الفكرُ الموسيقي الصحيح الذي نشأَ عليه، إضافةً للمساحة الواسعة في خامة صوته، والتمثّل بقاماتِ الفنِّ الطربي الأصيل، كلُّ ذلك جعله صاحبَ شخصيةٍ فنِّيةٍ خاصةٍ به، هدفُها الحفاظ على تراثِ الموسيقا العربية وأصالتها.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 20 آب 2019 "مصطفى دغمان" ليتحدث بدايةً عن نشأته ودور الموسيقا فيها فقال: «الإنسانُ وليد البيئة التي ينشأ فيها، ويكتسب من صفاتها الشيء الكثير الذي يصبغ شخصيته ويحدد اتجاهاته لاحقاً، وهذا حصل معي تحديداً في مرحلة طفولتي وصباي، فالموسيقا وآلة العود كانتا موجودتين في بيت العائلة، والأصوات الجميلة لإخوتي ومعهم والدي الراحل الذي كان من مجوِّدي القرآن الكريم المميزين في مدينة "حمص"، ومنه تعلمت ذلك، ما ساهم في تهذيب حسن السمع واللفظ الصحيح لمخارج الحروف، إضافةً لتصويب استخدام موهبة الصوت والغناء في الاتجاه الطربي لاحقاً، موهبتي ومحبتي للموسيقا بدأت تُصقل في بداية دراستي للمرحلة الابتدائية على يديِّ الراحل "أسعد ليلى"، وهو من الموسيقيين أصحاب الريشة المميزة على آلة العود، ومشاركاتي في الاحتفالات الطليعية والشبيبية ساعدت في كسر حاجز الرهبة من الغناء أمام الجمهور، وأكسبتني بعض الخبرة لأستفيد منها فيما بعد».

معرفتي به كانت ضمن عملنا معاً في الفرقة "السمفونية السورية" بقيادة المايسترو "رامي درويش"، وأكثر ما لفتني في صوته هو جماله وكمية المساحة الموجودة فيه، عدا عن الحرفية العالية التي يمتلكها في أدائه الغنائي لكبار المطربين العرب، وقد أوصل هذا النوع من الغناء الطربي بشكلٍ محبب للجمهور من خلال تأديته الخاصة له، لم يصل إلى ما هو عليه إلاَّ بعد جهدٍ ودراسةٍ ومثابرة، متخذاً أسلوباً خاصاً بعيداً عما يسمى الفن المبتذل، واضعاً اسمه مع الكبار من أصحاب الفنِّ الطربي العربي

ويتابع بقوله: «بعد حصولي على الشهادة الثانوية، كانت الموسيقا قد أخذت كلَّ اهتماماتي، وكانت لديَّ الرغبة بدراستها بشكلٍ أعمق أكاديمياً، لكن عدم وجود كلية خاصة بها حال دون ذلك، تعلُّمي الذاتي لم يتوقف، وكان لي شرف دراسة أصول الغناء الشرقي مدة عامين من قامةٍ موسيقيةٍ كبيرة مثل الموسيقار الراحل "نوري اسكندر" الذي اكتسبت من علمه وخبرته الواسعة القدر الكبير، مساهماً في اتخاذي نهج الغناء العربي الطربي خصوصاً، كما أنَّ انضمامي لفرقة "نقابة المعلمين" بقيادة الموسيقي الراحل "محي الدين الهاشمي" والطابع الموسيقي والغنائي الأصيل الذي كانت تحافظ على تقديمه، وبعدها انتسابي إلى فرقة "الإنشاد العربي" مع الفنان الراحل "مرشد عنيني" كلُّ ذلك كان له الدور الكبير في تكوين هويتي الموسيقية والغنائية رويداً رويداً، بالإضافة لما ذكرته سابقاً عن امتلاكي المعرفة الصحيحة من حُسنِ اللفظ الصوتي للأحرف ودراسة أصول العزف على آلة العود، التي أصبحت رفيقةً لي في حلِّي وترحالي، ومن أساسيات ظهوري الفنِّي أمام جمهوري من متذوقي أصالة الموسيقا والغناء، هذا الجمهور الذي لمس واقتنع بأنَّ رسالتي من الفن عموماً ومن الغناء العربي الأصيل هي رسالة ثقافة بعيداً عن الوجهة التجارية الرائجة خلال السنوات الماضية، وهذا ما أعمل للحفاظ عليه من خلال تأديتي لأعمال عمالقة الغناء العربي أمثال موسيقار الأجيال "محمد عبد الوهاب" صاحب المدرسة الموسيقية الفريدة، الذي قدَّم من خلال إنتاجاته الفنِّية دروساً ذات غنى لكلِّ مطربٍ باحثٍ عن امتلاك الأدوات الصحيحة في مسيرته، ولن أنسى أيضاً العملاق الراحل "وديع الصافي" صاحب الأثر الكبير في ما أقدِّم لجمهوري من المتابعين».

آلة العود رفيقته الدائمة

عن أهم المشاركات الفنِّية في مسيرة "مصطفى دغمان" يقول: «بداياتي كانت مع الغناء الجماعي في الفرق الموسيقية التي ذكرتها من قبل، لكن مشاركتي في "مهرجان الموسيقا العربية" عام 1999 مع فرقة "نقابة المعلمين" التي جرت في مدينة "القاهرة" حينها هي الأغلى على قلبي، والأشدُّ ذكرى في وجداني، فالغناء على مسرح دار "الأوبرا المصرية" الذي وقف عليه كبار المطربين العرب، وأمام جمهورٍ من الموسيقيين والفنانين أصحاب الخبرة والمقام الفنِّي العالي، مع الحضور الحاشد من متذوقي الأصالة الموسيقية والغنائية ليس بالأمر السهل أبداً، حينها سنحت لي فرصة الغناء بشكلٍ فردي (صولو) مع الفرقة، واستمر ظهوري لاحقاً مع فرقة "الإنشاد العربي" في حفلاتٍ أقيمت في "حمص"، و"دمشق" وغيرها من المدن، كما أعتزُّ كثيراً بمشاركتي في دورتين متتاليتين خلال "مهرجان الموسيقا العربية" الذي أقيم في مدينة "دمشق" عام 2013 و2014 رغم ظروف الأزمة التي كانت تعصف بوطننا، باعثاً برسالة استمرارية الحياة فيه، كما كان لي حضور محبَّب على قلبي في احتفالية "نصر حلب" عام 2017 بدعوةٍ من نقابة الفنانين في المدينة بمناسبة تحررها من الإرهاب، أيضاً أذكر استضافتي في الحفل الختامي لبرنامج "أصوات" الذي أقامته الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون كضيف شرفٍ فيه، والأكيد والأجمل هي مشاركتي الدائمة في المهرجانات الموسيقية والمسرحية التي أقيمت وما زالت في مدينتي "حمص"، حيث الجمهور صاحب الذائقة الموسيقية الطربية كعموم السوريين، لكن الغناء أمامه له معنى وخصوصيةً أكثر، آخرها كان مهرجان "حمص" السياحي الثقافي الأول».

"أمين رومية" رئيس فرع نقابة الفنانين في "حمص" أبدى برأيه قائلاً: «ما يميز "مصطفى دغمان" كمطربٍ هو صفاء صوته والقوة التي يمتلكها، عدا عن اكتمال النبرات فيه بالمفهوم الموسيقي، فهو يندرج في الطبقة الصوتية "التينور" حيث تقدر مساحته بحدود ست عشرة درجة، هذا يمكنه من تقديم أداءٍ متوازنٍ ومتميزٍ بين درجات القرار والجواب في أدائه الغنائي، كما جعله قادراً ومتمكناً من ألوان الغناء العربي الأصيل وهو أصعب أنواع الأداء الغنائي وقد نجح فيه وأبدع، ساعده في ذلك الصقل الكامل لموهبته من خلال التعلُّم لأصول العزف والغناء بشكلٍ احترافي، احترامه للفنِّ الذي يقدِّمه وللجمهور المتابع لأعماله انعكس برأيي احتراماً وتقديراً له، وكعضوٍ في نقابتنا فإنَّه صاحب حضورٍ أساسيٍّ ودائمٍ في افتتاح أو اختتام أغلب الفعاليات الموسيقية والمسرحية التي تقام في المدينة، ونحن نعتزُّ بالرسالة التي يقدمها في فنِّه من أجل الحفاظ على تراثنا الموسيقي والغنائي الأصيل».

الفنان أمين رومية

المطرب "راشد جميل" عنه قال: «معرفتي به كانت ضمن عملنا معاً في الفرقة "السمفونية السورية" بقيادة المايسترو "رامي درويش"، وأكثر ما لفتني في صوته هو جماله وكمية المساحة الموجودة فيه، عدا عن الحرفية العالية التي يمتلكها في أدائه الغنائي لكبار المطربين العرب، وقد أوصل هذا النوع من الغناء الطربي بشكلٍ محبب للجمهور من خلال تأديته الخاصة له، لم يصل إلى ما هو عليه إلاَّ بعد جهدٍ ودراسةٍ ومثابرة، متخذاً أسلوباً خاصاً بعيداً عما يسمى الفن المبتذل، واضعاً اسمه مع الكبار من أصحاب الفنِّ الطربي العربي».

أخيراً نذكر أنَّ "مصطفى دغمان" من مواليد مدينة "حمص" عام 1975 وهو متزوج ولديه ابن وابنة، وحالياً يرأس لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة "صوتك" الهادفة لانتقاء أفضل الأصوات في المدينة.

المطرب راشد جميل