عشق الأدب بفطرته، وأغنى فكره بالقراءة والاطلاع، فلامس شعره الوجدان، كُرّمَ ونال العديد من الجوائز في مجال الأدب، ليغدو عضواً في معجم الشعراء العرب المعاصرين، ويسطّر اسمه كواحد من المجددين المبحرين في هذا اللون الأدبي الواسع.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الأديب "هيثم المصري" بتاريخ 24 أيار 2020، لتغوص معه في الذاكرة، ويحدثنا عن بدايته قائلاً: «نشأت في بيئة مكافحة، وبدأ توجهي نحو الأدب في وقت مبكر من حياتي، كنت في المرحلة الابتدائية عندما شعرت بميل تلقائي للأدب ما دفعني للاهتمام بالمطالعة، فبحثت عن كتب الأدب المتوافرة وأنا في الصف السادس، ومن أبرز النقاط الأدبية والفنية في مسيرتي اقتنائي لكتاب "جواهر الأدب"، فكنت أقرأ المعلقات بمفرداتها الصعبة رغم صغر سني وعدم فهمي لمفرداتها، وعندما أقرأ شرحها في أسفل الصفحة، استشعر القيمة الجمالية لهذه الكلمات، فتكوّن لدي مخزون من المصطلحات والمعاني في المرحلة الإعدادية، وكان مدرس اللغة العربية "محمود الملوحي"، لشدة إعجابه بموضوعاتي في حصة التعبير يجول بها على صفوف المدرسة، ليري نظرائي المستوى الذي أكتب به، ويقول: إن بقي لدينا طلاب يكتبون بهذا المستوى فأنا أمين على اللغة العربية وله فضل كبير عليَّ في مسيرتي الأدبية.

قرأت لأغلب الشعراء قديماً وحديثاً، ولم أكتب على نمط أحد منهم، رغم تأثري وانبهاري بنتاجهم الأدبي جميعاً، وخصوصاً "بدوي الجبل"، "حامد حسن"، و"نزار قباني"، كان تأثري بالمعنى والمغزى والعطاء الإنساني الغزير، وسحرت بشعراء الحداثة أمثال: "نازك الملائكة"، و"عبد الوهاب البياتي"، حيث كان لدي إحساسي الخاص، ولكن لا بد من دخول بعض أفكارهم إلى سجيتي، وعجنها بإحساسي الخاص، كما قرأت بكل مواضيع التاريخ والفلسفة والاقتصاد، لإيماني أن الشاعر يجب أن يكون موسوعة، وقد جنحت للشعر البعيد عن المباشرة

توجهت نحو دراسة الهندسة الزراعية في "اللاذقية"، ثم حصلت على الماجستير في التغذية، وأخيراً حصلت على الدكتوراه في التغذية والتنحيف من "التشيك"».

الأديب الإعلامي عيسى اسماعيل

وتناول مشاركاته الأدبية وكتبه، قائلاً: «شاركت بأول أمسية شعرية عام 1978 في جامعة "تشرين" بدعوة من الجامعة مع الشاعر "عبد الرحيم الحمصي" كوني من الشعراء الشباب، وقد قرظني بكلام جميل، كتبت الشعر لأنني أحبُّه، ولأنه يعبر عن خلجات روحي ونفسي وجسدي، فكان أغلب شعري عمودي، وكتبت في التفعيلة وأحببتها، وصدر لي عدد من الدواوين: "أنت والدنيا وأنا"، تناولت فيه وجهة نظري في المرأة وقيمتها الإنسانية الراقية، أما ديواني الثاني فأطلقت عليه اسم "عبادة"، وتناولت فيه قصائد آلام ومآسي الناس، أي قضايا إنسانية مجتمعية، و"عبادة" مأخوذة من قصيدة عرفت على مستوى الوطن العربي، وهي قصيدة طفل قتل في مجزرة "قانا" وكان يحمل رأسه أحد جنود "اليونيفل"، ما أثار حفيظتي وكتبت هذه القصيدة:

صوت عبادة بكر زواج بين المسك وطعم السكر..

الشاعر شريف قاسم

شفتاه سلالة ليلكة..

ديوانه "أنت والدنيا وأنا"

مضغت فيها سلاف العنبر..

عيناه ملأى أعياداً..

الفطر يغني باليسرى واليمنى يسكنها الأكبر..

رئتاه تمجان نسيماً..

يسترسل فيهما مبتكراً عطر الريحان مع الزعتر..

وبصدر عبادة مختبئ أشجان القمر والقبر.

حيث ألقيتها في "لبنان"، "مصر"، "المغرب"، و"سورية"، وحصلت على العديد من الجوائز عليها.

أما كتابي الثالث فهو بعنوان" بلاغة الصمت"، تناولت فيه القائد الراحل "حافظ الأسد"، قبل وفاته وبعدها، كتبت له قصيدتين كبيرتين، وتم تلحينهما وغناءهما من اتحاد "شبيبة الثورة" في "دمشق"، ثم خرج للنور ديوان "الشآم والعشق الأبدي"، تناولت فيه وطني "سورية" بطريقة غزلية، فالمرأة بالنسبة لي كينونة وجودية رائعة الجمال، ونلت على هذا الديوان العديد من الجوائز، وديواني "الخالدون" اقتصر على فترة النكبة الأخيرة، التي حلت بالوطن، وشهداء "سورية" الذين ضحوا بدمائهم لتبقى "سورية"، أما "سحر العيون" فتضمن القيمة الجمالية للعين عند الإنسان، وخصوصاً المرأة، فالعين هي التي تعبر عن مكنونات النفس، أما "وهج الحجارة"، فكتبته عام 2000، وهذا الديوان خاص بانتفاضة أطفال الحجارة في "فلسطين" المحتلة».

وعن تأثره بغيره من الأدباء، قال: «قرأت لأغلب الشعراء قديماً وحديثاً، ولم أكتب على نمط أحد منهم، رغم تأثري وانبهاري بنتاجهم الأدبي جميعاً، وخصوصاً "بدوي الجبل"، "حامد حسن"، و"نزار قباني"، كان تأثري بالمعنى والمغزى والعطاء الإنساني الغزير، وسحرت بشعراء الحداثة أمثال: "نازك الملائكة"، و"عبد الوهاب البياتي"، حيث كان لدي إحساسي الخاص، ولكن لا بد من دخول بعض أفكارهم إلى سجيتي، وعجنها بإحساسي الخاص، كما قرأت بكل مواضيع التاريخ والفلسفة والاقتصاد، لإيماني أن الشاعر يجب أن يكون موسوعة، وقد جنحت للشعر البعيد عن المباشرة».

وتناول تجربته الأديب الإعلامي "عيسى إسماعيل"، قائلاً: «تعود معرفتي بالشاعر "هيثم" إلى العقد الأخير من القرن الماضي، حيث اشتركنا بعدة أمسيات أدبية، عهدته يكتب القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، حيث تميزت بروح الحداثة، وصوره الشعرية مدهشة، لعلنا نذكر أنّه يمتاز بإلقائه الشعري العذب والهادر، ولا سيَّما في قصائده التي تتحدث عن الوطن والمقاومة وعن الشهادة والشهداء، كما تمتاز قصائده باختياره للقافية الرقيقة والعبارات القصيرة الموحيّة.

وبشكل عام "المصري" متمكن من أدواته الشعرية كاللغة والوزن والقافية، ولعلنا نشير هنا إلى قصائده الوجدانية، حيث الغزل الجميل، والبوح الراقي عن مكنونات النفس، كما كانت المرأة رمزاً جمالياً إنسانياً خالصاً، إضافة إلى أنها تمنح الجمال لمن حولها. ولعل قصيدة الغزل لديه، تشكل إضافة مهمة لشعر الغزل في حركة الشعر المعاصر».

الشاعر "شريف قاسم"، تناول تجربته قائلاً: «"المصري" شاعر رزين رصين مجدّد، متمكن من لغته ومعانيه، يغوص ببراعة في بحور الشعر، فيلتقط دررها ويصوغها بشاعرية فذة، تجذرت شجرتها وبسقت فروعها في سماء الإبداع، يمسك بتلابيب القصيدة بخبرة مذهلة، مرهف الإحساس، بديع الصور، عميق المعاني، إذ يمكن أن نقرأ قصيدته بأكثر من وجه، فنراه يكتب متصوفاً، بالوقت الذي يتغزل به بحبيبته في باطن معانيه، أسلوبه جذاب يشد جوارح القارئ، ويأسره من حيث لا يدري. عرفته منذ حوالي عشر سنوات شاعراً إنساناً خلوقاً متواضعاً طيب القلب، عزيز النفس، ذا كبرياء، ويشهد له بذلك كل من حوله، طموح جداً، يحاول دائماً أن يجدّد في أسلوبه وصوره، وكأنه يكتب لأول مرة متناسياً دواوينه السابقة، عازف ماهر على أوتار الجمال فتنتشي الروح طرباً، وخاصة عندما يبحر في مشاعر الإنسان وتقلباتها، يلتصق شعره بواقع الحياة ويسيل بتلابيبها، هو واحد من شعرائنا المعدودين بامتياز».

يذكر أنّ الشاعر "هيثم المصري" من مواليد "حمص" 1954، مدرس في جامعة "البعث".