كان هاجسه الأكبر أن يكشف الغطاء ويزيل غبار النسيان عن ثورة من أهم الثورات التي انطلقت في الشمال السوري تقارع المحتل الفرنسي إنها ثورة الزعيم إبراهيم هنانو ورفاقه الذين لا يقلون عنه وطنية وتضحية وفداء.

هذه الثورة التي لازال الكثير من وثائقها ومواقعها مجهولا للقريب قبل البعيد فأراد أن يتواصل مع الجميع من أجل إظهار المكانة التي تستحقها هذه الثورة وهؤلاء الثوار وخاطب أصحاب القرار في المحافظة وفي الحكومة حتى تحققت مقترحاته وأصبحت قرارات وزارية فكانت اللجنة الوطنية للتراث الثوري برئاسة الباحث والكاتب محمد خالد عمر وعضوية كل من السادة: د. فاروق اسليم وفايز قوصرة وصلاح الدين كيالي. وقد التقينا الأستاذ محمد خالد عمر ليروي لنا قصة هذه اللجنة وكيف بدأت فكرتها ومراحل تشكلها من خلال الحديث التالي فقال:

في العام 2003 أعطاني صديقي صلاح الدين كيالي مخطوط بعنوان (بركان الشمال) وطلب مني تقديم المخطوط فقدمته بعد الاطلاع عليه وكان هذا البركان يتكلم عن سيرة الزعيم إبراهيم هنانو كقائد لثورة الشمال وكإنسان تناثرت صفاته وسماته في مفاصل هذا المخطوط. حفزني هذا المخطوط لأن أبحث عن هذه الشخصية التي استحقت أن تنال صفة الزعامة بحق، فالزعيم إقرار وليس مرتبة تهدى أو ينالها المرء بالتعليم مثلا أو المناصب السياسية.

شعرت وأنا أبحث عن سيرة هذا الزعيم بأننا كنا اتجاه إرث لم نحفظه بل لم ننفض الغبار عنه كما أنني شعرت بزهو كبير لأنني أنتسب إلى محافظة تحوي نهرين دائما الجريان هما (أبو العلاء المعري) و (إبراهيم هنانو).

أحدهما كان إماما في الفكر و الفلسفة والآخر إماما في الوطنية والثورة والإنسانية.

أما الأول فبالرغم من عقوقنا اتجاهه واتجاه إرثه الخالد فقد وجد كتاب عرب وأجانب بحثوا في هذا الإرث وأعلنوا عظمة صاحبه وعظمة الأفكار التي جاء بها في عالميه الفكري والفلسفي. أما إبراهيم هنانو فإنه بهظ حقه من قبل ورثته أي نحن أنفسنا كما أنه لم يقيض له من ينفض عن إرثه النضالي الغبار هذا الشعور جعلني أبحث عن أفكار يمكن أن تخلد ذكرى البطولة في الأجيال فاقترحت في العام 2004 على السيد محافظ إدلب في وقتها السيد حسين علي الهدار أن نقيم مهرجانا ثقافيا فكريا باسم الزعيم إبراهيم هنانو كما أننا يمكن أن نعين عشرة مواقع لأشهر المعارك التي خاضها الزعيم في وجه الاستعمار الفرنسي ونضع لوحات تعريفية تخلد هذه المعارك تاريخيا ونضاليا وهذا الأمر سيضاف إلى المواقع السياحية والأثرية في إدلب يمكن لنا أن نوجه طلابنا لزيارة مثل هذه المواقع فتخلد في ذاكرتهم رصيدا نضاليا لا ينسى لأنه سيأتي تثبيتا للخبر التاريخي. كما اقترحت عليه لجنة مهمتها جمع التراث النضالي المادي والمعنوي وتأمين جناح في المتحف الوطني في إدلب أو متحف خاص يجمع تراث الثوار، فضلا عن تشكيل لجنة بحثية موضوعية يمكن أن تصدر كتابا موثوقا وموثقا يكون مرجعا عن هذه الثورة خاصة وأن هناك مذكرات لمناضلين كانوا مع هنانو لا تزال مخطوطة لم تطبع بعد مثال مذكرات الشيخ "يوسف السعدون" قائد الفصيل النضالي بمنطقة العمق والقصير وجسر الحديد ومذكرات القائد (إبراهيم الشغوري) أمين سر ثورة الزعيم إبراهيم هنانو وكنت يوما حصلت على نسخة من هذه المخطوطات وهي محفوظة في مكتبتي الخاصة.

لقيت هذه المقترحات أذنا صاغية من السيد المحافظ فقد كلفني بتحديد عشرة مواقع لأشهر المعارك غير أن الرجل أنهيت مهمته قبل تنفيذ مقترحي هذا.

في أواخر عام 2005 صدر تعميم من وزارة الثقافة لمحافظة حلب تتضمن محاور ومحاضرات ستقام في حلب بمناسبة (حلب عاصمة الثقافة الإسلامية) وكان من هذه المحاور والمحاضرات عنوانا يطلب فيه البحث في ثورة هنانو.

وهنا توقفت طويلا عند هذه الشخصية وقررت المشاركة في هذا المحور ببحث يقرأ شخصية الزعيم كإنسان وكقائد سياسي ودبلوماسي وثائر وفعلا قدمت المحاضرة على مسرح مديرية الثقافة وكانت المحاضرة تبحث في تكوين الشخصية القيادية عند هنانو وليس في تتبع الأخبار تاريخيا وقد طالبني أكثر من باحث أن أتوسع في هذه المحاضرة فهي تمثل مشروع كتاب ومسبوكة بإسلوب سماه بعض الباحثين اسلوب (الحفريات الدراسية).

في العام 2007 وبناءً على التصعيد النفسي الداخلي المحرض الذي يدعوني لمتابعة ما قمت به من دراسة واقتراحات على السادة المسؤولين صغت مذكرة للسيد وزير الثقافة تتضمن أهمية التاريخ النضالي وأهمية إبراز هذا التاريخ والتمسك بهويتنا والتفرد بخصوصيتنا معتمدا على أكثر من ميزة تميزت بها ثورة هنانو فقد كانت في هيكليتها ما يشبه الدولة في الإدارة والشؤون المالية والعسكرية والسياسية والقانونية وكان كل فرد لا يقل شأنا عن قيادتها فالثورة تمنح المعاشات والرواتب لأفرادها النظاميين كما أنها توفر الحاجات المادية لأهلهم ومن يعولون وكان يرفد هذا التنظيم العسكري تنظيم احتياطي والميزة الثانية والمهمة جدا وهي ميزة استنباطية بحيث إنني حصرت عمر الثورة من أول موقعة عسكرية بين الثوار وبين الجيش الفرنسي التي بدأت بمعركة (المردّ) إلى آخر معركة في البادية السورية وعرفت باسم معركة (مكسر الحصان).

حصرت هذا العدد ب /116 / اسبوعا، وقد لاحظت أن أكثر المؤرخين والمشاركين في الثورة بأنهم جمعوا لنا عدد المواجهات العسكرية بـ 121 حتى 127 معركة هذا يعني أن عدد المعارك فاقت عدد أسابيع عمر الثورة وقد تضمنت هذه المذكرة المقترحات السابقة ذاتها. وقد استجاب السيد الوزير مشكورا لطلبنا، كما وافق على تشكيل لجنة للقيام بهذه المهمة وتتجلى في العمل على جمع وتأمين الوثائق والخرائط والأشياء المادية والمعنوية فيما يخص الثورة والثوار، والإشراف على حفظ هذه الوثائق وفتح قيود رسمية لذلك، والعمل على إعداد كتاب خاص عن ثورة هنانو بناءً على ما يقدم من وثائق وعلى ما لدينا من مذكرات، وإحداث بنك معلومات لجمع الوثائق التي ترد وإدخالها رسميا كرصيد للثورة والثوار. وتتمتع اللجنة بصلاحية مخاطبة أي جهة إدارية أو بحثية أو علمية لتأمين الوثائق أو الصور التي تخص الثورة و الثوار.

ولما كنا نعتقد أن من مهام اللجنة هناك بعض المهمات لا يمكن أن تقوم بها منفردة مثل اقتراحات استملاك لمواقع المعارك أو إحداث متحف خاص أو جناح في المتحف الوطني القائم لوجود جهات إدارية وفنية معنية بذلك فقد اقترحنا على السيد الوزير تشكيل لجنة ثانية برئاسة عضو المكتب التنفيذي المختص بشخصيته الاعتبارية وعضوية مدير الثقافة الاعتبارية وعضويتي كعضو باحث ومهتم.

مهمة هذه اللجنة التنسيق مع الجهات الإدارية في المحافظة ومجالس المدن والبلديات لتزويد بنك المعلومات العائد لمهمات اللجنة الأولى بالوثائق الفردية المادية والمعنوية المتوفرة عن الثورة والثوار وإحالة المفيد منها بحثيا إلى اللجنة الأولى.

فقد وافق السيد وزير الثقافة على تشكيل اللجنتين بمهامهما المقترحة بالقرارين:

1559/ و1960/بتاريخ 21/8/2007.

ولأننا نعتقد أن هذه الاستجابة كانت قرارا غيورا وحريصا على جمع كل إرث نضالي ثقافي وطني فقد وجهنا بطاقة شكر للسيد وزير الثقافة كما قمنا بعقد لقاء بين اللجنة ومديرية الثقافة بإدلب من جانب والفعاليات الإدارية والثقافية بمناطق المحافظة ودعونا إلى هذا اللقاء كل من جمعية العاديات واتحاد الكتاب العرب ورابطة المحاربين القدماء ورابطة المجاهدين والمكاتب الثقافية في المنظمات الشعبية والنقابات المهنية ورؤساء مجالس المدن والبلدان التي كانت المحاور الرئيسية لتحرك الثورة والثوار، بالإضافة إلى ورثة أشهر المجاهدين ولفيف من المهتمين بهذا الجانب وقد حضر الجلسة الدكتور غسان عبيد مدير مركز الوثائق التاريخية بدمشق وقد خلصنا في هذا اللقاء إلى خطة عمل كاملة تتلخص فيما يلي :

القيام بجولات ميدانية إلى مناطق المحافظة لكسر حاجز الثقة بين اللجنة وبين من يمتلك الإرث الوطني النضالي بحيث تكون الوثائق مجموعة في مرجعية واحدة وتتعهد اللجنة بأن تسجل أي إرث مادي أو معنوي باسم صاحبه ويسلم بإيصال رسمي ويدخل إلى خزانة العرض أو الحفظ بموجب سجلات رسمية مهما تبدلت الأسماء.

الإعلان إلى أبناء الوطن كافة وخصوصا أبناء محافظات إدلب. حلب. اللاذقية. حماة. ممن تتوفر عنده وثائق أو حتى أخبار متواترة الرجاء تقديمها للجنة.

جمع أسماء الشهداء ممن قضوا في سبيل الوطن وحفظ هذه الأسماء في لوحات شرف في كل منطقة تابعين لها.

مخاطبة وزارة الثقافة– المديرية العامة للآثار والمتاحف ضرورة تخصيص اللجنة بمقر أثري خال نت الشواغل كبيت الزعيم إبراهيم هنانو في كفر تخاريم أو بيت العياشي والمصري في إدلب.

اعتماد مندوبين في المناطق والنواحي ممن هم أهل للإعلان والإعلام عن مهام اللجنة وأخبارها عن كل ما يستجد من أمور.

البحث في مذكرات الزعيم والقائد نجيب عويد التي مازالت مفقودة حتى الآن.

ضرورة الاتصال بأرشيف وزارة الدفاع الفرنسية أو دائرة المعلومات التاريخية في باريس لتزويد اللجنة بصور عن الوثائق التي تخص هذه الثورة.