استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي أن تغير الخريطة الذهنية لنا في التعامل مع الأشخاص والجمعيات المبدعة اجتماعياً على أرض الواقع، من هنا فقد أصبح للاعتراف الافتراضي بهذه الأعمال وجوده الواقعي.

أطلقت مجموعة من الشباب السوريين العام الماضي تجربة معروفة عالمياً هي "شخصية العام"، ولكنها جديدة علينا في "سورية"، ولم يتوقع منظمو التجربة أن تنال كل هذا الحضور الذي تجاوز الخمسين ألف عضو، لتعاد التجربة هذا العام ويزاد عدد الفئات المطروحة للاستفتاء كما يقول في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 كانون الأول 2014، مؤسس الفكرة "ناجي درويش".

لقد تبيّن أن خلف هذه المسابقة عمل جدّي وشاق يحاول قدر الإمكان البحث عن المواهب وإخراجها إلى النور. هذا العمل يدلّ على إيمان أصحابه وإيمان كثيرين من المشاركين فيه والمتعاطفين معه بأنّه من الممكن حتى في زمن الفوضى والحروب أن نبقى أوفياء للجمال والتقدّم

لم يتوقع "ناجي" حجم التفاعل مع هذه المبادرة، يضيف الرجل في حديثه: «لذلك قررنا تطوير التجربة وجعلها أكثر احترافية، وذلك دون الحياد عن الهدف الأول للمجموعة وهو تعريف أكبر عدد ممكن من المهتمين بالشخصيات المبدعة أو الفاعلة في كافة المجالات المطروحة، وتعريف الشخصيات ذاتها ببعضها بعضاً، ليبقى الترشيح والترشح والفوز والخسارة هدفاً أخيراً ووسيلة ممتعة لتحقيق الهدف الأول. وكالعادة سيكون التصويت إلكترونياً غير قابل لأي تدخل بشري، وسيكون للمصوتين القرار الأخير في اختيار الفائزين».

صفوان داوود

تدفقت على الصفحة الترشيحات الكثيرة عن كل فئة من الفئات، واللافت كان أن بعض الذين تم ترشيحهم لا يعرفون بهذا الأمر، فليس لدى جميعهم صفحات "فيسبوكية"، ومنهم من يعمل على أرض الواقع دون أن يهتم بهذه البوابات الجديدة، هذا الأمر أضاف مصداقية للتجربة التي بدأت بخجل ثم تطورت لتشمل مجالات كثيرة، يقول مؤسسها: «ضمت التجربة هذا العام فئات، عن فئات الإعلام المسموع، والمرئي، والمكتوب، والسيدات الأكثر فاعلية على مختلف الصعد، الأدب والشعر والفكر، وغيرها. وقبل أن تكون الغاية الربح الذي جائزته الأهم تقدير الناس لهذه الأعمال أو تلك تقديراً إيجابياً، فالغاية هي تعريف الناس بتواجد هؤلاء المبدعين الذين يشتغلون أمامنا على أرض الواقع، وهنا على الصفحات الافتراضية، هذه التجربة بمنزلة بطاقة شكر، وإعلام مواز لأناس قد لا ينبته لهم الإعلام لهذا السبب أو ذاك».

تشمل قطاعات الجائزة طيفاً واسعاً من الثقافة إلى الأدب إلى الإعلام والفنون والرياضة؛ فالعمل التطوعي وغيره كثير، «والجائزة المقدمة هي نموذجان عن أبجدية أوغاريت لكل مشارك، وليس فقط لكل فائز، مكتوب عليه اسمه بالأبجدية الأوغاريتية وبذلك سيتجاوز عدد الجوائز الـ500، نرسل اللوح الأول لصاحبه والثاني نحتفظ به لنعلقه على جدار (تكريمي) نقوم بحجز مكانه حالياً ليحمل مجموع الأحجار على مدى هذا العام والأعوام القادمة، وليحمل معها مجموع أسماء السوريين المستحقين»؛ كما يقول السيد "درويش".

من التصويت

التصويت الإلكتروني على الشخصيات المختارة مبني على قاعدة ترشيح الجمهور لهذه الشخصية أو تلك، وليس فقط من قبل إدارة المجموعة، يقول "فادي أبو ديب" الفائز الثاني عن فئة "الأدب" إنه سعيد بهذا الاختيار، وهو يضيف له تقديراً لما يقدمه على الصفحات الافتراضية ويربط بينه وبين الواقع من جهة ثانية، يضيف في حديث مع المدونة قائلاً: «أعتقد أن الانتشار الفيسبوكي إن كان مبنياً على موهبة حقيقية، وكتابة رصينة وجدّيّة فهو عامل مساعد للانتشار الواقعي، وخاصة بالنسبة للشاب قليل المعارف، أو ممن لا يملكون المال أو الخبرة للنشر على أرض الواقع، "الفيسبوك" في النهاية وسيلة إعلامية يمكن استخدامها استخداماً جيداً إن أردنا، وهي ممهِّد من دون شك للانتشار الواقعي، فنحن في النهاية نتعامل مع أشخاص واقعيين ولهم مكانهم في أرض الواقع».

يضيف السيد "فادي" قائلاً: «لقد تبيّن أن خلف هذه المسابقة عمل جدّي وشاق يحاول قدر الإمكان البحث عن المواهب وإخراجها إلى النور. هذا العمل يدلّ على إيمان أصحابه وإيمان كثيرين من المشاركين فيه والمتعاطفين معه بأنّه من الممكن حتى في زمن الفوضى والحروب أن نبقى أوفياء للجمال والتقدّم».

أبجدية أوغاريت كجائزة

الإقبال الكبير على التصويت للشخصيات، قابله آخرون بتقليل فاعلية هذه التجارب، فمنهم من قال إنها مجرد تضييع وقت، ولا قيمة لها مجتمعياً ولا إنسانياً، يقول السيد "صفوان داوود" وهو موظف بمديرية السياحة في "طرطوس": «إن أي عمل واقعي على الأرض هو أكثر فاعلية من هذا الكلام، إن امرأة تعمل في الإغاثة لهي أكثر فاعلية من كل هذه التصويتات وعملها يلقى حضوراً وتقديراً أكثر بكثير من الهراء الافتراضي هذا، كما أن أماً تنتظر أولادها وهم يبذلون دمهم من أجل الوطن هو أسمى من كل هذه الأعمال، ليست الفكرة التقليل من الأهمية بقدر ما هي ضرورة اللجوء إلى الواقع للعمل في هذه الظروف التي نمر بها، نحن بحاجة إلى العمل الواقعي كثيراً».

لا يتفق مع "صفوان" آخرون يرون في التجربة تقديراً لأناس يعملون في خضم الأزمة واقعياً، هذا التقدير يشابهه في العالم ما تقدمه المجلات والصحف ووسائل الإعلام التي تسعى بشراسة لتقديم هذه الاختيارات بما يشبه جردة حساب معهم، فإن كانوا قد قدموا للمجتمع جهداً وعملاً فسوف ينالون التقدير وإلا فسوف يسقطون في هذه الاختيارات، يقول الإعلامي "بلال سليطين": «التجربة لها بعدان؛ بعد مرتبط بالشخص المصوَت له، وبعد مرتبط بالشخص المصوِت، فأهمية التجربة تكمن في قدرتها على المساهمة في نشر ثقافة التصويت أو الانتخاب، أن ننتخب من نراهم أفضل، أو من يستحقون الحصول على اللقب، بعيداً عن أي حسابات أخرى. أما البعد المتعلق بالمصوَّت له، فالمقياس يكمن في قدرته على تقديم أشخاص يستحقون التصويت لهم وكانوا فاعلين، وهؤلاء بمجرد رؤيتهم لتقدير الآخرين لجهودهم واعترافهم بها، فإن ذلك سيكون دافعاً ومحفزاً لهم لتقديم الأفضل، لكن إذا كان التصويت لأشخاص غير جديرين فهذا سيدفعهم للاستمرار بلا جدارتهم. في هكذا قضايا هناك قاعدة تقول: "إذا صوّت لك أهلك، فهذا لا يعني أنك جيد، يجب أن يصفق لك من لا تربطك بهم أي صلة عاطفية"، وإنما علاقتهم بك هي علاقة قناعة وثقة...إلخ. كلي أمل أن تساهم هذه الفكرة التي تحولت إلى واقع ملموس في زيادة الوعي المجتمعي، والتأكيد على دور الناس في تقديم قادة مجتمعهم أو من يجدون فيهم قادة بمختلف المجالات الأدبية الثقافية السياسية الاقتصادية... إلخ، لنخرج من حالة التصويت التقليدي السائدة التي هي أبعد ما يكون عن الانتخاب».

تبقى التجربة مهما اتفق معها أو اختلف عليها من التجارب التي يفرضها الواقع الافتراضي بكل حرية على المشاركين، دون أن يتدخل في نتائجها التي تبقى هي الأخرى مرهونة بكثير من التفاصيل "الافتراضية" و"الواقعية" لتكون خليطاً ناجحاً لثقافة جديدة بدأت تشق طريقها إلى عقولنا.