المؤسس الأول لجمعية "العاديات" في "إدلب"، والتي شكلت حالة حضارية في الحفاظ على الآثار السورية. لم يكن مؤرخاً فحسب بل كان عاشقاً للمكان الذي ولد فيه فنذر نفسه وعلمه ومعرفته لإبراز أهمية منطقته الحضارية.

إنه المؤرخ السوري "فايز قوصرة" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4/2/2013 وكان معه اللقاء التالي:

إنه عاشق "إدلب"، فلم أقرأ لباحث كتب مثل هذا العشق عن مدينته كما فعل "فايز"، فمنذ عهده بالكتابة في تاريخ هذه المحافظة قبل عقود لم يترك حجراً أو أثراً أو تلّاً إلا وزاره وكتب عنه، لم يترك باحثاً في العالم أو مكتبة أو كتاباً أو وثيقةً تتعلق بهذه المحافظة أو تاريخها إلا واتصل أو زار أو راسل لإغناء أبحاثه، وأنا شخصياً تناولت أحد كتبه المعنون بـ"كنيسة قلب لوزة، درة الكنائس السورية" من خلال إحدى المواد الصحفية التي قمت بنشرها في صحيفة "الكفاح العربي" عام /2003/ ، وهو كاتب وباحث يستحق التقدير والتكريم في مدينته أولاً التي خصها بالعديد من الكتب ولعل أهمها على الإطلاق كتاب "من إيبلا إلى إدلب" الذي تحدث فيه عن المدينة منذ أن بني أول حجر فيها إلى يومنا هذا

  • كيف تنظر وتقيم مسيرتك البحثية والتأريخية كأحد مؤرخي محافظة "إدلب"؟
  • أحد كتب المؤرخ

    ** أنا راض بعض الشيء وغير راض، حيث إنني فتحت الطريق أمام غيري للدخول في هذا المجال، فالإنسان العادي الذي عرف أن هناك تراثاً أثرياً غنياً في هذه المحافظة أصبح يحب هذه الآثار من خلال نشاطي، بعد ذلك برزت عدة وجوه جديدة تأثرت بما قدمته في مجال التعريف بآثار المحافظة إذ بذلوا جهودهم وكافة إمكانياتهم لمتابعة هذه المسيرة، حيث إنني الرائد الأول في الكتابة ضمن هذا المجال حتى صار يطلق علي مؤخراً لقب المؤرخ، ولكنني لا أستحق هذا اللقب، وغير راض عن نفسي لأنه مازال لدي الكثير من الأشياء التي من واجبي إنجازها، ولم أنته بعد لتتضح الصورة الحضارية التي أبغي إبرازها.

  • ماذا نقرأ من خلال النظر إلى الآثار المنتشرة في المحافظة؟
  • الراحل تاج الدين موسى

    ** نقرأ أولاً أن إنسان هذه المنطقة إنسان فاعل اجتماعياً وفيلسوف حضارياً، فهذه التلال وتلك القرى الأثرية المنتشرة في أرجاء المحافظة ليست فراغاً بل موجودة بفعل هذا الإنسان وفاعليته، وهذه الفاعلية ذات أساس حضاري وجودي فلسفي ربطت بين الأرض والسماء، فالبناء الأثري ليس حجراً موضوعاً هكذا كما نفعل اليوم ونبني بيتاً، بل هو فن معماري أصيل أغناه الزخرف على واجهات الكنائس والأديرة والقلاع والبيوت في تلك الكتابات المعبرة عن فكر محلي أصيل، وقد أوضحت هذا في كتابي الصادر بعنوان: "التاريخ الأثري للأوابد العربية الإسلامية في محافظة إدلب"، ويمكن القول إن الكثير من الرموز تشير إلى العلاقة الوثيقة بين الإنسان والله.

  • هل تعتبر أنك أسست لعلم جديد يعتمد على رؤية جديدة للمنطقة والمؤثرات التي تأثرت بها؟
  • ** مشكلتي مع التاريخ أنني لم أدخل طرفاً خلفياً وراء النص إذ تركت الحرية للوثيقة التاريخية الأثرية لتتحدث عن نفسها بوضوح لذلك كنت كما لقبني أحدهم بـ "فارس الحقيقة" وهذه الروح العلمية التي أنهجها ستظهر نتائجها في وقت لاحق، فنحن أحوج ما نكون إلى إعادة كتابة التاريخ بأيدينا الحرة إذ دفعنا ثمناً غالياً نتيجة البعد عن الحقيقة وتوظيف التاريخ لأسباب شخصية، فمن يشاهد الأوابد الأثرية يظن أننا عظماء في ظل الإمبراطورية الرومانية والعكس هو الصحيح فكثرة المعاصر والمنشآت الاقتصادية الأخرى دلالة واضحة على القوة الاقتصادية للمنطقة، فنحن لم نكن متخلفين بل كنا متقدمين اقتصادياً ففي القرية الأثرية أكثر من آبدة دينية قد يكون توجهها مغايراً للأخرى، ومع ذلك كانوا يعملون في حياة مشتركة لبناء اقتصاد البلد، وهذا دلالة على التسامح الديني والفكر الحضاري المتطور حتى العهد العثماني.

    نحن نظرنا إلى المنطقة نظرة وثائقية محايدة قلبت الكثير من المفاهيم التي كانت معروفة سابقاً كإقامة العدل وإحقاق الحقوق والدفاع عن الضعيف فكثيرون من أبناء المحافظة قدموا شكاوى ضد أي ظالم حتى ولو كان والي "حلب" أليس هذا في مفهوم اليوم الدفاع عن حقوق الإنسان؟

  • أنت الأب الروحي لجمعية "العاديات" في "إدلب" ومؤسسها الأول كيف بدأت هذه الجمعية وإلام انتهت؟
  • ** عشت مع "العاديات" فمؤسسها جدي لأمي "محمد راغب طباخ"، وكنت أسمع عنها وأنا صغير، وفي شبابي شاركت في نشاطاتها إلى أن قررت تنفيذ أمنية جدي بفتح فرع لها في "إدلب" وبعد معاناة تم ذلك، وغايتنا منها التدريب على العمل المؤسساتي ومعايشة العصر في إنشاء كوادر تدير هذه الجمعية لتحقيق أهدافها في التعريف بتراث هذا الوطن وآثاره خاصة في محافظتنا الغنية بالأوابد التاريخية والسعي إلى حمايتها من التعدي عليها وحفظ التراث المادي وغير المادي قبل اندثاره، ما يتطلب منا جميعاً التأهيل والتدريب لكن بكل أسف الكل يريد قطف الثمرة قبل نضجها مع أن النبتة تزرع وتسقى بالتضحيات وليس بقطف ثمرها، هذه الأهداف تحولت إلى حجرات ومكاتب مفروشة ولوحات فيها الاسم قبل تحقيق المحتوى.

    وعن رحلة "فايز قوصره" البحثية قال الراحل الناقد والكاتب القصصي "تاج الدين موسى": «إنه عاشق "إدلب"، فلم أقرأ لباحث كتب مثل هذا العشق عن مدينته كما فعل "فايز"، فمنذ عهده بالكتابة في تاريخ هذه المحافظة قبل عقود لم يترك حجراً أو أثراً أو تلّاً إلا وزاره وكتب عنه، لم يترك باحثاً في العالم أو مكتبة أو كتاباً أو وثيقةً تتعلق بهذه المحافظة أو تاريخها إلا واتصل أو زار أو راسل لإغناء أبحاثه، وأنا شخصياً تناولت أحد كتبه المعنون بـ"كنيسة قلب لوزة، درة الكنائس السورية" من خلال إحدى المواد الصحفية التي قمت بنشرها في صحيفة "الكفاح العربي" عام /2003/ ، وهو كاتب وباحث يستحق التقدير والتكريم في مدينته أولاً التي خصها بالعديد من الكتب ولعل أهمها على الإطلاق كتاب "من إيبلا إلى إدلب" الذي تحدث فيه عن المدينة منذ أن بني أول حجر فيها إلى يومنا هذا».

    يشار إلى أن المؤرخ "فايز قوصرة" من مواليد "إدلب" عام /1945/ ويحمل إجازتين جامعيتين في "الأدب والفلسفة"، عمل مدرساً في عدد من المعاهد ورئيساً للمركز الثقافي في "كفر تخاريم" عام /1980/ ومديراً لتحرير جريدة "إدلب الخضراء" عام /1986/ نصف الشهرية، أول مؤلفاته المنشورة "الرحالة في محافظة إدلب" الجزء الأول عام /1984/.