توالت حركات الفكر الثقافية التي مرت على "اللاذقية"، بحيث تنوعت نماذج الجرائد والمجلات التي نشأت وتبنت طبيعة المرحلة التي ولدت كلمات تلك الصحف فيها. "اللاذقية" وخلال مئة عام، احتضنت أكثر من 50 جريدة ومجلة قام عليها العديد من مفكري "اللاذقية" ومثقفيها.

موقع eLatakia التقى الأستاذ الباحث "ياسر صاري" للبحث في تاريخ الصحافة والحركة الصحفية في المحافظة، حيث قال "صاري": «إن البحث في تاريخ الصحافة في "اللاذقية" بات بمثابة نفض الغبار الذي تراكم فوق هذا التاريخ ومحاولة صغيرة ومتواضعة لتأريخها والتعريف بها، وأول ما سوف يلاحظه الباحث المدقق فيما يتعلق بصحافتنا أنها أولاً من مواليد مرحلة ما بعد الانقلاب العثماني أي بعد عام 1908 وبينما كانت لكل من "دمشق" و"حلب" الأسبقية، وثانياً ولدت الصحف أهلية, بعكس صحافة "دمشق" و"حلب" التي كانت في بداياتها الأولى رسمية, بعناية الولاة وتحت رعايتهم».

كانت الجرائد التي صدرت في "اللاذقية" في هذه الفترة أسبوعية, وهي إما سياسية كجريدة "اللاذقية" و"العربية" و"المنتخب", أو مزاحية (فكاهية أو إنتقادية), كجريدة "ما صنع الحداد" والجرائد النواسية المتتابعة, وكانت هذه الجرائد تتخذ من الهزل والمزاح, ستاراً تحاول أن تصل من ورائه إلى هدفها من التعرض للسلطات العثمانية والجهاز الإداري المسيطر

يتابع الأستاذ "صاري" حديثه: «كانت الجرائد التي صدرت في "اللاذقية" في هذه الفترة أسبوعية, وهي إما سياسية كجريدة "اللاذقية" و"العربية" و"المنتخب", أو مزاحية (فكاهية أو إنتقادية), كجريدة "ما صنع الحداد" والجرائد النواسية المتتابعة, وكانت هذه الجرائد تتخذ من الهزل والمزاح, ستاراً تحاول أن تصل من ورائه إلى هدفها من التعرض للسلطات العثمانية والجهاز الإداري المسيطر».

الباحث الاستاذ ياسر صاري

يسرد الأستاذ "صاري" تاريخ الصحافة والحركة الصحفية ضمن ثلاث عهود وأزمنة تبدأ بالعهد العثماني, الحكم الفرنسي, مرحلة الاستقلال.

فيقول: «بعد إعلان الدستور العثماني عام 1908 نشطت الصحافة السورية لأنها نعمت بحرية نسبية في ظل الدستور, فصدر في سورية أكثر من مئة جريدة ومجلة حتى العام 1914، وفي "اللاذقية" صدرت بعض الصحف الأسبوعية وذلك بعد إعلان الدستور العثماني مباشرة مثل جريدة "اللاذقية" عام 1909 لـ"سعيد حسن سعيد"، وجريدة "المنتخب" عام 1910لـ"ادوار مرقص"، وجريدة "أبو نواس" عام 1911 لـ"محمد صبحي عقدة"، وفي عام 1913 أصدر "سعيد حسن سعيد" جريدة "العربية".

كما أصدر "عبد الحميد حداد" جريدة "ما صنع الحداد" في عام 1916، كما أنه هناك نشرة صحيفة أدبية غير دورية, قد صدرت قبل ذلك في حدود 1898 تحت اسم (من مآثر للاذقية العرب) أصدرها الشيخ "محمد سعيد صفية" في مناسبات مختلفة دون أن يتقيد بمواعيد صدورها وقد اتخذت هذه النشرة شكل المجلة.

أما في ظل الانتداب الفرنسي فلم تنعم "اللاذقية", بحرية العهد الفيصلي 1918 – 1920, لأن جيوش الانتداب الفرنسي احتلت الساحل السوري عقب انسحاب الجيوش التركية منه مباشرة, وقد صدرت في هذه الفترة الصحف والمجلات التالية: فعام 1919 كانت "جريدة النهضة الجديدة" لـ" ادوار مرقص"، وعام 1921 كانت جريدة "اللاذقية" لـ"عبد الحميد حداد" و"صبحي الطويل"، وجريدة "الزمر" لـ"خليل المجدلي"، وجريدة "المنار" للمطران "أرسانيو حداد"، وجريدة "الصدى" لـ" عابد جمال الدين"، وخلال عام 1922 نشأت جريدة "النحلة" لـ"مصباح شريتح"، وعام 1923 مجلة العلوي لـ"برهان الدين بيك مصري زاده، وتبعتها النشرة الشهرية للأعمال القضائية.

حتى عام 1924 حيث بدأت مجلة الأبحاث القضائية ومجلة النشرة الاقتصادية وجريدة الاعتدال لـ"محمد جميل شومان" ثم تابع عنه "جلال شومان"، وهكذا استمرت الصحف والمجلات بالصدور في فترة ما قبل الاستقلال ضمن حدود "اللاذقية" والتي قدرت بأكثر من 25 صحيفة توالت خلال الأعوام العشرين التي سبقت الاستقلال وجلاء المستعمر الفرنسي عن الأراضي السورية».

يتابع الأستاذ "صاري" ليقول: «خلال مرحلة ما بعد الاستقلال تابعت بعض الصحف الصادرة في عهد الانتداب صدورها بعد الاستقلال, إضافة إلى الصحف السياسية الجديدة التالية أمثال (صدى الاتحاد 1951 والبلاد 1952، وخلال عام 1954 صدرت جرائد الساحل السوري، والاستقلال، والدفاع، والنفير، وكانت قد صدرت مجلة المنبر في عام 1950 التي تحولت إلى مجلة الغد في عام 1953)، وكان قد ألغى الانقلاب الأول لـ"حسني الزعيم" الكثير من الصحف السورية, وأبقى في "اللاذقية" على:(الخبر – الاعتدال – الإرشاد – الجلاء – اللاذقية – الشاطىء).

فيما أعاد الانقلاب الثاني "الحناوي" معظم الصحف المعطلة، وفي عهد "الشيشكلي", فرض الدمج على الصحف, فصدرت جريدة "البلاد" عام 1952 نتيجة دمج جريدتي "الخبر" و"صدى الاتحاد", ولكن هذه التجربة لم تعمر, إذ عادت الصحف إلى الصدور, وبعد "الشيشكلي" أعيد العمل بالقوانين الصحفية التي كانت سائدة قبله، وتوفر للصحافة نوع من الحرية فأصبحت جادة, تنادي بالوحدة العربية, والعمل القومي في ظل الوحدة, فصدر القانون 195 لعام 1958, الذي يجيز لأصحاب الصحف التنازل عن امتياز إصدار صحفهم لقاء تعويض مادي تقدره لجنة خاصة, ويعتبر هذا القانون الخطوة الأولى من أجل وضع الصحافة السورية تحت إشراف الدولة، ولأن هذه الصحف كانت تعاني من الضيق المادي فقد رأى أصحابها في هذه القانون كسباً مادياً لهم, وقد تم التنازل في "اللاذقية" عن بعض الصحف لقاء تعويض مادي أمثال (نداء البلاد – الاستقلال – الشاطىء السوري – الإرشاد – الساحل السوري – الدفاع – اللاذقية – البلاد)، أما خلال الحكم الانفصالي, فقد رفع الحجر عن الصحف المتوقفة وسمح لها بالصدور على أن تسترد الدولة ما قبضه أصحابها من تعويضات لقاء تنازلهم عنها وان يتم ذلك على أقساط سنوية فصدر عدد من الصحف التي كانت متوقفة أمثال:(الاستقلال – الساحل السوري – الدفاع – البلاد – الشاطئ السوري)».

يختم الباحث "ياسر صاري" حديثه بالقول: «بعد ثورة 8 آذار, توقفت جميع هذه الصحف إثر صدور بلاغ يقضي بذلك, وقامت مؤسسة الوحدة, وأصبحت الصحف تتبع الدولة وصدرت بعض المجلات التي لم تعمر طويلاً منها صدى الجامعة – مجلة جامعة تشرين – الطليعة العمالية عن اتحاد عمال محافظة اللاذقية إلى أن صدرت جريدة الوحدة عن مؤسسة الوحدة في 19 حزيران عام 1984 وهي يومية سياسية والتي أثبتت حضورها بجدارة وما زالت تصدر إلى يومنا هذا».