المواقع الأثرية في كل مدينة أو منطقة هي الدليل القاطع على عراقة هذه المدينة، وتعطيها أهمية لدى المار بها، وتعكس وجهة الاحترام والتبجيل لهذه المدينة أو المنطقة، وكثيرة هي المواقع والمعالم الموجودة في مدينة "أريحا"، ولعل من أهمها جامع "البيانية"، لما يحكي هذا الجامع عن ماضي المدينة، لوقوعه في وسطها، وعلى مقربة من دار الحكومة القائمة في ذلك الوقت، وفي ملتقى الأزقة التي تؤدي إلى أنحاء المدينة القديمة.

يقول الباحث التاريخي "مصطفى سماق": «يعود جامع "البيانية" إلى العهد "المملوكي"، في القرن السابع الهجري من حيث الإنشاء، ولكن الاهتمام به كان واضح في العهد "العثماني"، حيث اعتبره "العثمانيين" محظية هامة، لوقوعه بجوار "السرايا" وهي دار الحكومة في ذلك الوقت، فكان الاهتمام به قائم على عاتق الحكومة، ولم نجد أي وقف تابع لهذا الجامع، باستثناء وثيقة تضمنت دار في المدينة، عائد وقفها له، ولكن الوالي "العثماني" كان قد أعاد كل ما يستلزم الجامع إليه، كما تم توسيع الجامع في العهد العثماني بمساحة تعادل حجمه القديم، وشملت التوسعة الجهة الشرقية والشمالية والغربية، وأسس "العثمانيين" مئذنة للجامع ولكنهم لم يكملوها، وعبر مراحل التاريخ تغير أسم الجامع ففي فترة من الفترات عرف بجامع "السرايا" لكونه يقع قبالتها من الجهة الشرقية، وسمي بجامع "الباشا" نسبة إلى أحد الخطباء الذين أطالوا فترة الخطبة فيه، وعُرف بجامع "البيانية" نسبة إلى الحي الواقع فيه».

الجامع من حيث المساحة يزيد عن /400/ متر، ويتألف من الحرم المبني على طراز الغمس، وتتوسطه قبة تعتبر تحفة معمارية بحق، إضافة إلى "رواق شرقي ورواق غربي"، وغرفة غمس ملحقة تستخدم حالياً للمؤذنين ولا نعرف فيما وجودها بالأساس، ويوجد في قسمه الغربي ساحة مكشوفة فيها بئرين للماء موصولين ببعضهما عبر قناة محفورة بالأرض ومرصوفة بالحجارة

ويضيف "السماق": «كون الجامع يقع في وسط المدينة، ويعتبر من أهم المعالم التراثية والأثرية التي لا تزال قائمة، عملنا على إعادة ترميمه لما حدث به من تخريب وتصدع ببض أركانه في الفترة الأخيرة، فقام مكتب التوثيق السياحي والأثري بالتعاون مع بعض الأشخاص المهتمين بالمدينة بالعمل على وضع ميزانية للعمل على إعادة ما يمكن من هذا المسجد إلى وضعه الأول، حفاظاً عليه من الانهيار والضياع، فبوشر بالعمل منذ بداية هذا العام وعلى نفقة الأهالي وعدد من أصحاب الخير في المدينة، ويتوقع الانتهاء من العمل في نهاية العام الجاري».

مصطفى سماق

وأثناء زيارة موقع eIdleb للجامع التقينا أحمد شرف الدين إمام المسجد وأحد المهتمين بإعادة ترميمه والذي يقول: «يُعتبر هذا الجامع أقدم جوامع "أريحا" بعد الجامع "الكبير"، ولعب في العهد العثماني دوراً مهماً، حيث كان تابع للحكومة لوجوده قرب دار الحكومة، فكان له مكانة مهمة من قبل القائم مقام "التركي" في ذلك الحين، وكان يقصده في كل وقت للصلاة، ولذلك كان الاهتمام به أكثر من كل مساجد المدينة الأخرى، وبقية الصلاة تقام بهذا المسجد حتى فترة متأخرة، ولكن نظراً لعوامل الطبيعة الكثيرة وبعد عهد الجامع عن أعمال الترميم فإنه تعرض للعديد من المشاكل، وسقطت الحجارة الغمس التي تعتبر من أساس الجامع في العديد من أجزائه، ونمت النباتات والحشائش في جدرانه، وكانت سبب أساسي في تزلزل الجدران وسقوط حجارتها، فكان لا بد من العمل على إنقاذ هذه الركن الأثري الأساسي في المدينة من قبضة الدمار والخراب، فعملنا جاهدين بالتنسيق مع مكتب التوثيق السياحي والأثري على إعادة ترميمه وعلى نفقة خاصة قدمها أصحاب الخير».

ويضيف "شرف الدين": «الجامع من حيث المساحة يزيد عن /400/ متر، ويتألف من الحرم المبني على طراز الغمس، وتتوسطه قبة تعتبر تحفة معمارية بحق، إضافة إلى "رواق شرقي ورواق غربي"، وغرفة غمس ملحقة تستخدم حالياً للمؤذنين ولا نعرف فيما وجودها بالأساس، ويوجد في قسمه الغربي ساحة مكشوفة فيها بئرين للماء موصولين ببعضهما عبر قناة محفورة بالأرض ومرصوفة بالحجارة».

قبة الجامع

كما كان لنا وقفة مع "غياث حلوم" مؤذن الجامع ليقول: «في الفترة الأخيرة أصبح الجامع بوضع لا بد من ترميمه، فمعظم الجدران الموجودة تفسخت، وكونها مبنية من التراب والحجارة فكان لا بد من عملية إعادة سكبها وسكب السطح بالأسمنت، وهذا الجامع من المؤسف أن يُترك عرضة لعوامل الطبيعة، فلم تنقطع به الصلاة من آلاف السنين، فهو صلة تصل حاضر المدين بماضيها، وعملية إعادة ترميمه عملية جيدة ورائعة ويشكر كل من عمل عليها وساهم فيها».

ويقول السيد "محمود خديجة": «أنا أعمل بمصلحة الترميم والبلاط، ولذلك كلفة بالعمل على ترميم هذا الجامع بشكل كامل ابتداءً من القبة وانتهاء بالساحة الخارجية، وسأبذل ما بوسعي لكي انهي هذا المشروع، ويعود الجامع إلى عهده القديم الذي كان عليه، وسنحاول تحري الدقة والتنظيم في العمل، ونقوم بتقسيمه إلى مراحل ننهي كل مرحلة بدورها، والعمل الآن قائم في الحرم و"الرواقات"، حيث قمنا بحفر جدران المسجد وأعدنا تركيب حجارتها كما كانت وعملنا على اقتلاع النباتات الموجودة في الجدران، وفي أرض الجامع والتي كانت من أهم أسباب المؤدية إلى تفسخ الجدران، وبعد الانتهاء سيكون الجامع لوحة معمارية تشهد على عراقة الماضي، لأننا لم نقوم بأي تغير بل عملنا على إعادة كل شيء بالجامع إلى ما كان عليه».

أحمد شرف الدين إمام الجامع