تختلف الآراء حول فن "البورتريه"، خاصة مع الدخول في جدل "المحلية"، والبحث عن هوية "محلية" لهذا الفن العالمي القديم قدم الحضارة الإنسانية، ويتفق فنانو "اللاذقية" على أهميته كأحد أشكال التعبير الفني والتشكيلي المهمة.

يقصد بفن "البورتريه"، وفق التعريف "الكلاسيكي"، رسم الوجوه الإنسانية "فقط" حسب حالات انفعالية وإنسانية عديدة وتبعاً لتقاليد الفنون العالمية ولكل فنان حسب أسلوبه، وهي مشتقة في أغلب معاييرها من "دافنشي"، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 19 حزيران 2014، التقت الفنان التشكيلي "عامر ديوب" صاحب آخر معرض بورتريه في المدينة بالاشتراك مع الفنانين "بسام ناصر"، و"نعمان عيسى" ليقول: «تدرج فن البورتريه من الكلاسيكية الواقعية ما قبل عصر النهضة الأوروبية في القرن السابع عشر، حيث كانت أبرز مراحله، إلى حالات تجريدية في القرن الحالي، وفي "سورية" فنانون كثر من جيل الرواد إلى جيل الشباب رسموا "البورتريه"، ولكن أغلبهم لم يختص بهذا الفن، الجيل الثاني من الرواد أبدع فيه أكثر من الجيل الأول، في "اللاذقية" هناك القليلون جداً ممن رسموا البورتريه على "أصوله"، وأغلبهم رسموه من منطلق البنية الشخصية للفنان».

رسم البورتريه هو العين التي يرى بها الفنان ذاته، في تجربتي استندت إلى تاريخ طويل من دراسة فن الأيقونة السورية، ومدلولاتها الثرية بصرياً وتشكيلياً وإنسانياً

يتعلم الفنان أصول الرسم في كلية الفنون، أو في أماكن أخرى، وقد يكون تدريبه ذاتياً، ولكن في "البورتريه" تحديداً، يقول الفنان "ديوب": «هناك قضية مهمة لا ينتبه لها أغلب الفنانين، وهي قضية "التشريح الإنساني"، فهناك مقاييس تناسبية يجب توافرها في البورتريه وفي أكثر من إطار، فالقياس الأنسب لبورتريه الوجه مثلاً، يتمثل بوضع الكف على الوجه، وترسم اللوحة على هذا القياس، ما عدا ذلك يكون "شاذاً"، والفكرة ليست في تقييد الفنان بقياس محدد أو ما شابه، الفكرة هي في إبراز حالة التكوين الإنساني للوجه، هناك تشريح إنساني واضح ومحدد، وأي تحوير فيه سيكون أحد أمرين؛ جمال أو بشاعة، ودور الفنان تقديم هذه الحالات حسب أفكاره، خاصةً أن أي فنان لم يمر بمرحلة "الواقعية" التي هي المختبر الحقيقي للفنان وقدرته على المحاكاة، لن ينجح في "البورتريه"، فحتى المدرسة "الوحشية" لديها معايير، هناك أنواع كثيرة في هذا الفن، وكلها لديها معايير».

الفنانة "نتالي مصطفى" مع بورترياهاتها

هذه المعايير لم تغب عن أبرز فنانات البورتريه في "اللاذقية"، الفنانة التشكيلية "نتالي مصطفى" التي قدمت معرض بورتريه كاملاً في غاليري "أوركسترا" العام الماضي، تقول: «توجهي إلى فن "البورتريه" جاء بعد فترة من الدراسة والتجارب، حيث انتقلت من الفن التصويري الواقعي إلى الفن الانطباعي الذي أغنى خبرتي ومعرفتي بالألوان، وتأثرت كثيراً بالانطباعيين، خاصة "سيزان"، و"فان كوخ" الذي يعتبر الأب الروحي للمدرسة التعبيرية وممهداً لها، ومن خلال اطلاعي على رواد التعبيرية وفنانيها، بدأت أغوص تدريجياً وأنجذب إلى "البورتريه"، وقد عملت على إظهار مكامن النفس البشرية، من داخل الإنسان إلى خارجه، والآن أعتمد على الشكل واللون بشكل أساسي لإظهار هذه المعالم، الجمهور في "اللاذقية" يحب رؤية البورتريه الواقعي الخالي من أي تحريف، الذي قد يشبه فلاناً أو فلاناً، لكن برأيي، أعتقد أن رؤيته للكثير من الأعمال والمعارض تجعله يتذوق اللوحة بشكل أفضل وتنمي لديه ذائقة وذاكرة تشكيلية غنية».

من أبرز حالات البورتريه حالة "رسم الذات"، فلكل إنسان "أنا" يراها بشكل مختلف عن الآخر، وبلونه الخاص، يرى الفنان "ديوب" أن اللون الأصفر الذي يكمل به حالياً مرحلته الصوفية التعبيرية، هو من أهم ألوان الطبيعة التي تمنح الأنا تجسيدها، ويضيف: «رسم البورتريه هو العين التي يرى بها الفنان ذاته، في تجربتي استندت إلى تاريخ طويل من دراسة فن الأيقونة السورية، ومدلولاتها الثرية بصرياً وتشكيلياً وإنسانياً».

من بورتريهات "نعمان عيسى"

ولكن هل هناك خصوصية لهذا الفن في "اللاذقية"؟ ينفي الفنان "ديوب" ذلك، ويقول: «يغيب هنا التعمق في الخصوصية المحلية، مع وجود حالات لبعض الفنانين من الفئة الأولى، أي أولئك الذين قضوا عقوداً في الفن وأصبحت لهم هوية فنية واضحة، ولكن لفن "البورتريه" مشكلات إضافية هنا فوق ذلك، فهذا الفن "فاضح"، بمعنى خروجه عن المقاييس العالمية للفن في حد ذاته، وغرقه في عدمية الجمال الذي يقدمه».

وتذهب الفنانة "مصطفى" إلى أن هناك تجارب فردية في البورتريه دون تشكيل مدرسة سورية أو "لاذقانية"، ففي التجارب الفردية تبرز تجربة "مروان قصاب باشي" الذي تأثر بالمدرسة التعبيرية الألمانية، وخاصة الفنان "جورج بازلتز" الذي اعتبر توأماً له، فالحركة الفنية الأوروبية تؤثر فينا بشكل واضح، أما عند الشباب، فهي تحتاج إلى مزيد من الوقت لتتبلور وتتضح معالمها، وهي تكاد تصب في قوالب متشابهة نوعاً ما. على الفنان العمل الدائم والمستمر ليحقق خصوصيته وتفرده في ما يقدم من أعمال تعكس واقعه بشكل أفضل.

الفنان "بسام محمود" مع تجريده للبورتريه

ومن التشكيل إلى التصوير الضوئي، حيث يعدّ "البورتريه" أحد أبرز منتجات الكاميرا، وأكثرها انتشاراً، يرى المصور الضوئي "بسام محمود" أن تقدم تقنية التصوير وقدرتها على "تشكيل" الوجوه وفق أشكال كثيرة، أتاح فن "البورتريه" للعموم بعد أن كان مقتصراً على "علية القوم"، ومع اختلاف الفن التشكيلي عن التصوير الضوئي، فإن غلبة البورتريه في "التصوير" تبدو أكثر وضوحاً اليوم، مع أن هذا -برأيه- لا يقلل من جمهور التشكيل، إلا أنه أعطى دماً جديداً للفن في حد ذاته.

وعن تجربته مع التجريد في "تصوير الشخصيات" قال: «التجريد في التصوير الضوئي هو اتجاهي الفني، إذ أقدم الشخصيات ضائعة الملامح، ولكنها تحمل في ثنايا ألوانها وأشكالها هويتها النابعة من الضوء والظلال والحدث، وتبدو أقرب إلى الفن الأم "التشكيل" إلا أن هذا لا يلغي خصوصيتها كفن مستقل».