أذكر جيداً حين كنت في الثانوية العامة أنَّ حصّة الجغرافية كانت من أمتع الحصص، لأن مدرسها شريف الرحوم كان له ذلك الحضور الثقافي والأدبي الطاغي، الذين يضفي بهما كثيراً من المتعة والفائدة، الأمر الذي يجعل طلابه متلهفون دائماً لدروسه.

هو من مواليد 1950م إجازة في الجغرافية في جامعة دمشق منذ 1976م تنقّل بين ثانويات محافظة الرقة وحلب وإدلب.

له العديد من الأبحاث، حيث شارك أكثر من مرة في مهرجان المعري كباحث، وحقق حضوراً لافتاً.

"ألا ليت الشباب يعود يوماً" هو الماضي الذي نشتاقه دائماً، وربما هذا ما دفع بالأستاذ شريف لأن يعود إليه: "كان الفقر غير محدود، وكانت مساعدة الأهل لنا معنوية فقط، وأما المادية فقد كانت شبه معدومة حيث لاتتجاوز (الخرجية) النصف ليرة عن كلّ أسبوع وأحياناً أقل من ذلك بكثير".

كانت (الصدّرية) السوداء إلى القدمين، وكانت بطولها تخفف عبىء شراء بنطال جديد.

مرّة سأل أحد الطلاب الفقراء زميله ابن الاقطاعي أتأكلون الزيت والزعتر وشووربة العدس، وحين كان جوابه نعم دُهشنا.

كثير من الطلاب كانوا يأتون من القرى المجاورة (كمعرشمشة وتلمنس وكفرومة ودير الشرقي) سيراً على الأقدام، حيث يبدأ الدوام في الساعة الثامنة، وينتهي الرابعة مساءا مع وجود استراحة للغداء مدتها ساعة فكان أغلب القرويين يأتون (بزوادتهم) (عبارة عن خبز تنور مدهون بزيت وزعتر مع قرص بندورة).

ورغم كل تلك الظروف السيئة، فقد حصّل أغلب هؤلاء شهادات علمية جيدة، علماً أنَّ أحداً منهم لم تكن لديه الظروف الملائمة للدرس والتحصيل. فقط الهمّة كانت عالية، أما اليوم فيؤسفني جداً حال طلابنا الذين لا يتركون دورة تعتب عليهم وظروفهم ممتازة ومع ذلك تحصيل بعضهم أقل بكثير مقارنة مع جيلنا".

سألناه أليس في هذا الكلام شيء من الظلم للجيل الحالي؟، فأجابنا قائلاً:" لماذا الظلم؟ لو تتصور حالة الطلاب وهم يقطعون المسافات في فصل الشتاء للوصول للمدرسة، لعرفت كم كنا نعاني في سبيل تحصيل العلم، وعلى فكرة كانت الكهرباء غير موجودة في معظم القرى المحيطة بالمعرة، لذلك كانت الدراسة على ضوء الكاز أو الفانوس، والتلفاز كان أعجوبة بالنسبة لنا وأذكر كيف ذهبنا مرة إلى منزل ابن رئيس المخفر لمشاهدة هذه الآلة العجائبية، وما أن دخلنا للمشاهدة حتى قام بإطفاء الأنوار كما يفعلون في السينما، وكانت هذه أول مرة أشاهد فيها التلفاز، حيث لم يكن في كلّ المعرة سوى جهازين أحدهما في منزل عماد الحراكي، والثاني في منزل رئيس المخفر، وفيما بعد استغلّ أحد أصحاب المقاهي ذلك، فاشترى تلفازاً لجذب الزبائن".

وعن إتمام تعليمه الثانوي قال: " في دار المعلمين الريفية في حمص حيث كانت الدراسة مجانية مع راتب يصل إلى 80ل.س، ثم انتقلت إلى دمشق للتسجيل في الجامعة، وقد أنهيت الجامعة دون دوام بسبب الوضع المادي".

أخيراً الحديث عن الماضي يداعب المخيلة، ويلهب النفس بالحنين إلى أيامٍ غادرتنا دون رجعة لكن الشيء الذي يبقى، ولا يرحل هو العمل الطيب الذي يذكر على الدوام، خاصة إذا كان صاحب هذا العمل معلماً (كاد أن يكون رسولا) وشريف الرحوم كاد هو الآخر، فحقَّ له علينا أن نقف أمامه باحترام وتبجيل.