تتوضع مدينة "كفرطاب" ضمن سهول فسيحة وخصبة، وتقع إلى الشمال الغربي من مدينة "خان شيخون" بأربعة كيلومترات، ويحدها من الجنوب "تل عاس" الأثري، ومن الغرب "تل أرجي"، وهي تجاور مملكة "أفاميا" من الشرق.

وإنّ هذا التموضع الاستراتيجي لهذه المدينة، جعلها ممراً إجبارياً لجموع الغزاة والفاتحين والطامعين، وقد كانت كفرطاب زمن عظمة أفاميا تابعة لها فهي من أعمالها في العصور الوسطى.

"كفرطاب" بطاء مهملة هي بلدة بين "المعرة" ومدينة "حماه"، في برية معطشة ليس لها شرب إلا ما يجمعونه من مياه الأمطار في الصهاريج "المحفورة في الصخر"

وفوق رابية من الأرض أقيمت معظم الإنشاءات العسكرية والتحصينات، وقد تحصّن فيها الصليبيون ومن ثم المسلمون.

لوحة الأسد من فسيفساء كفرطاب

وقد عرّفها "ياقوت الحموي" بقوله: «"كفرطاب" بطاء مهملة هي بلدة بين "المعرة" ومدينة "حماه"، في برية معطشة ليس لها شرب إلا ما يجمعونه من مياه الأمطار في الصهاريج "المحفورة في الصخر"».

كما عرّفها أبو الفداء المتوفى سنة 732هـ فقال: كفرطاب من الإقليم الرابع وهي من جند "حمص".

مشهد صيد من فسيفساء كفرطاب.

كما ذكرها المؤرخون والرحالة والشعراء، ومنهم أبو العلاء المعري في اللّزوميات بقوله:

أرى كفرطاب أعجز الماءُ أهلها وبالسَ أعياها الفرات من الحفرِ

كذلك مجرى الرزق وادٍ بلا ندى ووادٍ به فيضٌ وآخـــر ذو جفرِ

يتضح من ذلك بأن مدينة كفرطاب عانت كـ"معرة النعمان" من فقر المياه حيث لم يكن فيها نهر جاري ولا ينابيع، مما جعل سكانها يلجؤون إلى حفر آبار في الصخر لتجميع مياه الأمطار.

وقد تعرّضت كغيرها للغزو حيث دخلها الصليبيون عام 1098م بعد أن سيطروا على المعرة وما يحيط بها، فكانت كفرطاب نقطة عبور لهذه الحملة المتجهة من أنطاكية إلى بيت المقدس، وأطلقوا عليها اسم "كفردا" وقد قاموا بنهبها وألحقوا الدمار بها كما فعلوا في معظم البلاد الشامية، هذا فضلاً عن الزلازل التي تعرّضت لها، والحملات الأخرى التي دمرتها، وكان الزلزال الأخير عام 1157م المسمار الأخير الذي دُقّ في نعش هذه المدينة فقلبها رأساً على عقب، وقضى على الحياة فيها.

والآن ترقد هذه المدينة تحت أكوام من الأتربة، علماً بأنّ معالم هذه المدينة واضحة من حيث طبوغرافية الموقع، وهي تنتظر معاول المنقبين لإماطة اللثام عنها.

وكانت مديرية آثار "معرة النعمان" في العام 2000م قد اكتشفت أرضية فسيفسائية غاية في الروعة، وهي جزء من رواق يرصف كنيسة كبرى، تمّ في الطرف الشرقي من المدينة، وتم نقلها إلى متحف المعرة، وموضوع اللوحة مشهد صيد مثير، قوامه سبع يطارد وعل على أرضيةٍ فيها زهرة متكرِّرة بتناوبٍ بديع، ويلاحظ الدقّة في الرصف والتدرجات اللونية واللمحات الدرامية للنظرات.

ويؤطِّر المشهد إطار زخرفي نباتي لورقة الأكانتس بهيئة جامات دائرية تحصر أشكالاً لحيوانات بحرّية وطيور وثمار وفاكهة، ويعود تاريخ هذه اللوحة إلى القرن الخامس الميلادي ومن خلال نظرة متمعِّنة لهذه اللوحة نشاهد تأثر الفنَّان الفسيفسائي في كفر طاب بالمدرسة الفسيفسائية الآفاميَّة ولا عجب في ذلك كون هذه المدرسة تأثرت بها جميع المشاغل الفسيفسائية في الشمال السوري إبَّان العهد البيزنطي.

ماذا كتب الرحالة عنها؟

ـ ذكرها المقدسي الجغرافي سنة 390هـ ـ 999م قائلاً: إنّ كفرطاب تابعة لحمص.

ـ ذكرها الحميري الأندلسي المتوفى سنة 900هـ ـ1494م فقال: أما كفرطاب بينها وبين حماه أربعون ميلاً وهي أرض صحيحة الهواء، ليس لها ماءً إلا من الأمطار ، لايعرف سكانها المرض إلا نادراً.

ذكرها شيخ الربوة المتوفى سنة 727هـ ـ1326 م في حديثه عن المملكة الحلبية ذكر أنّ كفرطاب من جند حلب.

ومن أهم اعلامها:

ـ "محمد بن يوسف الكفرطابي" 503هـ ـ 1108م كانت له يد طولى في سائر العلوم، وله شعرٌ كثير.

ـ "محمد بن يوسف بن عمر الكفرطابي" 553هـ ـ 1158م له كتب كثيرة منها "غريب القرآن ـ نقد الشعر ـ وبحر النحو".

ـ "سلامة بن عياض بن أحمد" 530هـ ـ 1139م وهو عالمٌ بالعربية، زار مصر وبغداد وإيران ومن كتبه "التذكرة في النحو ـ واللحن في العامة ـ ورسائل في فضل العربية والحض على تعلمها".

ـ "أحمد بن يعقوب الكفرطابي": شاعر مجيد مذكور من أهل كفر طاب .

ـ "الأصيلح المعلم الكفرطابي": كان معلماً في كفرطاب وله شعر، أخبرنا "أبو الحسن محمد بن أحمد القرطبي" عن مؤيد الدولة أبي المظفَّر أسامة بن منقذ قال: كان الأصيلح معلماً في كفرطاب.

************

المراجع والمصادر:

ـ الرحالة في محافظة إدلب فايز قوصرة ج1

ـ دراسة عن اكتشاف لوحة فسيفساء كفرطاب ـ أحمد الغريب .

ـ الظاهر والمدفون في بلد الزيتون المجلد الثاني عبد الحميد مشلح.