نبع ماءٍ خلدته الذكريات قبل أن تخلده القرية التي تسمّت باسمه، مياهه صافية عذبة لطالما نبعت من أرض بيضاء نقية مشكلةً غابةً خضراء جبلية، فكانت مورداً للقاطنين والمارين وملتقىً لكل المحبين.

بلغة القرية يسمى النبع "عين البيضا" وقد منح القرية اسمه وارتبطت به ارتباطاً وثيقاً.

العين لم تكن فقط للشرب، حيث كان بجوارها بناء حجري يسمى "الستير" (من السترة)، وكانت النساء والاطفال يستحمون فيه، وكان يوجد بداخله "دفية" (موقد نار) يتم تسخين الماء بواسطته وكذلك غسل الثياب، فيما كان الرجال يستحمون عند ساقية النبع

الباحث التاريخ "برهان حيدر" تحدث لمدونة وطن eSyria بتاريخ 13/5/2013 عن عين الماء الشهيرة في قريته "عين البيضا" قائلا: « تنبع من أرض تربتها بيضاء وتروي قريتا "عين البيضا، التربة"، في الماضي كان للعين قنطرة مبنية من حجارة رملية يبلغ ارتفاعها حوالي /3/ أمتار وكانت هذه القنطرة تشكل حالة جمالية للعين، ولها مزراب خشبي قديم جداً اندثرت معالمه. ومؤخراً اضطر الاهالي لاعادة ترميم العين بعد أن فقد المزراب الخشبي صلاحيته، حيث بنوا لها خزاناً اسمنتياً ومزراباً من الحديد. وتعتبر العين ملتقى اجتماعياً هاماً لأهالي القرية والقرى المحيطة، حيث إن الطريق التي تمر من أمامها تصل "مشقيتا والتربة" بمدينة "اللاذقية" ما جعل المارة يخصصون مكانها للاستراحة وشرب الماء، فالمسير طويلٌ ولا يوجود وسائل للنقل في تلك المرحلة إلا الأقدام والدواب، كما أنه بالقرب منها يوجد أشجار باسقة يقيل المسافرون بفيئها، وفي الوقت نفسه هي مكان للقاء المحبين».

مورد الماء

وكما جرت العادة في الماضي كان الأهالي يستحمون على نبع الماء، لكن "عين البيضا" كانت مجهزة من أجل الاستحمام أكثر من غيرها بحسب السيد "برهان حيدر" حيث يقول: «العين لم تكن فقط للشرب، حيث كان بجوارها بناء حجري يسمى "الستير" (من السترة)، وكانت النساء والاطفال يستحمون فيه، وكان يوجد بداخله "دفية" (موقد نار) يتم تسخين الماء بواسطته وكذلك غسل الثياب، فيما كان الرجال يستحمون عند ساقية النبع».

شكلت "عين البيضا" في الماضي نقطة جذب للسكن بالنسبة لأهالي القرية، ويقول المختار "عدنان فاضل": «في الماضي كان أجدادنا وآباؤنا يفضلون الاقامة بجانب العين، حيث سكنوا هناك لفترة طويلة من الزمن قبل أن ينتقلوا لموقع القرية الحديثة، وقد استفادوا من مائها في تلك المرحلة للشرب وسقوا منها أهالي "مشقيتا، والتربة"، كما سخروا مجراها لسقاية الأراضي الزراعية حيث زرع الأهالي عشرات البساتين والحقول حول مجراها الذي لم تكن تنحسر مياهه صيفاً شتاءً ولطالما تحدث الناس في القرى الأخرى عن غزارته».

ويضيف "فاضل" متحدثاً عن مرحلة ما بعد انتقال الأهالي الى القرية الجديدة: «بعد انتقالنا من محيط النبع وسكننا في مواقع جديدة أصبحنا ننقل المياه الى بيوت القرية بواسطة "الجرار" و"الدباليز" (أكبر من الجرة) حيث يتم وضعها في سرج وتنقل عبر الدواب. اما الجرار الصغيرة وتسمى "كراز" فقد كانت مخصصة لشرب الماء الطري حيث تضعها المرأة على كتفها وتسير بها وكان من العادة عندما تمر وهي تحمل الجرة بجانب أي شخص تدعيه لكي يشرب الماء ولا يصح أن تمر بجانب أحد دون أن تكرم عليه بالماء حتى لا تذهب البركة عنه».

موقعها في القرية يبعد حوالي /100/ متر عن المركز الثقافي، وأغلب زواره يمرون بالعين ويشربون منها لكن تفاصيل الموقع تغيرت واندثرت بعض المعالم التي حدثنا عنها "أحمد فاضل" (أبو أمير) قائلا: «بالقرب منها كان يوجد أجران حجرية تسقى الدواب والجمال بواسطتها وكانت بعيدة عن العين حوالي /12/ متراً، والى جانبها يوجد "خريزات" (للجرش) وهي على شكل حبة مسبحة عملاقة لها جرن ويتم وضعها على مرتفع دائري، ويدخل بداخلها خشبة من الجهتين ويربط الدواب بها وتبدأ بالدوران على البرغل، وهي مصنوعة من البازلت الأزرق ويصل وزنها لحوالي طن ونصف الطن وتستخدم لطحن البرغل».

ويضيف "فاضل": «في شهر تشرين كنا نأتي بتنكتين من الزيتون ونأخذها إلى الخريزة ونكسر الحبات بشكل بسيط دون أن ننعمها ونأخذ قسماً منها نغليه ونصنع منه زيتاً ،ونختار الزيتون الذي يقع تحت الشجرة لشدة نضجه "مكعب" أو "عيطون طبيعي"، وحينها ننقي البزر منه ونصنع من الزيتون فطائر محشوة بالزيتون ويضاف لها رمان مفروط "حب" ويتم حشوها في العجين ثم توضع في التنور وكانت أكلة شهية جداً».

تكثر القصص والحكايات عن هذه العين التي مازالت تظلل بخيرها وعطائها اهالي قرية "عين البيضا" الذين يتغنون بها ويعتبرونها موردهم الرئيسي الذي نهلوا منه النقاء وبياض القلب.