ذاكرة حية تحفظ قصص ثوار جبل "الزاوية" ضد الاحتلال الفرنسي، وشخصية كان لها شرف اللقاء بهؤلاء الثوار وخاصة المجاهد المرحوم "مصطفى حاج حسين" رفيق والده المرحوم "جميل قنطار" الذي كان أحد ثوار المنطقة، وهو حتى اليوم حريص على علاقته مع عائلته علاقة صداقة قوية، كما أنه أحد أقدم المخاترة في "إدلب" حيث أمضى 48 عاماً مختاراً لقرية "عين لاروز" الواقعة شمال غرب مدينة "كفرنبل" بـ 15 كم.

الحاج "محمد جميل قنطار" تحدث لموقع eIdleb عن مسيرة حياة حافلة بدأها بالحديث عن حادثة توسط المجاهد "مصطفى حاج حسين" له بالقول: «إثر مشكلة بيني وبين أحد المتعاونين مع قائد فصيلة "احسم" (مدير الناحية آنذاك) تم القبض علي وسوقي إلى مخفر "احسم" حيث كان مقررا أن تنزل بي عقوبة قاسية جداً لأني تطاولت على أحد المقربين من مدير الناحية، فعلم المرحوم "مصطفى حاج حسين" بوجودي في المخفر فجاء إلينا وتشفع لي عند رئيس المخفر، لكن الأخير رفض في البداية فقال له المرحوم أبو حسن وما زلت أذكر تلك الكلمات: "هو شاب معروف بأخلاقه العالية ولا يمكن أن يرتكب ذنباً فقد يكون دافع عن نفسه ونحن أوجدنا هذا المخفر لكي يحفظ كرامة أبناء المنطقة وليس لكي يهينهم وفي حال أصريت على ضربه فسوف يكون لنا معك كلام آخر، لأن كل المسؤولين في المحافظة لا يرضون بأن ترفض وساطتنا وفعلا نجوت من العقوبة التي كانت معدة لي، ولكون المجاهد المرحوم "مصطفى حاج حسين" صديق لوالدي وبيننا زيارات كثيرة فقد بقيت أواصله حتى توفي رحمه الله، وحتى الآن هناك علاقة صداقة مع أولاده».

من الخصائص التي تميز مختارنا أنه يتبرع بكافة الأجور التي يحصل عليها من تصديق الأوراق الرسمية لجامع القرية، حتى إنه في كل سنة يتبرع إضافة لذلك المبلغ بمثله من جيبه الخاص

ومن بطولات الثوار ضد الاحتلال الفرنسي يسرد: «روى لي والدي أنهم وبعد إحدى المعارك بينهم والفرنسيين في منطقة جبل "الزاوية" تمكن الثوار من أسر أحد الجنود وكان من منطقة المغرب العربي، فجلبوا العسكري معهم إلى القرية وربطوه في أحدى الغرف ثم قاموا للصلاة، فسألهم الجندي الأسير: هل أنتم مسلمون قالوا له نعم فقال لهم لقد قال لنا الفرنسيون بأنكم يهود وكانوا يؤلبوننا ضدكم كي نحاربكم بقسوة، وطالما أنكم مسلمون مثلنا اقبلوني مساعدا لكم وسوف أقوم بتأمين الذخيرة لكم" وفعلا تركوه فكان يتنقل مع الجنود الفرنسيين ومن مكان لآخر يطمر للثوار كمية من الرصاص، ويبني عليها حجارة لكي يستدلوا إليها، وبعد هذه الحادثة قدم للقرية عدد من الجنود الفرنسيين قالوا بأنهم هاربون من الجيش الفرنسي فقام الأهالي بضيافتهم حتى رحلوا».

محمد جميل قنطار

ومن قصص الثوار التي قصها عليه والده: «قام وفد من الثوار بالذهاب إلى "بيك الهبيط" واسمه "مصطفى بيك العظم" وطلبوا منه مساعدة الثوار لكنه رفض دعمهم وطردهم، ورداً على هذا التصرف هاجمه الثوار فثارت ثائرة "البيكوات" جراء هذا التصرف الثوار وتم بالتعاون مع الفرنسيين إعداد قوائم بأسماء الثوار الذين شاركوا في مهاجمة "البيك" وصدرت أحكام بالإعدام بحقهم، وقد أدرج اسم والدي ضمن اللائحة وكان خال والدي له علاقات تجارية مع "البيكوات" من "آل العظم" في "حماه" حيث كان مشاركهم على خيل أصيلة فتوسط لديهم للعفو عن ابن أخته لكنهم فرفضوا وقالوا له إكراما لك سوف نعدمه خارج قريته وليس داخل قريته كما سنفعل بالباقين، فقرر والدي الهروب لعند صديقه المجاهد "مصطفى حاج حسين" الذي هرب بدوره إلى تركيا، وعندما وصل إلى الحدود رجع لأن الشهود الذين شهدوا ضده غيروا شهادتهم وأكدوا أنه كان غير مشارك مع الثوار».

ولا زال يتذكر تماما عندما «قام وفد من الثوار والشخصيات السياسية بزيارة قرى جبل الزاوية مهنئين بالاستقلال، وكان من ضمن الوفد المجاهد "مصطفى حاج حسين" و"سعد الله الجابري" و"هاشم الأتاسي" ونظم لهم أهالي القرية حفل استقبال عند قرية "أورم الجوز" وكان على رأس المستقبلين عمي "حمود قنطار" وشخص من آل "الأصفري" من "إدلب"».

في مضافته في قرية عين لاروز

وعن قصته مع المخترة يقول: «مضى علي مختارا للقرية 48 عاما وقد كان المختار سابقاً يتقاضى من أهالي القرية "جامكية" وهي ما يمكن تسميته ضريبة وكان لا يتم زواج الفتاة إلا بعد موافقة المختار حيث يقدمون له هدية رطل قهوة، وعندما توليت المخترة في عام 1963 أبطلت كل تلك العادات، وما زلت أتذكر كلام والدتي في تلك الأثناء عندما أوصتني مع بداية تسلمي المخترة بالعدل بين أهالي القرية ولا أكون طرفا لعائلة "القنطار" لكونها عائلتي والأكبر في القرية، والحمد لله أهالي القرية راضون عني».

الشاب "أحمد سلوم" أحد أبناء القرية قال: «من الخصائص التي تميز مختارنا أنه يتبرع بكافة الأجور التي يحصل عليها من تصديق الأوراق الرسمية لجامع القرية، حتى إنه في كل سنة يتبرع إضافة لذلك المبلغ بمثله من جيبه الخاص».

يذكر أن المختار "محمد جميل قنطار" من مواليد قرية "عين لاروز" عام 1926.