لو أمكننا القيام بجولة في أرجاء قرية "حاس"، وهي قرية تبعد عن مدينة "معرة النعمان" حوالي ستة كيلومترات غرباً، واستطعنا التعرف على خصائصها الديموغرافية والحصول على معلومات عن طبيعة مجتمعها ونشاطها البشري والعلمي، لو افترضنا القيام بذلك كله فإن أهم ظاهرة بشرية يمكن تمييزها هم المكفوفون من ذوي الإعاقة البصرية، حيث يغلب على طباع مكفوفيها الذكاء إضافة إلى البصيرة الداخلية القوية، ولا يهم ما نوع العمل أو الدراسة طالما أن تحدي الإعاقة متقد في تلك المجموعة التي تعتبر جزءاً فعالاً في مجتمع القرية.

موقع eIdleb تعرف على مكفوف من "حاس" وهو الشاب "أحمد شيخ نجيب" من مواليد القرية سنة 1981، يعمل في مجال صيانة الحواسيب من "هارد وير" و"سوفت وير"، وهو من رواد ومحبي التكنولوجيا كما أن لديه دافعاً من وراء ذلك العمل يتحدث عنه قائلاً: «أنا لا أُحبذ التوقف عند مجال معين، ودائماً أطمح لنيل قصب السبق في كل مجالات الحياة، وهذا أمر ضروري حتى يمكنني إثبات وجودي، فتكون إعاقتي مجرد إعاقة جسدية وليست نفسية، صحيح أني لم أُكمل دراستي إلا أنني لم أدع لذلك أي تأثير على قدراتي الذهنية، أو أي نصيب يُسهم في الحد من استخدام العلم ومفرزاته التقنية، امتلكت حاسوباً منذ سنوات، وفي البداية عانيت من مشكلات عديدة أثناء قيامي بالتجارب على القطع، وكان لدي نزعة وميل للتخلص من جميع مشكلاته بالتعرف على أجزاء اللوحة الأم، وهكذا اكتسبت المعرفة والخبرة في ذلك، بالرغم من كون المسألة تحتاج إلى خسارة الوقت والمال، ومن الصعوبة بمكان التعلم من خلال أغراض الآخرين الشخصية».

المكفوف الذي يُتاح له إكمال دراسته ولا يُفلح، يصبح الأمر تقصيراً ذاتياً مسؤولاً عنه، وطريق العلم هو الأفضل بالنسبة للمكفوفين، والأفضل أن يتابعوا التعليم لأن الطرق محدودة بالنسبة إليهم

"أحمد" له طريقة في استخدام الحاسوب شأنه في ذلك شأن معظم المكفوفين الذين يستخدمون هذا الجهاز، حيث أضاف على حديثه السابق قائلاً: «أعتمد على البرنامج الناطق في استخدام الحاسوب، وهو برنامج مهم جداً لذوي الإعاقة البصرية، وكل من أراد التعرف على برامج الحاسوب منهم، وقد يكون هذا البرنامج مكوناً من عدة برامج نطق مثل برامج "هال" و"دولفي"، وقدمت للعديد من مكفوفي القرية المساعدة في تحميله على الجهاز على الرغم من أن تنصيبه صعب جداً، ومشكلته أنه لا يدعم اللغة العربية الصحيحة في النطق ولذلك لابد من تغيير لغة البرمجة فيه، وأنا شخصياً أعد لهذا الأمر، وأطمح في إطار ذلك إلى تصميم الأنظمة، لأن من يقوموا بذلك ليسوا أكثر ذكاءً، وعادةً أشعر بالحرج حين يستعصي عليّ برنامج أو مسألة ما في الحاسوب، وأشعر أني بحاجة شديدة إلى حلها».

وسط قرية حاس

أصدقاء "أحمد شيخ نجيب" يستعينون به في إصلاح حواسيبهم وسائر أجهزتهم الالكترونية مثل جهاز "السيدي" و"المسجلة"، ولا يقتصر "أحمد" في براعته على الأمور التكنولوجية فحسب بل هو منشد وعازف أيضاً، حيث يضيف عن ذلك قائلاً: «تعلمت المقامات الموسيقية من برنامج مسابقات غنائية على التلفزيون السوري، وتعلمت العزف على الناي، كما أني أمتلك ناصية العزف على الأورغ، وموضوع تعلم الموسيقا لدي هو وليد سنين طويلة، ومؤخراً انضممت إلى فرقة إنشاد في القرية لأمارس فيها هواية الغناء».

بالنسبة للعلاقة الاجتماعية التي تجمعه مع المحيط الخارجي ونظرته لتحصيل العلم، أضاف "الشيخ نجيب": «المجتمع المحيط لديه نظرة قاصرة إلى المكفوف، وهذا حال المدينة فما بالك بالقرية، وتعهدت ألا أدع العوز وطلب المساعدة أن يكونا خط التقاطع في علاقتي مع الآخرين، بدأت من الصفر ولم أكن أُجد تشغيل "الكمبيوتر" ولكنني وصلت بالاعتماد على ذاتي وحدسي، لأن المكفوف الذي يعتمد على نفسه ينال ثقة ومحبة الآخرين، وبالنسبة إلى مكفوفي القرية فهنالك تواصل واتصال دائم فيما بينهم من أجل مساعدة بعضهم البعض، وإن لم نأبه لبعضنا فمن يأبه بنا».

أحمد في متجر حواسيب بالمعرة

وعن ضرورة تحصيل العلم بالنسبة للمكفوف قال: «المكفوف الذي يُتاح له إكمال دراسته ولا يُفلح، يصبح الأمر تقصيراً ذاتياً مسؤولاً عنه، وطريق العلم هو الأفضل بالنسبة للمكفوفين، والأفضل أن يتابعوا التعليم لأن الطرق محدودة بالنسبة إليهم».

"أحمد الشيخ نجيب" يتردد عادةً إلى مركز "إقرأ" في "المعرة" المشهور في مجال تجارة الحواسيب وصيانتها، وقد أعطى السيد "عامر عبد الجواد" وهو إداري في المركز رأيه بـ "أحمد"، حيث قال: «تربطنا في المركز علاقة قوية وحميمة مع "أحمد" وهو من الأشخاص النشيطين ومن أصدقاء مركز "إقرأ"، دائماً يستعين بآخر تطورات العمل ويقدم تساؤلات بشكل متواصل عن المسائل التي تصعب عليه، وهو في ذلك لم يقعد طالباً لعون الآخرين بل يعينهم بكل ما أوتي من عزيمة وإرادة لكسر هاجس الإعاقة».

مع أصدقائه في مركز إقرأ