لم يسمح للشللِ الرباعيّ أن يصرعَه، فانتصر عليه بقوة إيمانه واجتهاده، وشكّل خلال فترةٍ وجيزةٍ مصدرَ أملٍ لرفاقه، وحصل على الماجستير في هندسة "النظم والشبكات الحاسوبية" من جامعة "البعث"، حاصداً الميدالية الذهبية في معرض "الباسل للإبداع والاختراع".

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 تشرين الأول 2019، المهندس "أسامة إبراهيم" ليحدثنا عن مسيرته، قائلاً: «كنت مولعاً بكلّ الأدوات الإلكترونية والمعلوماتية، فسعيت للحصول على كمبيوتر في الصف التاسع، حيث عملت طوال فصل الصيف لأجمع ثمنه، خلال المرحلة الثانوية لم يتجاوز شغفي بالمعلوماتية حدود محاولات صغيرة متواضعة، حتى حصلت على الشهادة؛ لكن مجموع علاماتي لم يؤهلني لدخول كلية الهندسة المعلوماتية، فكان خياري الوحيد أن ألتحق بأكاديمية "الأسد" للعلوم العسكرية، فكنت دائماً أبتعد عن أي مواد نظرية، ولا أتردد في التطبيق العملي، ولكنني أثناء تأدية واجبي في خدمة الوطن أصبت في منطقة "الراموسة" بمدينة "حلب"، ونتيجة الإصابة أصبحت أعاني شللاً رباعياً، وبقيت عامين تحت العلاج، حتى تمكنت أخيراً من تحريك يدي، فقررت ألا أستسلم، وأكمل دراستي، لأحصل على الماجستير من كلية المعلوماتية في جامعة "البعث"، فوقع خياري في رسالتي على مادة تطبيقية أكثر منها بحثية، وهي الصحة الإلكترونية، أيّ خدمات الصحة عن بعد، ومن أكثر الصعوبات التي واجهتني عدم وجود خدمات لذوي الاحتياجات الخاصة بعيداً عن الأدراج، على الرغم من كثرتهم خلال هذه الحرب، فبعد عملٍ مضنٍ استطعت أن أشارك بمؤتمر الباحثين السوريين المغتربين من خلال معرض "الباسل للإبداع والاختراع"».

كان عنوان مشروعي تصميم نظام المتابعة المستمر لمرضى الحالات المزمنة عن بعد، عبر تطبيق (أندرويد) على الهواتف الذكية؛ وتحقيقه وتقييمه. يهدف الاختراع لتحقيق تفاعلية عالية بين الطبيب والمريض، أي قدرة الطبيب على متابعة حالة المرضى على مدار الساعة، وتلقي التنبيهات التي تخص حالتهم مباشرةً وبمنأى عن مكان: المشفى، المنزل، عيادته الخاصة، بمجرد اتصال الطبيب المعالج بالإنترنت، حيث يعتمد النظام على (أندرويد) وهو نظام تشغيل مجاني ومفتوح المصدر مبني على نواة لينوكس، صُمّم أساساً للأجهزة ذات شاشات اللمس كالهواتف الذكية والحواسيب اللوحية، ويهدف لتحقيق تفاعلية عالية بين الطبيب والمريض

وعن الأشخاص الذين دعموا مسيرته، قال: «من أهم الأشخاص الذين ساعدوني أختي الصغرى "آلاء" التي أعزي 80 % من نجاحي لها، ولوقوفها بجانبي سواء في العلاج الفيزيائي وصولاً لما يتعلق بالإجراءات الروتينية، وفي تيسير أموري، وكذلك الدكتورة "زينب خلوف" التي أشرفت على رسالة الماجستير، حيث ساعدتني بعمليات البحث في بداية انطلاقي، وكانت مخلصة بنصحي بالعمل البحثي.

اسامة إبراهيم وبرفقته أخته آلاء

أما الدكتور "سهيل الحمود" فكان يساعدني بحلّ المشاكل البرمجية، ويوفر عليَّ عناء القدوم للجامعة، فيوافيني بمنزلي، وقد التقيت السيدة "أسماء الأسد" التي قدمت لي الدعم، وساعدتني "الأمانة السورية للتنمية" من خلال برنامج "جريح وطن"، حيث قدمت لي حاسوباً محمولاً حديثاً بإمكانات ممتازة».

وعن مشروعه البحثي الذي حصل من خلاله على الميدالية الذهبية في معرض "الباسل للإبداع والاختراع"، قال: «كان عنوان مشروعي تصميم نظام المتابعة المستمر لمرضى الحالات المزمنة عن بعد، عبر تطبيق (أندرويد) على الهواتف الذكية؛ وتحقيقه وتقييمه. يهدف الاختراع لتحقيق تفاعلية عالية بين الطبيب والمريض، أي قدرة الطبيب على متابعة حالة المرضى على مدار الساعة، وتلقي التنبيهات التي تخص حالتهم مباشرةً وبمنأى عن مكان: المشفى، المنزل، عيادته الخاصة، بمجرد اتصال الطبيب المعالج بالإنترنت، حيث يعتمد النظام على (أندرويد) وهو نظام تشغيل مجاني ومفتوح المصدر مبني على نواة لينوكس، صُمّم أساساً للأجهزة ذات شاشات اللمس كالهواتف الذكية والحواسيب اللوحية، ويهدف لتحقيق تفاعلية عالية بين الطبيب والمريض».

شهادة الباسل للإبداع والميدالية الذهبية

وعن فكرته المبتكرة في المشروع، قال: «كان هدفي منه أن يولّد قطاع الرعاية الصحية كميّة ضخمة من البيانات الطبيّة المتعلقّة بالمرضى، ولذلك ركزّت التوجهات الحديثة على جمع هذه البيانات، لتتم الاستفادة منها في دعم اتخاذ القرارات السريرية، والتحليلات التنبؤية لسلامة المريض؛ بهدف تحسين أنماط تقديم الرعاية الصحية في عالم بات يحث الخطى باتجاه (مدن ذكيّة)، تُقيّم بمدى جودة الخدمات والرعايّة المقدمّة لمواطنيها.

ويقدّم هذا البحث تصميماً وتحقيقاً لبنيّة نظام متابعة مستمر، يستند إلى الإنترنت في تجميع ومعالجة البيانات الضخمة الناتجة عن مراقبة المؤشرات الحيوية المهمة لمرضى الحالات المزمنة في الزمن الحقيقي. كما يعرضُ تقييماً لبروتوكولي التراسل (MQTT وAMQP) المسؤولين عن إيصال البيانات من أجهزة المراقبة إلى البنية، والهدف من التقييم هو إيجاد الأجهزة التي تدعم التكلفة المادية الأقل تبعاً لبروتوكول التراسل.

الدكتور سهيل الحمود المشرف المساعد على الأطروحة

وهكذا نقلل نسب الوفاة المفاجئة بالنسبة لمرضى الحالات المزمنة، والوقوف الآني على الحالة الصحية للمرضى من قبل أطبائهم، وبالتالي يستطيع المريض أن يعيش حياة اجتماعية طبيعية وهو يتلقى متابعة طبية كأنه في المشفى».

وتناولت تجربته أخته وشريكته بالكفاح والنجاح الطالبة في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية "آلاء إبراهيم" قائلة: «القصة بالنسبة لـ"أسامة" كانت خيار السير بطريق صعب، كونه اضطر لمتابعة دراسة الماجستير باختصاص مختلف عن اختصاصه، بسبب إصابته، ليدخل جواً جديداً وبيئة مختلفة، وعلى الرغم من ضغط المجتمع والضغوط المادية، إلا أنّه أبدع في اختصاصه، ولم تثنيه الصعوبات عن هدفه، فكان دؤوباً على العمل، وأثناء قيامه بإجراء إنهاء الماجستير بدأ التحضير للدكتوراه، لقناعته أنّ الإصابة ليست سوى تحديات حركية وليس أكثر.

هو صاحب مبدأ وشعار (استخدم ألمك لتحقيق نجاحك الخاص)، حيث أحبَّ أن يوصل رسالة مزدوجة للجرحى والمجتمع بأن الإصابة مجرد تحدٍّ، وبأنّ الجريح يستطيع أن يكون مثل أيّ شخص عادي، ومن النخبة المميزة، والدليل مشاركته بمؤتمر "الباحثين السوريين المغتربين"، وقد تم ّاختيار إنجازه من بين 50 عملاً مختاراً».

وتناول الدكتور المساعد بالإشراف على رسالته بالماجستير "سهيل المحمود" مسيرته، قائلاً: «بدأت معرفتي بـ"أسامة" من خلال وجوده بين طلاب الماجستير، حيث كنت أحد مدرسيهم، وقد كان دؤوباً في عمله ودراسته، وقد واجه صعوبات كبيرة في السنة الأولى، كونه يدرس اختصاصاً بعيداً عن اختصاصه الذي درسه في الأكاديمية العسكرية، ولكنه كان يتقدم بسرعة من أسبوع لآخر، ومع نهاية العام كان وزميل له فقط من نجحوا بكلّ المواد من أصل 14 طالباً، ليثبت تميزه وقوة إرادته، وامتلاكه روح التحدي التي لا تقهر، وقد طلب مني المشاركة بالإشراف على أطروحة بحثه من الناحية التقنية، وقامت الدكتورة "زينب خلوف" بالإشراف على بحثه من حيث الأفكار ومنهجية البحث وتوجهاته، وكان عنوان بحثه "نظم الرعاية الطبية العامة" وهو موضوع مهم جداً، استخدم فيه تكنولوجيا حديثة، واعتمد على تطبيقات وبرمجيات حديثة جداً، وقد كنت شاهداً على معاناته بهذا الاتجاه، بسبب عدم وجود خبرات محلية. هو شخص دؤوب، قد يمضي عشر ساعات لينجز مهمة صغيرة، ليتقدم بإصرار وتحدٍّ».

يذكر أنّ "أسامة إبراهيم" من مواليد "حمص" عام 1987.