يتساءل الكثيرون عن موقع "النخب" في الأزمة السوية الحالية، خاصة بعد أن طرحت الكثير من الأسئلة في الأوساط العامة عن دورهم وأدائهم ومبادراتهم.

المقصود بمصطلح "النخب" الأشخاص الذين يعتبرون قادة للرأي العام أو المؤثرين فيه، والذين يساهمون في تشكيل اتجاهاته وتوجهات المجتمع.

على النخب أن تراجع نفسها من منظور الوقائع والتحليل وبالتالي التشخيص، وأن تجلس مع بعضها البعض والتغاضي عن خلافاتها من أجل الوصول إلى الحوار من جديد، وعلى الأقل عليها أن تفكر جدياً بالحوار

للحديث عن دور النخب خلال الفترة السابقة والحالية التقت مدونة وطن eSyria بتاريخ 25/3/2013 مجموعة من المختصين والمتابعين بحثاً عن إجابات لتلك الأسئلة.

المعارض "فاتح جاموس"

"فاتح جاموس"قال: «لم تتمكن النخب إطلاقاً أن تكون على مستوى الأزمة الوطنية السورية وسمحت لنفسها بانقسامات عميقة جداً وحادة، وربما يبدو الأمر موضوعاً بالنسبة لهذه الانقسامات لكنني أعتقد أن هذا الانقسام ليس مسؤولاً، كما سمحت لنفسها باختراقات عميقة على الصعيد الوطني الواعي فيما يتعلق بالعلاقة مع العامل الخارجي وبالعلاقة مع العنف والرد به باسم الدفاع عن النفس بحجة أن طرفاً هو من بدأ العنف، فالنخب ليست مضطرة أن ترد بالعنف».

وأضاف: «على النخب أن تراجع نفسها من منظور الوقائع والتحليل وبالتالي التشخيص، وأن تجلس مع بعضها البعض والتغاضي عن خلافاتها من أجل الوصول إلى الحوار من جديد، وعلى الأقل عليها أن تفكر جدياً بالحوار».

رئيسة جمعية المقعدين وأصدقائهم "فريال عقيلي"

فيما أعادت السيدة "فريال عقيلي" رئيس جمعية المقعدين وأصدقائهم تصنيف النخب وفقاً لمعيار جديد، وقالت: «أول ما يتبادر لذهني ما هو معيار تقييم النخبة ومن هم الذين يستحقون فعلا أن ُيصنفوا تحت هذه التسمية؟ وطالما نحن نتكلم عن الأزمة الراهنة التي يمر بها الوطن فسأقول إن كل من مدَ يده مخططا ومبرمجا وساعياً لتحقيق أهداف قريبة وبعيدة تعيد للوطن عافيته هو من النخبة، فالنخبة لم تعد مقتصرة على سوية فكرية، ولا على قدرة خطابية، ولا على بيانات ُتنشر، أو رايات ترفع، النخبة هي عصبة تآلفت واجتمعت وهدفها الأسمى "سورية" لذلك فان النخب التقليدية سقطت خلال الأزمة السورية وصعد بدلا عنها أولئك المتطوعون والناشطون الذين سعوا لوضع خطط وبرامج لرأب الصدع وردم الهوة التي زادت فجوتها ريح الأفكار والأطروحات المسمومة التي تنتشر بفعل تداعيات الأزمة».

وأضافت: «على النخب أن تسعى لتضافر الجهود من أجل الوصول لصيغة عمل جماعي وطني سواء كان عملاً توعوياً أو تنموياً، ومن ثم التركيز على مناطق بعينها بدءاً من المدارس بكافة مراحلها التعليمية وانتهاءً بالشارع. لذلك فان المطلوب بالضبط أن نكف عن الخطب لأنها لن تنفعنا وكذلك اللقاءات التقليدية، فنحن نحتاج إلى برامج مدروسة لكل فئة عمرية تعتمد على الإيحاء والقدوة الحسنة وتشارك الأجيال الناشئة بإعدادها وتبنيها والدفاع عنها».

النائب السابق "عدنان بيطار"

الدكتور "جعفر الخير" (عضو مجلس الشعب سابقا)، قال: «النخبة مفهوم فضفاض جداً ولدينا أكثر من نوع للنخب "سياسية، اقتصادية، دينية، اجتماعية، ثقافية ...إلخ، وإذا فصّلنا هذه النخب وشرّحنا دورها خلال الأزمة السورية فنجد أن السياسية منها غير موجودة، وأحزابها المختلفة أيضاً لم تكن قادرة على التواجد الجماهيري مما جعل انتشارهم محدوداً حتى في بيئتهم الحاضنة، لذلك فإني أرى أن المجتمع السوري لا يمتلك نخبا سياسية حقيقية تستطيع التفاعل مع الأحداث وتصويب مجراها للمنحى الوطني»

ويتابع "الخير" متحدثاً عن النخبة الاقتصادية، ويقول: «هي نوعان أولهما "محدثو النعمة" وهؤلاء في غالبيتهم العظمى انتقلوا بسرعة إلى خارج البلاد ولم يكونوا أساساً راغبين بلعب دور في الأزمة، ومن تبقى منهم بغالبيتهم انقسموا ولم يلعبوا الدور الذي كان بإمكانهم لعبه كضامن لوحدة المجتمع من خلال وحدة نشاطه الاقتصادي. والفئة الأخرى وهي "القوى الحقيقية" الفاعلة اقتصادياً كالصناعيين والتجار وهم الوحيدون الذين كان تأثيرهم واضحاً ولعبوا دوراً فاعلاً في تهدئة الأحداث، انظر إلى الشارعين الحلبي والدمشقي وعدم دخولهما في الاستقطاب الذي تعرض له البلد، إلا أن قصور السياسيين عن استيعاب أهمية هؤلاء وضرورة حماية مصالحهم جعل ما قدموه يبدو وكأنه تضحية عبثية لم يتم استثمارها في البناء عليها للخروج من الأزمة».

الفجوة بين النخب والجماهير كانت سبباً بفشل النخب في التأثير برأيي. النائب السابق "عدنان بيطار" الذي يقول: «النخبة هم أفراد يملكون كفاءات ومهارات وسمات مختلفة تميزوا بها عن سائر البشر ذكاءً وغنىً وتفردوا بها عن بقية الناس، لذلك يجب أن يكون لهم التأثير والنفوذ في المجتمع على كافة الأصعدة لنشر الوعي والثقافة والعمل لكي تتكامل الفئات المجتمعية لأن التطور مرتبط بهؤلاء. لكن هؤلاء النخب لا يقبلوا أن يكون في صفوفهم من لا يملك تلك المزايا والصفات السياسية والاجتماعية مما جعل هناك فجوة بين النخب والجماهير، وبدلا من أن يكونوا عوناً للمواطنين كانوا أمراء عليهم فابتعدوا عنهم وعن تطلعاتهم».

ويضيف "بيطار": «المطلوب من جميع النخب السياسية والفكرية والاقتصادية كل من موقعه إعادة النظر في سلوكهم ودورهم والاستجابة لنداء الوطن ومساندة المجتمع بكل أطيافه والمساهمة بعودة كل من غادر البلاد لكي نبني وطننا من جديد بأحلى حلة، بالإضافة للعمل على ردم الفجوة والهوة في تفاوت المستوى المعيشي لجميع شرائح المجتمع واستيعاب الشباب العاطل عن العمل بأي وسيلة لإخراجهم من آفة الفراغ والبطالة، والإسراع في توجيه الناشئة من فئة الحضانة بحب الوطن كما كنا وتنشيط ثقافة الحوار والأخوة فيما بينهم».

وضع النخب لأنفسهم في برج عاجي منعهم من لعب دورهم بحسب"ريما نعيسة" طالبة أدب انكليزي، وتقول "نعيسة": «للأسف لم تلعب النخب أي دور وأغلب الكتاب والمحللين تحولوا في الأزمة إلى باحثين عن الشهرة والمنفعة الشخصية وتحولوا إلى أشخاص مستهلكين أصيب الناس بحالة نفور منهم، في كل أحاديثهم لم يقدموا أفكاراً لحلول ولم يبحثوا عن نقاط اتفاق ليتواصلوا مع العامة من خلالها ليظلوا فقط متحدثين وليسوا فاعلين، في وقت كان عليهم أن يجلسوا مع بعضهم البعض ويبحثوا عن حل إبداعي».

وتضيف "نعيسة":«مشكلة النخب أنهم بنو لأنفسهم برجاً عاجياً وظلوا فيه بعيداً عن الناس ولعبوا بذلك دوراً سلبياً . إن على النخب إيجاد تصور لحل إبداعي يخرج البلد من الأزمة لكن هذا الحل لن يأتي إذا لم ينزلوا إلى الشارع ويتقربوا من الناس، وكشابة أرى أنهم أخلوا الساحة وأن غرورهم وتكبرهم منعهم من لعب دورهم».

تختلف الآراء حول النخب السورية وما الذي كان عليها القيام بها لكنها تتفق بمعظمها على أن هذه النخب عجزت عن لعب الدور المطلوب منها وانساقت مع الأزمة السورية إلى مواقع وأدوار جديدة أبعد ما تكون عن النخبوية.