شاهراً كاميرته، ومتأبطاً صبرَه وخبرةً جمعها عبر سنوات طويلة، وحدساً باقتراب اللحظة المناسبة التي يهبها وينسب إليها كل النجاحات، يتفقد المصور الفوتوغرافي "يوسف بدوي" كل يوم شوارع وأرصفة "دمشق" أو أية محافظة سورية أخرى قد يصل إليها فجأة، زادُه في مشواره اليومي، ما سيقطفه من جمال ولحظات لن تتكرّر. يُموّن الجمال لأيام القبح الذي يوثقه كي لا ينسى، ولا يشارك أحداً به.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان المصوّر الفوتوغرافي "يوسف بدوي" بتاريخ 28 أيلول 2017، فقال عن بدايات الغرام بالكاميرا: «ليس كما يتوقع كثيرون أن الموضوع بدأ منذ الطفولة، بل بدأ خلال دراستي الجامعية في قسم الإعلام في منتصف الثمانينات، وبدأت العمل كمصور صحفي عام 1989، ولم أختر العمل بالتصوير لتلبية رغبتي ومحبتي للتصوير فقط، بل لأن الصحفي يتعرض في كثير من الأحيان إلى ممارسات مجحفة بحقه تفرضها عليه مزاجية مديره أو المشرف عليه، فيقزّم عمله الذي ربما أخذ من وقته وجهده الكثير. أما الصورة، فتُقبل أو تُرفض، ولا يستطيع أحد تغييرها أو تشويهها، ويفرض المصور صورته ورسالته، فلا أحد يعطي المصور حقه إن لم يأخذه إن كنت مصوراً حراً، أما إذا عمل لمصلحة جهة معينة، فالوضع يختلف؛ فليس هناك أي فهم لأثر الصورة».

التجريد هو أهم المدارس، وأهم مرحلة في حياة المصور هي التجريد الذي ينتج حالات ومشاهدَ لم تخطر ببال المصور نفسه، فتدفعه إلى التجريب في مدرسة أخرى، لكن وقبل كل شيء، هناك أساسيات وقوانين وضوابط تصوير لا يمكن لأحد تجاوزها

وعن المهارة والاحتراف، يقول: «لا أعدّ نفسي محترفاً حتى اللحظة، وليس هناك مهارة في التصوير، بل هناك خبرة في اقتناص اللحظة المناسبة لالتقاط الصورة. قد يتفوق عليك أي أحد يحمل كاميرا إن اقتنص اللحظة قبلك، أو إن لم تكن موجوداً في تلك اللحظة، أو لم تمتلك الصبر للوصول إليها، إضافة إلى المصادفة التي تلعب دوراً كبيراً أيضاً».

برعم

يتابع: «تناديني اللحظة لا الصورة، والشكل الذي يرتسم في مخيلتي يمر عبر هذه اللحظة، ثم تحتاج إلى لحظة أخرى لاتخاذ القرار؛ فقد تلتقط الصورة أو لا، وقراءتك للصورة والتأثير والرسالة التي سترسلها، هي أساس القرار في التقاط الصورة من عدمه؛ فيمكن أن تكون رسالة الصورة سلبية، فلنفرض أنك التقطت صورة زهرة جميلة في مكان مملوء بالموت، ويمكن أيضاً أن أصوّر لحظة سلبية لن تتكرر، لكنني أحتفظ بها لنفسي ولا أنشرها».

وعن القبح والجمال، قال: «الموت الذي مرّ أمام عدستي خلال الأزمة يدفعني إلى إظهار كل الجمال الذي أقوى على إظهاره، أحياناً أصور الجمال لأدفع عن نفسي الطاقة السلبية التي تنشرها بعض المشاهدات اليومية، ولا أستطيع تحصين نفسي إلا بالجمال.

خروج مسلحي الوعر

وعلى الرغم من كل السواد الموجود، هناك لون أبيض موجود وواضح جداً، لكن يتعامى بعضهم عن رؤيته، أنا أقدمه من مبدأ أن هذا جمال موجود أهبه لمن يريد أن يراه.

وتحديداً في "سورية"، لا ينتهي الجمال واللون الأبيض، وفي كل الحالات أنا لا أرى النصف المملوء فقط، بل أرى النصف الفارغ أيضاً، لكنني أصور المملوء وأنشره، وأحتفظ لنفسي بالنصف الفارغ، وبهذا أملأ النصف الفارغ».

حمائم

وعن مدارس التصوير التي يؤمن بها، قال: «التجريد هو أهم المدارس، وأهم مرحلة في حياة المصور هي التجريد الذي ينتج حالات ومشاهدَ لم تخطر ببال المصور نفسه، فتدفعه إلى التجريب في مدرسة أخرى، لكن وقبل كل شيء، هناك أساسيات وقوانين وضوابط تصوير لا يمكن لأحد تجاوزها».

وعن أجمل الصور التي التقطها، أضاف: «هناك صور لا تنساها أبداً لإيجابياتها، وأخرى لسلبيتها، من الصور التي التقطتها ولا أنساها، صورة لبحيرة في لحظة سكون الماء وانعكاس الجبل مع الغيوم؛ شكلت مشهداً إن أمسكته بالمقلوب سترى جسداً متكاملاً لامرأة، كذلك صور بعض الشخصيات التي كنت مضطراً لتصويرها، مثل كثيرين من المسؤولين العرب الذين شاركوا فيما بعد بالمأساة السورية».

عن "يوسف بدوي"، قالت المصورة والصحفية "ولاء يوسف": «صورة الفنان "يوسف" وعدسته سوريتان بامتياز، صوره لا تحتاج إلى توقيعه، فبمجرد رؤيتها تعلم أنها عدسة "يوسف بدوي". لا أستطيع الفصل بين "يوسف" المصور والإنسان في صوره؛ فبصمته مبدعة ووطنية في الوقت ذاته.

تعرّفته خلال مشاركتي في معرض "uni art"، وقدم لي ملاحظاته بكل تواضع واحترافية ودقة، وشجعني كثيراً، وكلما رأيت إحدى صوره أبتسم بفخر أن في بلدي مبدعاً هو "يوسف بدوي"، الذي يوصل عبر الصورة ألوان بلده وحكاياته اليومية إلى كل العالم».

أما المغتربة "فاديا رستم"، فقالت: «تعرّفت إلى "يوسف بدوي" عام 2011 عندما كان في لجنة تحكيم مسابقة أجمل صور عن "سورية"، كنت ألاحظ صوره الجميلة الأنيقة وكلماته العطرة. ومرة قرأت منشوراً للصديق "عصام حبال"، يشير فيه إلى إصابة "يوسف" بشظايا انفجار عندما كان يرافق جيشنا في تحرير إحدى المناطق.

تأثرت بصورة الانفجار التي نشرها، ودخلت للمرة الأولى إلى صفحة "يوسف" في "الفيسبوك"، فلم أَجِد إلا الجمال والتفاؤل وزوايا "دمشق" الجميلة التي لا تراها عين عادية.

أول صورة رأيتها وامتلكت قلبي كانت لوردة جورية ناصعة بقامتها، خلفها دمار و بناء محروق في منطقة "عدرا"، فاكتشفت فوراً أن هذا الإنسان يشبهني بسوريته، فطلبت صداقته.

قلبه ينبض بالحب والتفاؤل على الرغم من قساوة الحرب، وهو قارئ جيد لمنشورات أصدقائه، وينتبه إلى كلماتهم بحساسية عالية. مرةً كان يتملكني حزن كبير، وإذ به يسألني: هل تريدين رؤية "الشام"؟ وفتح لي كاميرته (لايف) فرأيت شوارعها وأهلها، وصرت فيها. إنه سند لنا بصور "سورية" الحقيقية».

الجدير بالذكر، أن "يوسف بدوي" من مواليد عام 1966، وينتمي -كما قال- إدارياً إلى محافظة "إدلب"، أما روحياً، فإلى كل رصيف في هذا الوطن.