الفن بالنسبة له إسفنجة الروح؛ فمن خلال أعماله جسّد الأساطير، وحفظ الشخصيات السورية التي كان لها تأثير عبر التاريخ السوري، فأبدعت أنامله منحوتات متميزة حصدت جوائز عدة.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 تشرين الأول 2018، تواصلت مع النحّات "إياد البلال"، الذي تحدث عن مسيرته الفنية، فقال: «كان للواقع والمكان ومجموع الرؤى والأفكار والمخزون البصري والنفسي والثقافي، الدور الأساسي بتكوين الهوية الفنية لديّ، فكانت أسرتي حاضنة لموهبتي، وخصوصاً أنني نشأت وترعرعت في بيئة حاضنة للعلم والثقافة، ولا سيما الفن، كما أن للبيئة الصحراوية التي تربيت فيها، الأثر الكبير؛ فأبي ومجموع تجاربه الفنية، ولاحقاً إخوتي ومجموع هموم الناس، كل ذلك كان مؤثراً ودافعاً ومحرضاً لصقل موهبتي. اقتصرت أعمالي الأولى منذ الطفولة على اكتشاف الخامات للمواضيع، ودهشة الكتلة، والألوان والتشابه أو التقليد، وحبي لهذا الفن كان السبب بدخولي كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق"، وفي قسم النحت أثمرت الدراسة الأكاديمية عن مشروع تخرّج تناولت فيه ملحمة "جلجامش" كخلاصة لدراسة الأسطورة والتاريخ السوري القديم. أما في الدبلوم، فكان المشروع بعنوان: "طقوس شرقية"، فاتجهت إلى الواقعية التعبيرية نحو الإنسان الخارج من آلامه وعذابه، والمعبر عن الطبيعة والهمّ والحلم، باعتبار الإنسان هو الحامل التعبيري بالفن والحياة، فكان التركيز مُنْصَبّاً على الإنسان بتبديلاته المختلفة، وتنوعت المواضيع من الحب إلى الموت إلى الولادة إلى هموم الإنسان المعاصر، ويبدو الإنسان في أعمالي منصهراً مع خلفيات معمارية، وخارجاً من قيوده والصدأ وأثر الريح والماء، وتظهر الجموع البشرية بمواجهة شيء ما، أو بجنازاتها أو أعراسها، وتختلف المواد من حجر ورخام وبرونز وخشب، ولكل مادة طاقة وإشعاع؛ أستمتع عند العمل بكل مادة لاكتشاف طاقاتها وإطلاقها».

النحت ذاكرة الأمم والحضارات، و"أرشيفها" متسع من البوح الجارح حدّ البكاء المرّ، فهو بوصلة التشكيل إذا ما ضاع في زواريب ومتاهات، ويعدّ لغة الإنسان الماضي حين يلف الكرة الأرضية اليباس، فهو عالمي ومعادلي الموضوعي، إضافة إلى أن الفن يحتاج إلى استقرار البنى الفكرية والاجتماعية، فالفن التشكيلي السوري تأثر كغيره بنتائج الحرب، ومع ذلك فإن الفنانين يعلنون مرحلة قيامة، وينتجون في أصعب الظروف بهدف الحياة والحب والجمال، فبلد تعاقبت عليه الحضارات القديمة بإنجازاتها وحروبها، لا بد أن يورث أبناءه بذور القيامة من الرماد

وعن رؤيته للنحت، يضيف: «للنحت مفهومان: إما الإيحاء، حيث توحي لك المادة أياً كانت بموضوع ما تتبعه، ويقودك الإيحاء باتجاه هدفك، أو أن تنجز دراستك مسبقاً وتختار لها خامة مناسبة وتحققها؛ بين هذين الخيارين ألجأ إلى خيار أن أحقق شرطي الفني من دون إغفال شرط المادة وطاقتها وإمكانياتها، وأغلب الأحيان ألجأ إلى دراسات و(اسكتشات) لأمور العمل على الورق، وهناك متعة في تطويره بالخط، فهذا برأيي مخاض مهم، إضافة إلى أن الفن في "سورية" عموماً متقدم عن المحيط، وهناك تجارب تستحق كل احترام. لكن نتيجة غياب هوية الفن المحلي أو لنقل عدم اهتمام المؤسسات الثقافية والتعليمية، نرى ضياعاً في المنتج الوطني وأفق وسبل ومفاهيم؛ هذا على هامش تجارب بحثية راقية فردية، فأنا مؤمن بالبحث؛ فالفن بلا بحث يفتقر إلى البصمة والهوية، وبذلك سيندثر بلا علامات فارقة، كما أنني من خلال أعمالي أبحث في البداية عن أجوبة للكون والعالم والإنسان، وتشكيلياً أبحث عن مكامن الجمال، واللحظة المتحركة لالتقاط المعاني عن أسرار التوازنات والظل والضوء عن تكوينات تدهش وتتوالد، وأخيراً توثيق الزمن، فمن خلال أعمالي قمت بحفظ الشخصيات السورية التي كان لها تأثير عبر التاريخ السوري، فأنجزت منحوتة للروائي "حيدر حيدر"، وعازف البزق "محمد عبد الكريم"، والشاعر "سليمان العيسى"، والملكة "زنوبيا"، ونصباً تذكارياً للشيخ "صالح العلي"، وغيرهم».

النصب التذكاري للشيخ "صالح العلي"

وأضاف: «النحت ذاكرة الأمم والحضارات، و"أرشيفها" متسع من البوح الجارح حدّ البكاء المرّ، فهو بوصلة التشكيل إذا ما ضاع في زواريب ومتاهات، ويعدّ لغة الإنسان الماضي حين يلف الكرة الأرضية اليباس، فهو عالمي ومعادلي الموضوعي، إضافة إلى أن الفن يحتاج إلى استقرار البنى الفكرية والاجتماعية، فالفن التشكيلي السوري تأثر كغيره بنتائج الحرب، ومع ذلك فإن الفنانين يعلنون مرحلة قيامة، وينتجون في أصعب الظروف بهدف الحياة والحب والجمال، فبلد تعاقبت عليه الحضارات القديمة بإنجازاتها وحروبها، لا بد أن يورث أبناءه بذور القيامة من الرماد».

التشكيلي "أكسم طلاع" قال عنه: «يعدّ النحات "إياد البلال" من أهم النحاتين السوريين، لما يمتلك من مشروع إبداعي، يعمل بجدية على تأكيد حضوره في المشهد التشكيلي السوري مدفوعاً بجدية الشباب، وخبرة المعلم المحترف المتمكن من معرفته لخواص وكفاءة المادة أو الخامة الأولية قبل جعلها فناً باحترام، هذه الخاصية النبيلة للمادة واستنطاقها بفعل النحت الواعي الذي يدخلها حيزها الآخر ألا وهو الخلود، هنا مكمن سرّ هذا الفن العظيم؛ إنه فن النحت، حيث الزمن مجسّد وخالد في المادة التي طوّعها الفنان، فهو يذهب بروحه وأسئلته وبحثه الجاد إلى كنف الجمال الذي يمكن تحقيقه في المادة البكر الصماء، لتغدو بأقل تكلفة من الحوار المادي بأدوات العمل لتكون أمراً خلاقاً يسمى "النحت"، إضافة إلى أنه يوجه وعيه الحار وعاطفته إلى الأماكن البكر للوعي؛ حيث لغته ذاتها تنطقها الأشكال والصور المرمزة بمعانٍ تقترب من لغة الأبد في صفحات، كـ(القدر، والعشق، والأمومة، والحرية، والوجود، والحياة)، والفضاء المفتوح لخيال الإنسان على صهوات هذا الإبداع، حيث يخاطب الحياة العامة والعمارة والمدينة بلغته الحادة التي صاغتها الأزاميل والشمس والشغف. ويعدّ "إياد" أحد الذين يمتلكون لغتهم المؤلفة من عشق وتعب خالصين، وإصرار كبير على أن الحقيقة لا حدود لها في الفن إلا بالكمّ الذي يحب الفنان عمله».

منحوتة من أعماله

يذكر أن "إياد البلال" من مواليد "الشعيرات" بمحافظة "حمص" عام 1972، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في "سورية"، درس في معهد الفنون التطبيقية، قسم النحت بـ"دمشق"، ودرس هندسة عمارة في جامعة "البعث"، ويدرّس بمركز الفنون التشكيلية في المجمع الثقافي بـ"حمص"، شارك بالعديد من ملتقيات النحت المحلية والدولية، وحاز عدة جوائز، منها: الجائزة الأولى للنحت بمعرض "الشباب الثاني" دمشق" عام 2001، الجائزة الأول في مسابقة "النصب التذكاري" للمجاهد الشيخ "صالح العلي"، "طرطوس، عام 2002، الجائزة الأولى في مسابقة "المرأة في عيون أبناء الوطن" مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في "سورية"، الجائزة الأولى في مسابقة النصب التذكاري للشهيد "أحمد مريود" مدخل "القنيطرة" عام 2006، وبنى العديد من النصب التذكارية، وأقام العديد من المعارض الفنية الفردية والمشتركة.

بورتريه من أعماله