كرست حياتها كمربية، من خلال روضتها العلماء الصغار."أخي العزيز سأخبرك خبراً عظيماً.في الشتاء القادم سيكون عندنا ولداً، أنا وتيودورث سنسميه بنسلف(فان كوغ)".

هذه الكلمات من رسالة بعث بها الشقيق الأكبر إلى بنسلف (فان كوغ) يوماً يخبره باقتراب قدوم طفله الذي أنشأ فيما بعد متحف فان كوغ المعروف اليوم في هولندا، والذي من أجل ذلك الطفل رسم فان كوغ لوحته الشهيرة "زهرة اللوز".

في روضة العلماء الصغار في معرة النعمان حوالي مئة طفل تتراوح أعمارهم ما بين ثلاث، وخمس سنوات، أحدهم في الخامسة من العمر طلب مني بإلحاح أن ألتقط له صورة، وآخر وقف بعيداً وملامح الخجل بادية على وجهه، وطفل يبكي لأنّ صديقه أخذ منه قطعة سكاكر.أيكون بين هؤلاء الأطفال من سيكون فناناً عظيماً، أو عالماً كبيراً؟

المربية أمية حيدر ذات الشخصية القوية، والمظهر الأنيق، جلست خلف مكتبها تحكي عن علاقتها بأطفالها المئة.

بدأت بالنقد، وانتهت بطموحات مشروعة.أمية حيدر إجازة في الترجمة في جامعة البعث، تمارس التعليم منذ عشر سنوات تقريباً، وحالياً مشرفة على روضة العلماء الصغار في معرة النعمان. ما إن عرفتها بنفسي حتى بدأت بالحديث عن الضرائب، التي لا تميز بين روضات معرة النعمان، وروضات المدن الكبرى كدمشق وحلب(كما تقول).

أغلب الناس هنا من الفقراء؛ لذلك نكتفي بخمسمائة ليرة عن كل طفل، و كثيرون يدفعونها (فراطة)، والمشكلة أن الضرائب لا تفرق بين روضتنا وبين الروضات في المدن الكبرى، يعني (ندفع صاغ ونقبض فراطة). حين فتحت الروضة عام 2001م لم يكن هناك أية ضرائب، واليوم يطالبوننا بالضرائب المترتبة علينا منذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم.تصمت قليلاً، ثم تعود للحديث عن عالم الصغار الجميل، حيث وهبت كلّ حياتها لهذا العالم الأبيض. وعن سؤالنا لها كيف تجد كيف تعامل الآهالي مع الروضة بشكل عام؟

قالت لنا: "بعضهم يعتبر الروضة (مكان تسكيت)، والبعض الآخر يعتبرها مكاناً لتربية الطفل، وتأهيله اجتماعياً، وتعليمياً".

كيف تكتشفون الأطفال المتميزين، وبالتالي كيف يتم التعامل معهم؟

تقول: "أثناء إعطاء الدروس، ومن خلال مراقبة سلوكهم، وألعابهم يظهر المتميز منهم بوضوح، وللتميز أنواع فهناك طفل متميز بموهبة معينة، وهناك من هو متميز بسلوكه، فأحياناً أشاهد طفلاً يبكي لسبب ما، وسرعان ما يتقدم إليه أحد الأطفال بحنان محاولاً إرضاؤه، وهذا تميز سلوكي نحاول أنا والمربيات الأخريات أن ننميه بين الأطفال باستمرار، وطبعاً نخبر الأهل بموهبة طفلهم، وبضرورة الاهتمام والعناية به، الطفل كما يقدم له يكون، وليس هناك طفل غبي، أو طفل ذكي، الطفل هو حالة إنسانية تحتاج إلى الاهتمام والرعاية الدائمة".

ـ ألا تجدين التقيد بالنظام المدرسي، حيث المقاعد، والأيدي المتشابكة فوق الصدر شكل تقليدي قد يمقته بعض الأطفال؟

"هذا سؤال أفكر به كثيراً جداً، ولو سألتني عن حلمي لقلت لك أحلم بإقامة روضة شبيهة بروضات الدول المتقدمة، التي لم تعد تعتمد على الطرق التقليدية من حيث التلقين، والإصغاء بل على التعليم أثناء اللعب، وعن طريق اللعب، وهذه الطريقة أفضل بكثير، وتكسر الحاجز النفسي بين الطفل، والروضة، أوالمدرسة، الذي تسببه الطرق التقليدية.عندي عدد من الأطفال الموهوبين، وأحاول أن أنمي مواهبهم، وبالمساعدة من قبل الأهل، والمدرسة سيظهر من بينهم فنانين، وعلماء أنا واثقة من ذلك، لذلك أكرس كلَّ حياتي لأجلهم فهم جديرون بكل العناية، والاهتمام".

أمية حيدر التي كانت واثقة بكل كلمة قالتها لنا أن الأطفال هم الأزهار المتفتحة، وعلينا أن نكون ربيعاً حقيقياً لهم.