بين "جامع المغربي" ومنزله القريب في حي القلعة أمضى الشيخ الكفيف "محمد شريقي" حياته، حافظا وقارئا للقرآن الكريم والحديث الشريف ومدرسا شفهياً في الكتاب وإماما لجامع "المغربي" وربا لأسرة كبيرة قوامها أحد عشر ولداً.

ولد الشيخ "محمد شريقي" في "اللاذقية" عام /1916/، التحق والده بالخدمة العسكرية أيام "سفر برلك" ولم يعد بعدها، لذا فهو لا يعرف والده، ترعرع على يدي أمه فنسب إليها باسمه ليقال له دوما بـ"محمد عطية"، وفي السنة الثالثة من عمره أصيبت عيناه بالرمد ففقد بصره، ولم يكن حينها في "اللاذقية" أطباء مختصين».

عيّن شيخنا إماما في "جامع الشواف"، ثم "جامع الميناء"، وبعدها في "الجامع الكبير"، وفي سنة /1940/ عين شيخ الحضرة وإماماً في "جامع النور المغربي"، وبقي فيه حتى وفاته

موقع "eSyria" بحثت في تاريخ الشيخ "محمد شريقي"، والتقى بتاريخ "9/12/2010" ولده الإعلامي "عمر شريقي" لحديثنا عن أبيه وكل ما سمعه منه، ليقول: «حفظ شيخنا القرآن الكريم - كما يقال - من الجلدة إلى الجلدة وهو في العاشرة من عمره، درس الحديث في كتّاب الشيخ "حسن المصري" وحفظ عنده /1775/ حديثا نبويا شريفاً وهو في الخامسة عشرة من عمره، كما حفظ كتاب "متن الجوهرة" و"الاجرومية" أو ابتداء اللغة العربية وغيرها من كتب اللغة والفقه، وفي عام /1943/ حصل على شهادة "البكالوريا الشرعية" وبعدها عدلت إلى الشهادة الثانوية وغدت شهادة رسمية عام /1945/».

بعض من عائلة الشيخ ومختار القلعة

وفي زاوية أخرى من بيت الشيخ المغفور له بإذن الله، تحدثت زوجته السيدة "سميرة ياسين" والتي رافقت الشيخ "محمد شريقي" لأكثر من /70/ عاما، عن زوجها بالقول: «ولدت في "حي القلعة" الشعبية في ساحة المغربي بالتحديد، ترعرعت فيها، عشت مع الشيخ بحياة مميزة لم أعاني فيها أبداً من حالته، بل كنت اشعر بأنه يرى تماما وربما أكثر مني، كان متواضع وحكيم في كل الأمور والمناسبات».

السيد "عمر شريقي" ابن الشيخ "محمد كامل شريقي"، أكمل حديثه عن حياة والده، بالقول: «عيّن شيخنا إماما في "جامع الشواف"، ثم "جامع الميناء"، وبعدها في "الجامع الكبير"، وفي سنة /1940/ عين شيخ الحضرة وإماماً في "جامع النور المغربي"، وبقي فيه حتى وفاته».

زوجة الشيخ

يقول الباحث "ياسر صاري" في شخصية الشيخ "محمد كامل شريقي": «هو شخصية دينية محببة ومقربة من الجميع، عاش زاهداً ومتعلماً ومعلماً، منح من قبل المحكمة الشرعية إجازة تتيح له الإفتاء وإجراء عقود الزواج ومراجعة الطلاق، وعلم في كتاب الشيخ "كامل آغا هارون" أحكام القرآن واللغة العربية طيلة /30/ سنة براتب شهري /75/ ليرة سورية».

وعن نظرته رحمه الله لطلابه وطريقة معاملته لهم، تحدث "ولده "عمر" ليقول: «الشيخ الراحل كان يشجع العلم والعلماء، وكان حلمه أن يكمل دراسته الشرعية في "جامعة الأزهر" في "جمهورية مصر العربية" لكن ظروف المعيشة كونه كان أكبر إخوته لم تمكنه من السفر، رغم ذلك كان ينظر لطلاب العلم بكل احترام وتقدير وكان يحرص ويحرض الجميع على متابعة العلم من كافة جوانبه الدينية والاجتماعية والعلمية والمدنية».

غرفة ومصلى الشيخ..باق الى اليوم على لمسته الاخيرة

أما "اللاذقية" تلك المدينة التي لم يرى منها الشيخ "محمد شريقي" الا القليل، ضمن صور قليلة مرت به قبل فقدانه لبصره، فكانت بالنسبة له الهواء الذي يتنفسه، فكان وحسب حديث ولده "عمر"، يحدثهم دائما عن تاريخ "اللاذقية"، كما كان يحدثهم عن الحكايات والطرائف التي حصلت معه في أيام شبابه في "لاليج الكبرى" وهي "اللاذقية" كما يسمونها سابقا.

وعن علاقته بأصدقائه والمقربون منه، تحدث "عمر" ليقول: «أصدقائه كانوا كثر ولا يمكن حصرهم، إلا أنه كان له خصوصية خاصة ببعض الأصدقاء وكان أحبهم له الشيخ "علي مطرجي" والشيخ "عماد وصلاح أزهري"، "عمر فاروسي"، الشيخ "زاهي راعي"، الشيخ "كامل آغا هارون"، الشيخ "محمد ياسين"، السيد "حلمي شلا" رحمهم الله، والحاج "فؤاد خضير"».

وعن بعض الحالات والتصرفات الخاصة التي اتصف بها واختص بها الشيخ "محمد شريقي"، تحدث ولده "عمر" بالقول: «كان الشيخ الوالد رحمه الله يحب كثيرا الشيخ المجاهد "صالح العلي" ويتمنى التعرف على أحفاده، كما كانت تربطه معه علاقة قرابة فهو ابن خالة أمه، وقد التقاه الشيخ "محمد" في الجامع الكبير وكان بصحبة "وجيه أزهري" رئيس البلدية آنذاك، والشيخ "رباح طويل" قاضي بانياس، وكان الشيخ المجاهد "صالح العلي" قد تولى أمره فكان يرسل له ليرة ذهبية كل شهر، كما بعث له ليرة ذهب يوم الختمة لشيخ الكتاب الذي ختم على يديه القرآن، وكان الشيخ "العلي" يشجعه دائما على العلم وأنه صاحب الفضل الكبير في تعليمه وعمله».

ومن ذكريات الشيخ وما نقله لأبنائه نذكر على لسان ولده "عمر" فنقول: «سجن الشيخ "محمد" في سجن "اللاذقية" عام /1939/ لمدة عشرة أيام بتهمة تحريض المواطنين على الثورة ضد الانتداب الفرنسي، وفي السجن كانت تأتيه أطباق المأكل المليئة بالصفايح والكباب والمحاشي والفواكه وغيرها، وبما يكفي لعشرة أشخاص، وكانت هذه الوجبات تأتي إلى السجن باسمه ودون أن يعرف مصدرها، ولقد حزن المساجين كثيرا لما أطلق سراحه».

السيدة "سميرة ياسين" زوجة الشيخ "محمد شريقي"، تحدثت عن شخصية الشيخ بالقول: «لم تستهوه الدنيا ولم يغره الجاه ولا المال، ولم يتقدم بطلب العون يوما الى أحد رغم وفرة الفرص، حتى أنه تخلى عن التعويض المستحق له من وزارة الأوقاف لقاء ثلاثين عاما من التدريس في كتاب الشيخ "كامل آغا هارون" الذي علم فيه أحكام القرآن واللغة العربية براتب شهري /75/ ليرة سورية».

وأضافت السيدة "ياسين": «في الحقيقة، بسبب كوني زوجة الشيخ وإمام الحي، فقد كان الجميع يترددون علي دائماً وكانوا يستفسرون عن المسائل الدينية التي يجهلونها بحكم أني كنت قريبة من الشيخ، وكانت النساء يقصدنني ليسألن عن أمور عدة تخص النساء».

الجدير بالذكر أن لشيخ "محمد شريقي" /11/ ولدا، ثمانية أبناء وثلاث بنات، وإكراما للوالد الشيخ "محمد" فقد حمل أولاده جميعا لقب أبو "محمد"، أما وفاة الشيخ "محمد شريقي" فكانت يوم الثلاثاء الواقع في "2/9/2003".