«لا يمكن للإنسان أبداً أن يقعد دون أن ينجز شيئاً، فالتاريخ مثلاً لا يذكر أحداً إلا ويربط ذكره بفعلٍ ما، والعوام يقولون (يا أخي سبنا بس حكي)، ومثال قول الشاعر (إن أنت لم تنفع تضر)، فالقرآن الذي ذكر "موسى" لم يكتف بذكره ولكنه ذكر "فرعون" أيضاً، وفي ذلك لا يُذكر أحد دون أن يفعل شيئاً حتى إن هو أضر بغيره»، بهذه الكلمات افتتح "حسان شيخ نجيب" حديثه لموقع eIdleb شارحاً الضرورة التي يجب فيها على كل إنسان إبراز موهبته وإبداعه الدفين، وألا يبقى دون صفة عمل أو خصال تذكر.

والسيد "حسان" من قرية "حاس" في منطقة "معرة النعمان"، وهو مصاب بإعاقة بصرية تكونت لديه خلقياً، وقد حصل منذ سنوات على الدراسات في الأدب العربي وهو الآن بصدد الحصول على رسالة في "الماجستير"، وفي تتمة حديثه عن سبب اهتمامه بالأدب قال: «كما يقول الشاعر إذا مر بي يومٌ ولم أتخذ به يداً... ولم أستفد علماً فما ذاك من عمري، لذلك تراني لا أغلق للعلم باباً أبداً، وكل شيء بين دفتين أنا أقتنيه مهما كان ما بداخله، لأنني لا أتأثر بآراء وأهواء الآخرين أبداً، وعلى هذا الأساس فإن التجربة الأدبية تنشأ مع الإنسان مثل أي شيء إنساني يجب أن يعيشه، فالأديب أيضاً يجب أن يكون لديه موهبة ليمارسها وشيء ما يقدمه، وكل إنسان لديه شعور ما في داخله يمكن أن يؤديه بأسلوب معين، من هنا جاء اهتمامي الكبير بالأدب واللغة العربية، والذي جسدته بتأليف الشعر».

أنت تكتب فقط لتعبر عن حالات معينة، ولتعبر عن مستواك الفكري والإنساني، وطالما أن المستوى الفكري يتطور تتطور معه ملكة الكتابة، فلا يوجد لدي مشاريع أو أحلام في الأدب سوى ما تمليه علي الوقائع، وفي النهاية هو يعبر عما يحمله الشخص من قيمة أخلاقية وما هو في داخله من غير ذلك

  • وهل هناك أدب خاص بالمكفوف؟
  • حسان في منزله

    ** لا يوجد أدب خاص بالمكفوفين لأن اللغة للجميع وليست حكراً لمبصرٍ أو مكفوف، المكفوف له معاناة خاصة يمكن أن يكتب عنها أحياناً بشيء من الخصوصية لكن أدبه ليس خاصاً، والتجارب الإنسانية هي تجارب عامة ولو كان هناك أدب خاص بالمكفوفين لما قرأه سوى المكفوفون أنفسهم، وطالما أن الأديب أو الشاعر المكفوف مرتبط نفسياً بإعاقته فإنه سيعبرعنها بالشكل السلبي وهذا من الخطأ، فعليه أن يفكر أن الناس بحاجة بعضهم البعض، وأن تحتاج لإنسان بالعز غير أن تحتاجه بالذل، وأنا شخصياً تخلصت من الارتباط بالإعاقة منذ زمنٍ طويل، ولا يوجد لدي مشكلة في أن يقول لي أحدهم يا "أعمى" مثلاً، لأني وكما يقول الشاعر "أبو العلاء" غير مجدٍ في ملتي واعتقادي، أي أنني لست متأثراً بأي عيوب أو نقص إزاء ذلك، لذا أنا أكتفي بالتعبير عن واقعي دون الدخول على الناس من باب آخر، فالفرد يجب أن يبرز بكليته دون إبراز جزء عن سواه، بحيث أنه لو انعدم هذا الجزء لانعدم معه.

    وعن نوع الشعر الذي يكتبه "حسان" قال: «منذ صغر سني لدي اهتمام بكتابة الشعر، وفي البداية حاولت التقليد في كتابة قصائد حب مثل قصائد "الأخطل الصغير"، إلا أنني وجدت أن العمل في الأمور الإنسانية أجدى نفعاً، لذلك اتجهت إلى شعر المعاناة والمناسبات، وألفت أبيات تتعلق بالرحم والأم واليتيم، ونظمت شعراً اقتبسته من /20/ قصة من قصص "كليلة ودمنة"، وكتبت أبيات على نمط شعر"التفعيلة"، مع الإصرار من قبلي على الإبتعاد عن الشعر "الحر" لأنني أعتبره هذياناً لا فائدة منه، وقدوتي بالنسبة للشعراء المكفوفين هو "أبو العلاء المعري" ، إلا أنني ضد إنعزاليته، فأنا أحب المجتمع ويحبني وأريده أن يعاملني كأي إنسان دون النظر إلي كمكفوف، ومعظم ما أكتبه من الشعر "موزون" وهو غالباً ما يتأثر بالوقائع والمناسبات الشخصية والعامة، حيث أذكر أنني نظمت أبياتاً بعد وضعي عاملاً عادياً في أحد مشافي "حلب" مثل (فغدوت بعد العلم عامل مقسم)، وحين كانت تُقصف فلسطين خلال إحدى مباريات كأس العالم عام /1998/ ألفت قصيدة من /34/ بيت لشدة تأثري بما رأيته من انشغال الناس عن قضيتهم، وقلت فيها:

    على جهاز الحاسوب

    يا صاحِ لا تعبئ بكأس العالم...

    واعبئ بشعبٍ بائسٍ متشائم

    الكأس دار ولم نُفق من سكرنا....

    حسان و إلى جانبه أحد أبناءه

    بل لم نزل كرةً لكأسٍ قادم

    ويُقال زين الدين عُربي الهوى...

    ذاك افتراءٌ ذاك زعم الزاعم

    إن العروبة مبدأ وعقيدة...

    وهوىً عميقٌ رغم أنف الراغم».

    لا يخضع الأدب عند "حسان شيخ نجيب" إلى أية ظروف أو مخططات، بل إن الظروف والوقائع هي التي تخضع له، حيث قال: «أنت تكتب فقط لتعبر عن حالات معينة، ولتعبر عن مستواك الفكري والإنساني، وطالما أن المستوى الفكري يتطور تتطور معه ملكة الكتابة، فلا يوجد لدي مشاريع أو أحلام في الأدب سوى ما تمليه علي الوقائع، وفي النهاية هو يعبر عما يحمله الشخص من قيمة أخلاقية وما هو في داخله من غير ذلك».