كفُّ البصر لم يكن عائقاً أمامهما في إثبات مقدرتهما بالتميّز علماً ورياضةً، ليكتبوا أسماءهم في عداد أبطال الرياضات الخاصة بلعبة الشطرنج على مستوى الجمهورية لسنواتٍ عدَّة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" في إطار إضاءتها على كلِّ تميزٍ سوري التقت مع "يحيى العسس" وشقيقته "صفاء العسس" للتعرف عليهما أكثر، والبداية كانت مع الشقيق الأكبر وعن نشأتهما قال: «ولادتنا كانت ضمن أسرةٍ بسيطة الحال، شاء القدر أن يخفي معالم الحياة من حولنا بسبب فقداننا نعمة البصر، لكن محبة الوالدين وإصرارهما على إثبات وجودنا في المجتمع كأشخاصٍ عاديين كانت سبباً رئيساً لتعويض هذا الفقد بالتفوق الدراسي وهذا ما حصل، حيث انتسبنا تباعاً إلى المؤسسة النموذجية لتأهيل وتعليم المكفوفين الكائنة في "دمشق" منذ المرحلة الإبتدائية وحتى الحصول على الشهادة الثانوية بالنسبة لي في عام 1996، لم تقف رحلة التحصيل العلمي هنا بل تابعت دراستي الجامعية في جامعة "دمشق" وحصلت على إجازة البكالوريوس في علم الاجتماع منها وكان ذلك في عام 2000».

كما أسلف أخي "يحيى" فإنَّ العلم كان له الأهمية الكبرى عند العائلة وخصوصاً والدي الراحل، تشجيعه لنا كان منقطع النظير على تحصيل أعلى ما يمكن من درجاته، وكذلك الدفع للقراءة والمطالعة بشكلٍ عام، كانت فرحته واعتزازه بنا وسط الناس غايته المنشودة، نلت الشهادة الثانوية في عام 2003 بعد دراستي في المؤسسة الخاصة بالمكفوفين، وأكملت دراستي الجامعية في كلية الآداب باختصاص اللغة العربية، واتبعت عدَّة دوراتٍ في مجالاتٍ مختلفة تتعلق بالمكفوفين ومنها دورة برنامج "JAWS" القارئ للشاشة باللغة الإنكليزية التي أقيمت للمرة الأولى في "سورية" ونلت شهادة بها

مسيرة الرياضة في حياة "يحيى العسس" عنها يقول: «خلال المرحلة الثانوية شاركت مع رفاقي بتأسيس جمعية "رعاية المكفوفين" في مدينة "حمص" وتحديداً في عام 1992، الرياضة كانت بالنسبة لنا مجرد هواية، لكننا أصرينا على إبراز مقدراتنا الرياضية كأشخاص مكفوفين، وأنّنا قادرون على تحقيق الإنجازات رغم إعاقتنا البصرية، البداية كانت مع لعبة "كرة الهدف" وهي خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، تجمًّعنا كفريقٍ رسميٍ ممثلٍ لمنتخب المحافظة قبل عامٍ من التأسيس، ومع تأسيس نادي "السلام" الرياضي للمعوقين في عام 2003 انتقلنا للعب ضمن صفوفه، طوال تلك السنوات كان المركز الأول تتويجاً لنا عامي 2006 و2011، ونلنا دوماً المركز الثاني في الأعوام الأخرى، أيضاً كانت لي مشاركة مع منتخب "سورية" في بطولة "آسيا" التي أقيمت في دولة "قطر" عام 2006، نلنا خلالها المركز الخامس من أصل اثني عشر فريقاً، بعدها انتقلت لتدريب الفئات الشابة في النادي وما زلت حتى الآن».

يحيى العسس

لعبة "الشطرنج" في مسيرته الرياضية عنها أضاف قائلاً: «كانت ممارستي لها تسير توازياً مع لعبة "كرة الهدف"، قد يستغرب السامعون والمشاهدون لنا إتقاننا هذه اللعبة، التي تحتاج لصبرٍ وذكاءٍ قويين، وهذا ما أثبتناه كمكفوفين، بأنها ليست حكراً على الأشخاص المبصرين فقط، تعلمت اللعبة بشكلٍ شخصيٍ ومن خلال معونة رفاقي، أشرف علينا بدايةً المدرَّب "زين العابدين دالاتي" الذي كان مرافقاً لنا أثناء تمثيلنا منتخب "حمص" في بطولات الجمهورية، المركز الثاني على صعيد المسابقة الفردي للذكور في فئة الكفف الكلِّي مسجَّلٌ بإسمي خلالها، أمَّا في التصنيف الجماعي فكان لنادي "السلام" المرتبة الأولى بشكلٍ متوالٍ حتى توقفت البطولة عام 2011 من قبل المعنيين عنها في "الاتحاد الرياضي العام"».

الشقيقة الصغرى "صفاء" عن نشأتها ودراستها قالت: «كما أسلف أخي "يحيى" فإنَّ العلم كان له الأهمية الكبرى عند العائلة وخصوصاً والدي الراحل، تشجيعه لنا كان منقطع النظير على تحصيل أعلى ما يمكن من درجاته، وكذلك الدفع للقراءة والمطالعة بشكلٍ عام، كانت فرحته واعتزازه بنا وسط الناس غايته المنشودة، نلت الشهادة الثانوية في عام 2003 بعد دراستي في المؤسسة الخاصة بالمكفوفين، وأكملت دراستي الجامعية في كلية الآداب باختصاص اللغة العربية، واتبعت عدَّة دوراتٍ في مجالاتٍ مختلفة تتعلق بالمكفوفين ومنها دورة برنامج "JAWS" القارئ للشاشة باللغة الإنكليزية التي أقيمت للمرة الأولى في "سورية" ونلت شهادة بها».

جانب من شهادات يحيى العسس

عن الرياضة في حياتها تابعت تقول: «أحببت لعبة "الشطرنج" التي علَّمني إياها شقيقي "يحيى" مذ كنت في سن الثالثة، مارستها كهاويةٍ ضمن نشاطات جمعيتنا مع رفاقي هناك، ومع انتسابي لعضوية نادي "السلام" شاركت في بطولات الجمهورية كلاعبةٍ فرديةٍ في فئة الإناث، أول بطولةٍ شاركت بها كانت في عام 2000 وأقيمت حينها في محافظة "السويداء" نلت الميدالية البرونزية فيها، أمَّا المركز الأول فقد حققته مرتين فردياً في تصنيف الكفف الكلِّي عامي 2003 و2009، ومع إيقاف النشاطات الخاصة باللعبة لأسبابٍ غير معروفة، اتجهت إلى ممارسة رياضة ألعاب القوى في النادي والتدرُّب عليها للتهيؤ من أجل المشاركة في بطولاتها لاحقاً مع استمراري في لعبة "الشطرنج" طبعاً».

"غسان أبو صلاح" رئيس نادي "السلام" الرياضي للمعوقين عنهما يقول: «بالنسبة للأشقاء "العسس" هما رمزٌ للإرادة والهمًّة العالية وما يمكن تحقيقه في حياة الإنسان، ويستحقان التقدير والاحترام على ما أنجزاه من تميُّزٍ علميٍ ورياضيٍ معاً، عرفت "يحيى" مذ كان لاعباً يافعاً من خلال مشاركته كلاعبٍ متميزٍ في صفوف فريق نادينا بلعبة "كرة الهدف"، واليوم نراه مدرِّباً ناجحاً لمنتخب "حمص"، وله دورٌ كبيرٌ في تجهيز اللاعبين الجدد، كما أثبت جدارته كبطلٍ بارعٍ في لعبة "الشطرنج" مع شقيقته "صفاء"، ولن ننسى أشقاءهم الآخرين "ليما"، "لينا"، و"حسان" الذي يمارس كرة الهدف كمدرِبٍ وحكمٍ معتمدٍ من قبل الاتحاد الرياضي العام، هم باختصار عائلةٌ مميزةٌ ترفع لهم القبعة».

بعض من شهادات اللاعبة صفاء العسس

"زين العابدين دالاتي" رئيس اللجنة الفنِّية للرياضات الخاصة في "حمص" والمدرِّب فيها عنهما قال: «تألُّق "يحيى العسس" كلاعبٍ منذ بداياته مع منتخب المحافظة في لعبة "كرة الهدف" ورغم صغر سنِّه حينها إلاَّ أنّه استطاع حجز مكانٍ له كلاعبٍ أساسيٍ في مركز الوسط، وبما أنَّ هذه اللعبة تعتمد على حاسة السمع فقد استطاع من خلال التزامه اللعب الجماعي ومحبته لزملائه أن يكون أفضل صانع ألعابٍ محقِّقاً بطولة الجمهورية لعشرة سنواتٍ متتالية، وما اكتسبه من خبرةٍ أهلَّه ليكون مدرب المنتخب حالياً، كذلك لن أنسى شقيقته "صفاء" التي أعدّها من أفضل اللاعبات على مستوى الجمهورية في لعبة الشطرنج مسجِّلةً اسمها كبطلةٍ لأعوامٍ مضت على مستوى الرياضات الخاصة الأنثوية».

نهايةً نذكر بأنَّ "يحيى العسس" هو من مواليد "حمص" عام 1977 متزوجٌ ولديه ثلاثة أبناء، حائزٌ على عدَّة شهادات محلية ودولية في مجال تدريب وتأهيل المكفوفين منها شهادة مدرِّب مجاز من مؤسسة "رضا سعيد" في "بريطانيا"، كما أنَّه مدرِّب معتمد لدى وزارة التربية لتعليم طرق خدمة الكفيف والتعامل معه، ويعمل حالياً موظَّفاً في مديرية صناعة "حمص".

أمَّا "صفاء العسس" فهي من مواليد عام 1985، طالبة في السنة الثانية بكلية الآداب، وموظَّفة إدارية في كلِّية "الهمك" بجامعة "البعث".