«تعود بدايات السينما في محافظة "إدلب" إلى فترة الاحتلال الفرنسي عام /1942/، حين أنشأ "عبد الحميد قوصرة" أول سينما على سطح أحد المقاهي في منطقة "البازار"، والذي يعرف الآن بمقهى "حمشدّو"، فكانت سينما صيفية مؤلفة من شاشة قماشية للعرض وجهاز عرض سينمائي، ومقاعد متحركة من القش، ثم تابعت السينما في المدينة مسيرتها حتى عام /2000/ مع إغلاق آخر دار عرض وهي سينما "الزهراء"».

والحديث للباحث "عبد الحميد مشلح" مدير الثقافة الأسبق ورئيس دائرة الآداب الثانية في "إدلب".

إن مشكلة السينما في "إدلب" ما هي إلا عصارة ناتجة عن مشكلة رئيسية في السينما السورية، فنحن لا نملك ذلك الإنتاج السينمائي الذي يرفع مكانة السينما كإحدى وسائل الاتصال، وما الفائدة في إقامة مهرجان سنوي تصرف عليه المبالغ الطائلة، ويستضيف أبرز النجوم والعروض، وليس لدينا رصيد لإغنائه؟ وهذه هي المشكلة الأم

ولعل الوظائف الكبيرة التي يؤديها الفن السابع من التثقيف إلى التوجيه والترفيه أخذت بالانحدار لعدة أسباب تخص المحافظة أولاً ومن ثم السينما السورية، حيث أضاف "مشلح" قائلاً: «مثلما قدمت السينما كضيف، وسرعان ما احتلت مكان "الحكواتي" في مقاهي المدينة لتصرف الأنظار كلياً وتؤدي إلى اندثار "الحكواتية"، فقد رحلت مبكراً نتيجة التطور التكنولوجي، وظهور الشاشات الصغيرة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ليصبح رواد السينما من الشباب، ومع ظهور وسائل اتصال جماهيري متطورة أكثر كالفضائيات، والقنوات المتخصصة، والأقراص المدمجة، غدت صالات السينما مكاناً للأشباح، حتى تحول معظمها إلى صالات أفراح أو أماكن تجارية أخرى».

الباحث عبد الحميد مشلح

ويرجع البعض تراجع السينما في "إدلب" إلى الموقع الملاصق لمدينة "حلب" كما يذكر السيد "عبد الوهاب المراتي" أحد أبناء المدينة: «إن القرب من مدينة "حلب" هو الأكثر تأثيراً في انحسار دور السينما، مع تعدد الصالات والعروض الحديثة فيها، فجميع مناطق محافظتنا ترتبط بطرق سريعة مع مدينة "حلب"، وعوضاً عن القدوم إلى هنا ومشاهدة فيلم تختاره الصالة، يكون الخيار أوسع بالذهاب وحضور الفيلم الذي يناسب الحاجات التي يبغيها المتفرج، مع تشابه المسافة بين أي من المناطق في البعد عن "حلب" و"إدلب"».

فيما يرى آخرون أن مشكلة ارتياد صالات العرض لا تقتصر على مدينة بذاتها كما يرى الباحث التاريخي "محمد خالد عمر": «إن مشكلة السينما في "إدلب" ما هي إلا عصارة ناتجة عن مشكلة رئيسية في السينما السورية، فنحن لا نملك ذلك الإنتاج السينمائي الذي يرفع مكانة السينما كإحدى وسائل الاتصال، وما الفائدة في إقامة مهرجان سنوي تصرف عليه المبالغ الطائلة، ويستضيف أبرز النجوم والعروض، وليس لدينا رصيد لإغنائه؟ وهذه هي المشكلة الأم».

تحول سينما الزهراء لصالة أفراح

ومع الهوة الكبيرة التي تبعد الجمهور عن ذلك الفن المتأصل، تبرز محاولات جادة لإعادة الألق الذي عاشته السينما في المحافظة خلال فترات سابقة كما يتحدث الأستاذ "أحمد المصري" مدير المركز الثقافي في "إدلب": «يقوم المركز الثقافي عبر برنامجه الشهري بعرض فيلمين ضمن "النادي السينمائي" الذي تتعدد أغراضه بين الثقافي والاجتماعي والكوميديا وقصص الكفاح وأفلام الأطفال لإزالة الجفاء بين السينما والجمهور، ومعظم الأفلام المقدمة مختارة من المؤسسة العامة للسينما وحائزة جوائز عالمية، نهدف منها إلى جذب شريحة الشباب، وزيادة الوعي الثقافي، والتعويض عن السينما الخاصة بأفلام هادفة ومدروسة، كما نستضيف خلال الأسابيع الثقافية عروضاً سينمائية لدول ذات تجارب واسعة في السينما، وتتعدد المحتويات بين الثقافي والتاريخي والوثائقي والسياسي».

وبالعودة إلى أصول السينما في "إدلب" وجدت صالتي عرض رئيسيتين الأولى كانت سينما "الحمراء"، أنشئت بعد الاستقلال، وتعرضت لحريق عام /1966/، وأعيد تجديدها عام /1972/ باسم سينما "أوغاريت"، أما السينما الثانية فعرفت منذ تأسيسها في أواسط الخمسينيات باسم سينما "فؤاد"، وتحول اسمها فيما بعد إلى سينما "الزهراء" وهي آخر دور السينما من حيث التأسيس والإغلاق كما ذكر الباحث "عبد الحميد مشلح".