسرح خيال الظل، مع أنه في لوحات أخرى يقترب من الواقعية، حيث جمع بين الخرافة والواقع للوصول إلى إيقاع الغرابة، فقد عمد إلى صياغة الأشكال المعبرة عن عمق المعاناة اليومية التي يعيشها الإنسان المعاصر، بسبب الحروب المتتابعة في المنطقة العربية، وفي "سورية" حصراً، وهو إلى جانب تفاعله مع الهمّ الحياتي والواقع المأساوي، لا يتوانى عن البحث الفني على الصعيدين التشكيلي والتقني، حيث وصل في بعض لوحات مراحله الأخيرة إلى حدود التجريد المفعم بالحركة، وتسيطر على بعض أعماله ملامح السخرية الكاريكاتورية للتعبير عن المهزلة، وأقصى درجات التعبير هي السخرية، وسخرية "قتيبة" من الواقع المشحون بالعنف والتناقض والمسكون بالفجائع المتلاحقة من دون توقف أو انقطاع، وعلى الرغم من بروز دلالات الأمل، تبقى لوحاته صدى لحالتين متناقضتين؛ هما الموت والولادة، فالموت رمز لإيقاع الخارج "العالم الراهن القلق والمتفجر"، والولادة هي الأمل المشع عبر البياض الآتي بعد كل سواد».

يذكر أن "قتيبة معمو" من مواليد "حمص" عام 1984، أقام عدة معارض بـ"دمشق"، وأعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة.

من أعماله الفنية