ليست حادثة السقوط هي الهدف، إنما الأسباب وردة الفعل. ففي شرقنا ممالك كثيرة سادت ثم بادت لأسباب حربية وتنافسية واقتصادية. ولسقوط "أوغاريت" أسباب ثلاثة: هي غزو شعوب البحر، اقتصاد القصر، وحادث طبيعي كوني هو كسوف الشمس.

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث في الآثار الأستاذ "وليد أبو رايد" يوم الأربعاء الواقع في 2 نيسان 2014 الذي تحدث عن دلائل سقوط المدينة، ورأي الباحثين في ذلك فقال: «من المعلوم أن التاريخ المقدر لدمار المدينة كان عام 1200ق.م. ولم يعثر الباحثون على دلائل تشير إلى أن "أوغاريت" قد بقيت مسكونة بعد هذا التاريخ. إلا دلائل على الحياة فيها إبان العصر الأخميني (الفارسي) بعد عام 530ق.م. وكانت هي قليلة وقد شوهدت أحواض حجرية كبيرة ليست في مكانها الأصلي وليس بإمكان البشر تغيير مكانها على هذا النحو، إنما بفعل خارج عن إرادة البشر وغير مقصود؛ أي عبثي بفعل خارق غير عادي. وقد عُثر أيضاً على تنانير في أماكن ليس لها مثل وجودها أمام درج مثلاً، وربما وضعها الرعاة الذين تنقلوا بالخربة بعد هجرها، وبالمقابل فقد كشف على فرن شي الرقم في الباحة رقم 5 وهو بحالة جيدة، وقد اختلف الباحثون على تأريخ الفرن، والأكثرية العظمى تؤيد أنه من عصر سبق الدمار. وإذا ترافق احتلال المدينة مع العنف والقوة والمقاومة الضارية فستقع بلا شك مذابح وقتل ودمار غير أن المنقبين لم يعثروا على دلائل تشير إلى حدة الأعمال، ومن المرجح أن الأوغاريتيين قد فروا إلى الجبال والقرى الجبلية لأنها آمنة أكثر من القرى الساحلية، ونرجح أنها بقيت آمنة بدليل أنها احتفظت بأسمائها القديمة وبإدارتها القائمة».

لقد اجتهد الباحثون وبالاعتماد على المكتشفات الأثرية تأريخ الحدث فوجدوا الآنية الفخارية والأدوات البرونزية القبرصية التي تعود إلى نهاية القرن الثالث عشر ومطلع القرن الثاني عشر في أعلى الطبقات. أما بالنسبة إلى الرسائل وخاصة رسالة "عمورافي" إلى ملك قبرص ورسالة الأخير إلى "أوغاريت" فهي لا تعطي تأريخاً دقيقاً، وحتى إذا اعتمدنا على ما ذكره "رعمسيس" الثالث 1187 – 1156ق.م عن غزو شعوب البحر لا تصل إلى الدقة المطلوبة لأنها أخبار وروايات. غير أن الرسالة التي أرسلها الوزير المصري في عهد "سفته" أو "سبته" 1197 – 1192ق.م إلى "أوغاريت" وعثر عليها في دار المحفوظات الأوغاريتية كتبت بين عامي 1197 – 1190ق.م تدل على أن تدمير "أوغاريت" قد حصل بين 1195- 1185ق.م

وتابع: «لقد اجتهد الباحثون وبالاعتماد على المكتشفات الأثرية تأريخ الحدث فوجدوا الآنية الفخارية والأدوات البرونزية القبرصية التي تعود إلى نهاية القرن الثالث عشر ومطلع القرن الثاني عشر في أعلى الطبقات. أما بالنسبة إلى الرسائل وخاصة رسالة "عمورافي" إلى ملك قبرص ورسالة الأخير إلى "أوغاريت" فهي لا تعطي تأريخاً دقيقاً، وحتى إذا اعتمدنا على ما ذكره "رعمسيس" الثالث 1187 – 1156ق.م عن غزو شعوب البحر لا تصل إلى الدقة المطلوبة لأنها أخبار وروايات. غير أن الرسالة التي أرسلها الوزير المصري في عهد "سفته" أو "سبته" 1197 – 1192ق.م إلى "أوغاريت" وعثر عليها في دار المحفوظات الأوغاريتية كتبت بين عامي 1197 – 1190ق.م تدل على أن تدمير "أوغاريت" قد حصل بين 1195- 1185ق.م».

مخطط المدينة القديمة من أحد أحيائها.

وأكد: «لم يكتفِ الباحثون في حضارة وثقافة بلاد الشام بالتركيز على السبب المباشر في سقوط مملكة "أوغاريت" المتمثل في غزو قبائل وشعوب البحر للمنطقة وتدمير واحتراق المدينة، إنما أقروا بما يجب أن يقربه الباحث المؤرخ في أن المحيط ومشكلاته وصعوباته وتحدياته لها أيضاً دور في وقوع حدث عظيم مثل غزو قبائل البحر. ومن هذا المنطلق جمعت دراسات حول الأوضاع في المشرق إبان القرن الثاني عشر ق.م تناولت جوانب اجتماعية مختلفة وتركزت بشكل رئيس على اقتصاد القصر والهجرة البشرية واعتبار هذا القرن قرن أزمات. ويقصد هنا باقتصاد القصر الوضع الاقتصادي لأي مملكة في المشرق فالحروب بين الممالك أرهقت السكان فترك بعضهم الزراعة وفضلوا العودة إلى البداوة أو الرحيل، وبذات الوقت فإن تعاظم دور الفلاحين عند ازدهار الزراعة والاقتصاد بشكل عام رافقه حدوث الشرور والمفاسد في الإدارة، وفي صفوف الأتباع. ففي "أوغاريت" تركزت الثروة في القصور التي مساحتها 10400م2 وازدهرت الحياة الاقتصادية فيها، غير أن الأوضاع السياسية والاجتماعية وحسب المشاهدات الأثرية والوثائق المتنوعة السياسية والاقتصادية التي عثر عليها في دار محفوظات "أوغاريت" تنذر بالخطر والانحلال في المجتمعات الداخلية وكانت الإدارة وعلى رأسها الملك غير قادرة على تحصين البلاد وجمع قوتها للوقوف بوجه الغزو الخارجي. وقد أكدت التحريات والتنقيبات الأثرية في العديد من المواقع الأثرية أن وصول الآراميين إلى بلاد الشام وتوطنهم في مدن الداخل وتسلم السلطة فيها قد حدث دون عنف وقوة».

وعن قصة كسوف الشمس، وعلاقة ذلك بسقوط المدينة، فقد أكد الدكتور "علي أبو عساف" ذلك قائلاً: «عثر أثناء التنقيب في "أوغاريت" عام 1948 على رقيم فوق عتبة مدخل القصر الداخلي، فلفت النظر وجوده هنا وليس في دار المحفوظات أو بيت الكهنة! فحفظ تحت الرقم ktع 1.78 ثم نُشر. وبعدها توالت وتتابعت الدراسات حوله لأنه يتعلق بكسوف الشمس، وعندها بادر علماء الفلك إلى تحديد زمن هذا الكسوف فحددت أولاً الفترة الممتدة بين 1406- 1223ق.م، ثم قام باحث آخر بتحديد الزمان بدقة أكثر فقال إنه وقع في 3 آذار عام 1323ق.م. وإذا كان باحثون قد أكدوا أن ما سُطر في الرقيم يتعلق بكسوف الشمس، فقد نفى آخرون هذا الافتراض ونسبوه إلى حادثة كونية أحدثها كوكب المريخ في الفترة بين 1400 – 1200ق.م. وإن اتفق الباحثون في لغة "أوغاريت" وآدابها على أن النص يتحدث عن كسوف الشمس، فإنهم اختلفوا فيما إذا كان الكسوف كلياً أو جزئياً. يضم النص ستة سطور، سُطرت أربعة في الصفحة الأمامية للرقيم واثنان في الخلفية لأنها بحسب رأي أحد الباحثين تتعلق بموضوعين هما الحدث وردة الفعل نحوه. فقد استمر الكسوف على مدى ستة أيام والناس ترقبه؛ في حين أن كوكب المريخ كان يظهر عند غروب الشمس بدءاً من احتفال الناس بالهلال ولمدة ستة أيام، فحل اليأس في نفوس الناس وقرروا اللجوء إلى الحاكم لمعرفة رأيه».

مدخل المكتبة الكبيرة في المدينة.

وتابع: «في الحقيقة إن جميع الدراسات لجأ واضعوها إلى افتراض صيغ فعلية لا تتناسب مع قواعد الكلمات أو إضافة كلمات إلى النص فهي بالمحصلة تحوير وتبديل وعلى الباحث العودة إلى النص والتمسك به.

لقد عُثر على الرقيم ktu 1078 في العاشر من كانون الأول عام 1948 فوق العتبة، وعلى كسر أخرى من رقيم آخر إلى اليمين من العتبة واستناداً إلى ذلك فان الرقيم وُجد سالماً وانكسر الآخر. توجد في مدينة "ماينز" بألمانيا صورة قديمة للرقيم اعتمدت في الكثير من الدراسات ونقرأ فيها ما يلي:

1- ب.ت.ث.ي.م.ج.د.ث = خلال أو في سدس يوم الهلال.

2- خ.ي.ر.ع.ر.ب.ت = شهر خير غربت - غابت.

3- ش.ف.ش.ث.غ.ز.ه = الشمس. بوابة - بوابتها.

4- ر.ش.ف = الرب رشف = رب كنعاني للأوبه وإله في العالم الأسفل، ورشف في العربية المص والرشف.

5- ك ب د ن. ت ب ق ر ن = كبدان - ستطلعا (بقر = شق فتح بالوسط).

6- س ك 5 = خطر.

ورغم الإشكالات القواعدية نترجمه على النحو التالي: بسدس يوم (الحديث) الهلال.

بشهر خير وشهر خير هو الشهر السادس بعد تساوي الليل والنهار في الربيع، وآخرون جعلوه قبل تساوي الليل والنهار أي في شهري كانون الثاني وشباط. وعلى أية حال نحن نعرف أن الأوغاريتيين يحيون طقوس دينية في شهر خير تكريماً للأموات.

عربث: دخلت وتعني أيضاً كسوف الشمس الكلي.

شفش: لهذه المفردة بضعة معانٍ في الأوغاريتية، مثل: رب الشمس، وملك.

ثغره: الثغر =/= المدخل والبواب وربما عبر بوابتها - أبوابها.

رشف: الرب والمريخ.

كبدم: كبدان وهو مفعول به مقدم على الفعل أو نائب فاعل.

تبقرن: من بقر: شق فتح من الوسط، وهل هو مبني للمجهول أو المعلوم؟ والترجمة كبدان يجب فحصهما أو سيفحصان، وإذا كانت النون للتوكيد يعني حديث الكهنة على هذا العمل لضرورته وأولويته.

والواقع إن التبصير أو التنجيم في حالة الكسوف كان تقليداً متداولاً ففي "ماري" ورد النص الثاني في رقيم في اليوم الرابع عشر (للشهر) حدث كسوف. لصحة سيدي وصحة الأسياد عملت هذا التبصير.

وأخيراً سكن: تعني الخطر وساكن تعني الأمير».

وتابع: «إلى جانب اهتمام الباحثين في الإشكالات القواعدية ومعاني الكلمات اهتموا أيضاً بشكل الخط.

فقد لفت نظرهم اعوجاج الأسطر وعدم انتظام الأحرف وخاصة تلك التي سُطرت على ظهر الرقيم، فظن الباحثون أن الكاتب ربما غير محترف ولم يكن جالساً في مكان مريح أي في مكان الكاتب، وكان أيضاً مضطرباً، ويتشابه شكل الحروف مع شكلها في لوحات كتبت بمقر الكهنة لذا ربما كان كاتب اللوحة منهم فسطر الرقيم ونقله إلى القصر، لكنه لم يصل إلى المكان المقصود بل وصل عتبة المدخل. وشيء آخر لفت نظر الدارسين هو أن كلمة سكن قد سطرت فوق حروف بقيت ظاهرة بعد طمس الكتابة القديمة في اللوح حسب ما كان متداولاً في غرف الكتبة، وربما لمسوا اللوح المسطر على عجل ولم يمحوا آثار الكتابة تماماً، بل سطروا رأيهم في الحدث الفلكي العام لينقل إلى القصر، والسؤال كيف وصل اللوح فقط إلى هذا المكان؟».

وتابع: «أجمع الباحثون على أن جميع فئات شعب "أوغاريت" كانوا يراقبون الكسوف، ومنهم أيضاً الكهنة الذين تأثروا بالحدث فقرروا استطلاع كبدين. وصفوا الكسوف في الصفحة الأمامية وبعد استطلاع الكبدين سطروا النتيجة على القفا، فسطرت كلمة خطر بسرعة لإعلام الملك بالأمر. وأثناء نقله من قبل الكاتب دخل الزحام الذي سببه الخوف والهلع، فسقط منه ولم يكسر بل كسر رقيم آخر يحوي كشوف حسابات للقصر كان يحمله شخص آخر. وبالعودة إلى تحديد زمن حدوث الكسوف وسقوط "أوغاريت" رأى الباحثون ومن خلال المكتشفات الأثرية أن تاريخ 5 آذار 1213ق.م الوقت المفترض لحدوث الكسوف من قبل علماء الفلك لا يتطابق مع المعطيات الأثرية التي تحدد زمن سقوط "أوغاريت" بعد عام 1190ق.م. وأعطى علماء الفلك تاريخاً آخر هو 21 كانون الثاني 1192 ظهراً من الساعة 11.45 – 14.45، ما يدعم وجهة النظر أن الكسوف قد حدث ظهراً كما ورد في جملة: (بسدس يوم الهلال أي في سدسه = في منتصفه عند الظهر). والخلاصة أن غزو القبائل الآتية من البحر كان متوقعاً وحسب التقاليد، وحالما وقع الكسوف قبل الغزو سارع الكهنة إلى استطلاع أثره على المدينة والمملكة، فأدركوا أن خطراً ماحقاً ينتظرها فأعلموا بذلك القصر حسب المسطر في اللوح الذي علينا أن نفهم محتواه كما هو من غير إضافة كلمات أو صيغ قواعدية لا يتحملها النص الذي يقول: (في السدس من يوم هلال خيارو غربت الشمس عبر بوابتها رشف)، أي خسفت الشمس كلياً أو جزئياً لا فرق. استنفر الحدث الكهنة فبادروا إلى استطلاع كبدين. ومن الاستطلاع تبين لهم الخطر وكان الخطر ماثلاً أمامهم بوجود الغزاة أمام الشاطئ. وكما ذكرت لم تكن المدينة قادرة على رد الغزاة؛ فكانت المقاومة ضعيفة وفر السكان إلى الجبال».