وردة تنمو في فصل الربيع وتنتشر على طول الساحل السوري ريفاً ومدينةً، تعددت استخداماتها بالنسبة للأهالي حيث جعل منها الأطفال زينة لهم وقدمها الآباء هدية لأمهاتهم فيما جعلت منها الأم طبخة شهيةً عرفت باسم "يبرق الدغنينة".

موقع eSyria استعاد ذكريات أهالي الساحل السوري مع وردة "الدغنية" والبداية كانت مع السيدة "فاطمة ديب" التي حدثتنا بتاريخ 4/3/2012 عن طريقة تحضير "يبرق الدغنينة" قائلةً: «مع حلول فصل الربيع كانت تنتشر النباتات والورود البرية الصالحة للأكل ومن بينها وردة "الدغنينة" ما كان يدفعنا للذهاب إلى الطبيعة والبحث عنها بين الصخور (خصوصاً الصخور ذات اللون الأبيض) وفي الغابات لكي نجمع الأوراق الخضراء التي تنمو على عرقها وتحديداً الكبيرة والمتوسطة (نظراً لسهولة لفها لاحقاً)، وقد كانت عملية البحث والجمع هذه ممتعة ولها حالة اجتماعية جميلة حيث كان عدد كبير من نساء القرية أو الحي يذهبون مع بعضهم بعضاً إلى البرية أو الطبيعة للبحث عن "الدغنينة" وعن غيرها من النباتات الصالحة للأكل واثناء ذلك كانت تروى القصص والحكايات وبعد الانتهاء والعودة كنا نتبادل "سكبة" من كل طبخة أنا أقدم لجارتي "يبرق الدغنينة" وهي تقدم لي "الخبيزة" مثلاً وهكذا، وقد كان الرجال أيضا يذهبون لجمع تلك النباتات».

مازالت تنتشر "الدغنينة" في ريفنا حتى هذه الأيام والآن لو تجولت في الطبيعة لوجدتها بكثافة فهي تنمو وتتفتح بين شهري "كانون الثاني" و"نيسان" من كل عام، لكن لم يعد هناك من يهتم بهذه الوردة ويخرج إلى الطبيعة بهدف جمع أوراقها نظراً لوجود طبخة بديلة منها كانت موجودة في الماضي أيضاً "يبرق الدوالي"، وهي تطهى بنفس الطريقة تقريباً مع تغيير بسيط حيث يتم استخدام "ورق الدوالي" بدل ورق "الدغنينة"، وسبب ذلك يعود إلى سهولة جمع "ورق الدوالي" مقارنةً مع "ورق الدغنينة"، حيث إن معظم أهالي الساحل السوري يزرعون الدوالي أمام منازلهم

وأضافت "ديب: «بعد جمع الأوراق واحضارها إلى المنزل نقوم بغسلها بشكلٍ جيد بالماء وننقعها لفترة قصيرة بالملح من أجل النظافة قبل أن نغسلها مرةً أخرى ونقوم بسلقها بالماء دون غليان.

وردة الدغنينة

في هذه الأثناء نقوم بتحضير الحشوة وهي عبارة عن "أرز" مع "لحمة ناعمة" يضاف له الملح والفلفل والبهارات، وبعد الانتهاء من السلق نقوم بفرد الأوراق ورقة ورقة لكي يتم حشوها بالأرز مع اللحم ولفها على شكل أصابع، ثم يتم جمع كل حوالي \10\ ورقات مع بعضها بعضاً وربطها بخيط حتى تحافظ الأوراق على تماسكها ولا تخرج منها الحشوة.

وحين الانتهاء من اللف نضع "اليبرق" في وعاء "طنجرة" مع "زيت الزيتون" ونضع فوقه قطعة من الخشب حتى تضغطه بشكل جيد ومن ثم نضيف القليل من الماء والملح قبل ان نضع الوعاء فوق الموقد وننتظر حتى ينضج الأرز، وبعد أن ينضج نحضر طبقاً ونقوم بقلب الطبخة بكاملها في هذا الطبق ونضعه على المائدة وندعو الضيوف وأفراد الأسرة لتناول طعام الغداء».

أوراق الدغنينة

طبعاً هذه الطبخة لم تعد منتشرةً في الساحل السوري ونادراً ما تجد سيدةً تقوم بطهوها في حين أنها كانت وجبةً أساسية في الماضي بحسب ما تحدثت لموقعنا السيدة "نظيرة محمد" حيث قالت: «مازالت تنتشر "الدغنينة" في ريفنا حتى هذه الأيام والآن لو تجولت في الطبيعة لوجدتها بكثافة فهي تنمو وتتفتح بين شهري "كانون الثاني" و"نيسان" من كل عام، لكن لم يعد هناك من يهتم بهذه الوردة ويخرج إلى الطبيعة بهدف جمع أوراقها نظراً لوجود طبخة بديلة منها كانت موجودة في الماضي أيضاً "يبرق الدوالي"، وهي تطهى بنفس الطريقة تقريباً مع تغيير بسيط حيث يتم استخدام "ورق الدوالي" بدل ورق "الدغنينة"، وسبب ذلك يعود إلى سهولة جمع "ورق الدوالي" مقارنةً مع "ورق الدغنينة"، حيث إن معظم أهالي الساحل السوري يزرعون الدوالي أمام منازلهم».

استخدامات "الدغنينة" لم تكن تقتصر على الأكل فقط حيث إن الأطفال جعلوا منها زينة لهم في الماضي، والمدرسة "رشا حسن" كانت من الذين تزينوا بهذه الوردة وقد حدثتنا عن ذلك بالقول: «عندما كنا أطفالاً في تسعينيات القرن الماضي كان هناك منطقة واسعة من الصخور أقيمت عليها فيما بعد الضاحية الجديدة، في هذه المنطقة كانت تنمو "الدغنينة" بكثافة بين الصخور وفوقها، بينما كنا نحن الأطفال نتسارع لجمع تلك الورود ونتسابق من يجمع أكبر عدد منها أو من يصنع منها طوقاً أو سواراً يتزين به، وبعضنا كان يضع تلك الورود في مزهرية ويضعها في وسط المنزل.

"محمود علي"

لدي الكثير من الذكريات البريئة مع هذه الوردة ومعظم اطفال مدينة "جبلة" لهم ذكريات معها ولطالما قدمنا الورود لبعضنا بعضاً وحملناها إلى المدرسة لنقدمها للمعلمة كهدية من القلب».

السيد "محمود علي" من قرية "قلعة بني قحطان" تناول هذه الاكلة من صنع يد زوجته، وعن ذلك يحدثنا بالقول: «في الماضي كان معظم طعامناً مستخرجاً من الطبيعة البرية حيث كنا نعيش في ظروف قاسية وصعبة جداً وكان علينا التكيف مع المحيط والبحث عما هو مفيد في الطبيعة نظراً لعدم وجود نظام غذائي او ادوية كما هو شائع حالياً، كل ما كنا نعرفه أن "الدغنينة" فيها بعض الفوائد للجسم وبالتالي كنا كلما حل الربيع نخرج الى البرية ونبحث عنها نجمع أوراقها ونقدمها لزوجاتنا لكي يصنعن منها وجبة غداء، ومن كان منا رومانسياً بعض الشيء كان يأتي بالورود معه ويقدمها هديةً لزوجته وكثيراً ما خرجت إلى البرية وأحضرت معي الورق للأكل والورود للزوجة.

طعم "يبرق الدغنينة" قريب من طعم "يبرق الدوالي" إلا أن "يبرق الدغنينة" يكون "غضاً أكثر" وتكون نسبة الحموضةً فيه أكبر».

الباحث الدكتور "محمد يوسف" أشار في حديثه لموقعنا إلى أن "الدغنينة" لها عدة أسماء (بخور مريم، تاج سليمان) وعلل ذلك بالقول: «إن تعدد الأسماء ناتج عن تعدد المناطق التي تنمو بها، حيث إنها تنتشر على طول الشريط الساحلي من "اسكندرون" وصولاً إلى "حيفا" إضافةً إلى دول شمال المتوسط. وهي عبارة عن نبات بري أوراقه صالحة للطعام وهو يزهر في فصل الربيع أزهاره جميلة الشكل لونها يتراوح بين الأبيض والزهري الفاتح، ومعروف عنها انها تعيش طويلاً حيث تبقى في التربة حوالي \20\ عاماً.

وقد وجد لها آباؤنا وأجدادنا استخدامات عدة منهم من وضعها للزينة ومنهم من وضع الورقة إلى جانب التبغ ليحافظ على رطوبته. ومنهم من كان يغلي الورود ويشربها كما تشرب الزهورات في أيامنا هذه، أما أوراقه فقد كان يصنع منها "يبرق الدغنينة" وهو من الأطعمة التي كانت محببة بالنسبة لأجدادنا».