ما لم تفعله السنوات والقرون تمكّنت الحرب من فعله، إذ إنّ معظم حمامات مدينة "حمص" التي يعود بعضها إلى العصر الروماني تعرضت لأعمال تخريب وأضرار كبيرة، وإعادة ترميمها اليوم باتت تحتاج إلى مبالغ كبيرة، فضلاً عن قلّة زبائنها في ضوء التكاليف المرتفعة.

الملخص: ما لم تفعله السنوات والقرون تمكّنت الحرب من فعله، إذ إنّ معظم حمامات مدينة "حمص" التي يعود بعضها إلى العصر الروماني تعرضت لأعمال تخريب وأضرار كبيرة، وإعادة ترميمها اليوم باتت تحتاج إلى مبالغ كبيرة، فضلاً عن قلّة زبائنها في ضوء التكاليف المرتفعة.

نتيجة الأحداث هبطت القبب وأسقف الحمامات، فقصدنا مديرية الآثار لمساعدتنا، عن طريق إحدى المنظمات ولم نلق استجابة، ثم قصدنا المحافظ السابق أكثر من مرة، ورغم الوعود لم يهتم أحد، مع أنّ حمام "الباشا" يعدُّ أحد أهم المعالم الأثرية في مدينة "حمص"، وقد كان مقصداً للسياح

تُظهر المراجع التاريخية أنّ وجود الحمامات العامة في مدينة حمص يعود إلى عدة قرون من الزمن، وكما تذكر الباحثة "تيريز ليون" لمدوّنة وطن "eSyria" فقد "تمّ العثور فيها على حمامات عامة تعود للعصر "الروماني"، لكن أول ذكر لها في المراجع التاريخية كان في القرن السابع، حيث ورد ذكرها في العهد "المملوكي" وخلال فترة الاحتلال "العثماني"، كما ذكرت في كتاب "وصفي زكريا" عام 1934 الذي أكد وجود 11 حماماً كبيراً و7 حمامات صغيرة في مدينة حمص، ولم يذكر الكتاب الأسماء الخاصة بها، ولم يبق منها حالياً سوى خمسة حمامات أثرية وجدت ضمن سور المدينة القديمة، هي الحمام "الصغير"، وهو من العصر "الأيوبي" في سوق "الصاغة"، الحمام "العثماني" في شارع "الهادي"، حمام "الباشا" من العصر "المملوكي" قرب شارع "باب هود"، حمام "السراج" من العصر "المملوكي" عند "باب تدمر"، وحمام "العصيات" من العصر "لمملوكي" أيضاً في حي "باب الدريب"، إضافة إلى العديد من الحمامات التي أزيلت، وبعضها تداعى من تلقاء نفسه منذ الستينيات كحمام "الذهب" وحمام "المسدي".

الدكتورة ديالا بركات

وحسب "ليون" فإن أقدم حمام هو "الحمام الصغير" الذي تعرض لتصدعات مختلفة وأضرار كبيرة خلال فترة الحرب نتيجة القذائف التي تساقطت عليه وأدت مؤخراً إلى انهيار قبته، علماً أنه لم يكن يستخدم كحمام قبل الحرب بل حوله مالكوه لمعرض أقمشة، أما حمام "العصيات" فتحول لورشة لنشر الخشب، ورغم تسجيل الحمامين ضمن المواقع الأثرية لكن أصحابهما لم يستخدموهما كحمامات، أما حمام "السراج" المنهار، والذي تعود ملكيته لوزارة الأوقاف فهو حالياً قيد الدراسة لتسجيله أثرياً بالنظر إلى أنّه مجاورٌ للمنطقة العقارية التي تضم جامع "السراج" ودار "مفيد الأمين"، العائدة ملكيتها لمديرية آثار "حمص".

اعتاد كثيرون قبل اندلاع الحرب ارتياد الحمامات العامة وفق طقوس وعادات خاصة، ويشير "كريم دعدوش"، وهو أحد مرتادي الحمام "العثماني"، إلى أنه اعتاد أن يذهب للحمام دائماً قبل الحرب، حيث كانت تقام فيه الأعراس والسهرات، لكن مع دخول الحرب وتعرضه لأضرار ليست بالقليلة، توقف الحمام عن العمل واستقبال الزبائن لفترة زمنية قبل أن يعاود البعض الاجتماع فيه ولو بشكل خفيف تحت ضغط الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي.

تيريزا ليون

لأصحاب ومالكي الحمامات همومهم ومشاكلهم التي دفعت بعضهم لإغلاقها أو تغيير استثمارها، وحسب ما يذكر "عبد الله شرف" مالك حمامي "الباشا" و"العثماني" في حديثه لمدوّنة وطن فإن:«الحمامين كانا يعملان قبل الأزمة، لكن حالياً وتحت ضغط ارتفاع التكاليف المالية والنقص الحاد في مادتي المازوت والكهرباء فقد تمّ تحويل حمام "العثماني" إلى صالة أفراح، فمثلاً كان يتم استهلاك حوالي 300 إلى 400 لتر يومياً سواء كان هناك زبائن أم لا، إنما وبسبب ارتفاع التكلفة التي كانت 150 ليرة سورية للشخص الواحد قبل الحرب وأصبحت 5 آلاف ليرة حالياً أصبح عدد الزبائن قليل جداً.

قبل الحرب كان يجتمع شباب الحي بهدف السهر والتسلية، وتقام الأفراح والمباركات في الصالة الخارجية للحمام، أما حمام "الباشا" فهو حالياً مهدم تماماً، وننتظر مساعدة إحدى الجهات الخاصة أو العامة أو إحدى المنظمات، حيث يحتاج ترميمه إلى قرابة 600 مليون ليرة سورية، فجميع القبب مهدمة، أما الحمام "العثماني" فقد سرقت جميع أجرانه خلال الحرب، ويعدُّ حمام "الباشا" معلماً أثرياً مشهوراً على مستوى "سورية"، وتبلغ تكلفة ترميمه قرابة 700 مليون ليرة سورية في ظل غلاء مواد البناء واليد العاملة، علماً أن الحجارة السوداء قد سرقت، وعلينا إعادة شرائها لأنّ العمل يجب إنجازه بإشراف مديرية الآثار، ليعود كسابق عهده، وهذا أيضاً حال حمام "السراج" المملوك لمديرية "الأوقاف"، فقد دمر الجزء الأكبر منه، وهو اليوم يحتاج لأكثر من 200 مليون ليرة لترميمه، لذلك أعدته لمديرية "الأوقاف"».

مختار حي باب الدريب خالد قسوم

وتحدث "أسامة شرف" أحد الشركاء في الحمامات، لمدوّنة وطن فقال: «نتيجة الأحداث هبطت القبب وأسقف الحمامات، فقصدنا مديرية الآثار لمساعدتنا، عن طريق إحدى المنظمات ولم نلق استجابة، ثم قصدنا المحافظ السابق أكثر من مرة، ورغم الوعود لم يهتم أحد، مع أنّ حمام "الباشا" يعدُّ أحد أهم المعالم الأثرية في مدينة "حمص"، وقد كان مقصداً للسياح».

أوقاف "حمص"

للوقوف على وجهة نظرها، قصدتْ مدوّنة وطن مديرية أوقاف حمص والتقت مديرها "عصام المصري" الذي أكد أنّ المديرية «تطرح الحمام في المزاد ليأتي مستثمر ويقوم بترميمه واستثماره، إذ لا يوجد لدى المديرية بندٌ في الموازنة يتيح القيام بترميم الحمامات أو حتى المساجد، وأنا مهتم جداً بهذا الحمام حيث يعود للعصر "المملوكي" ويحتاج ترميمه مبالغ كبيرة، وقد قمنا بطرحه من خلال مزاد للراغبين بترميم المساجد أو الحمام".

وأضاف أنه "يوجد اعتقاد سائد لدى الناس بأن وزارة الأوقاف هي أغنى وزارة بحكم أن عقاراتها كثيرة، لكن عملياً فإن إيراداتها قليلة جداً وأكثر العقارات مستملكة من قبل مجلس المدينة والجهات العامة للمرافق العامة، فالناس تظلمنا فالإيرادات التي تأتينا من العقارات التي نؤجرها أو نستثمرها، هي معاشات لأرباب الشعائر الدينية، فكل أرباب الشعائر الدينية وكلاء وليسوا أصلاء لهم صندوقهم الخاص من قبل هذه الإيرادات، وقد تواصلنا منذ عامين مع العديد من المنظمات الإنسانية، لكن كانت إجابتهم بأنه ليس لديهم بند لترميم الآثار، ومجال عملهم الإغاثة الإنسانية أو ترميم المرافق العامة، والحمام مرفق خاص».

أما مديرية آثار "حمص" فهي تؤكد على لسان معاون مدير الآثار ورئيس شعبة التنقيب الدكتورة "ديالا بركات" أن:« كل أعمال الترميم تجري تحت إشراف مديرية الآثار، لكن المشكلة أن بعض المباني ليس مسجلاً فقط في نطاق دائرة الآثار وإنما مشتركاً مع الأوقاف أو أملاكاً خاصة، حيث الأملاك الخاصة ترمم على حساب المالك تحت إشراف الآثار، لضمان مراعاة المواصفات كافة، لذلك يوجد الكثير من المباني والمنازل لم ترمم لأنها مكلفة جداً، وخاصة في هذا الوقت، ونحن كمديرية آثار حاولنا رؤية المباني التابعة لنا والخدمية المهددة بالانهيار، وليس من مهامنا التواصل مع المنظمات، وحتى لو أرادت المنظمات التمويل، فنحن الجهة التي ستقوم بالدراسة والإشراف، ففي السوق المسقوف قام البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP بتمويل الترميم، لكن تحت إشرافنا ودراستنا، ويعدُّ هذا السوق ضرورة ملحة، فهو حاجة اقتصادية واجتماعية وروحية، ويشكل أهمية كبيرة لسكان مدينة "حمص"، بينما الحمامات دورها ليس هاماً جداً كالسوق، وبعض الحمامات أملاك خاصة كالحمام "العثماني"، الذي قام المالك بترميمه، وحمام "السراج" تابع لمديرية الأوقاف، لذلك الأمر يتعلق بالأولويات سواء من جهة مديرية الأوقاف أو المنظمات، حيث يرون أن ترميم مدرسة أكثر أهمية، وكذلك التواصل مع المنظمات بالنسبة لنا يندرج تحت بند الأولويات نتواصل معهم عندما يتعلق الأمر بمتحف تقاليد شعبية، والحمامات موضوعة بالخطة لكن ترون كيف تتغير الأسعار يومياً، حتى في الدراسات التي نجريها نضطر لتغيير الدراسة أكثر من مرة نتيجة ارتفاع الأسعار».

وقد أجريت اللقاءات بتاريخ 22/12/2020.