أسئلة كثيرة تتعرض لها اللغة الأجنبية في مدراسنا بمختلف مستوياتها، يعززها واقع العالم المنفتح على تبادل اقتصادي وثقافي باختيارنا أو من دونه.

تعلم اللغة الأجنبية منذ "بابل" حتى اليوم مسألة لا غنى عنها لحياة أوسع اتصالاً بالآخرين، يوماً ما كانت "الأكادية" لغة عالمية يتعلمها كل إنسان في المشرق والمغرب، ومن بعدها "الآرامية"، ثم "العربية"، واليوم "الإنكليزية" لغة العلم والتجارة والصناعة حول العالم.

من أهم مشكلاتنا عدم القدرة على اللحاق بالمنهاج وسط زحام كبير في القاعات المدرسية لذلك نضطر إلى اتباع دورات في اللغة خارج المنهاج المدرسي

هذا الانتقال النوعي غيّر الصورة التي كانت للغات الأجنبية في مدارسنا، فقد جرت مياه كثيرة في عالم اللغات في مجتمعنا من لغة قليلة الاعتبار إلى كونها همّاً يصرف عليه الأهل كثيراً من الوقت والمال، تتحدث الآنسة "نجوى غانم" مدرسة اللغة الإنكليزية في مدرسة "بسنادا" الأساسية فتقول: «من بدء التعلم في الروضة، هناك اهتمام كبير من الأهل باللغة الأجنبية، لأسباب كثيرة أبرزها أن هذه اللغات أصبحت مدخلاً لكل الأعمال في الحياة العملية، ومن دونها لا يوجد عمل، المراسلات اليوم تتم في أغلبها بالإنكليزية مثلاً، الشركات العالمية تصدر أغلب منتجاتها متضمنة تعليمات بها، الإنترنت يحتوي على مليارات الصفحات بهذه اللغة، ولذلك لا يمكن لأي شخص أن يدخل هذا العالم الواقعي والافتراضي من دون معرفة وإتقان هذه اللغة بالكامل».

نجوى مع الأطفال

هناك بالتأكيد أجيال تعرضت للظلم بشأن هذا الأمر مردها إلى طبيعة النظام التعليمي نفسه، تقول "نجوى": «أجيال السبعينيات والثمانينيات تعلمت اللغة مع بداية المرحلة الإعدادية وقتها، كما أن المنهاج نفسه كان ضعيفاً قياساً بتطورات العالم وقتها، وحتى في الجامعات مع سيطرة التعليم بالعربية أوقعت الخريجين بمشكلات كثيرة أبعدتهم عن سوق العمل، على أن كثيرين لجؤوا إلى دورات مساندة لتجاوز هذه العقبات».

خلقت هذه الحالة قلقاً لدى كثير من الأهل لجهة جودة التعليم المقدم في المدارس، إن كان من قبل المدرسين خريجي الكليات الجامعية المحلية أو المعاهد المتوسطة، يذكر الدكتور "خالد الصغير" في دراسة له "أن معلمي اللغة الإنجليزية لا يخضعون لفرص تدريبية حقيقية منتظمة، ووفق خطة مدروسة، وتتناول أبعاداً وقضايا مفصلية في ميدان تعليم اللغة الإنجليزية الذي يتسم بالديناميكية، والحضور اللافت للجديد باستمرار في مجال تعليمها، بل إن منهم من يتقاعد ولم يحصل على فرص تدريبية البتة، أو على الأكثر تعطى له مرة، أو مرتين طوال مسيرته الوظيفية".

تدريس أجنبي للغة الألمانية

يضاف إلى ذلك كما يقول الدكتور "خالد" "أن موضوعات التدريب يغلب عليها العموم، والتقليدية، والتنظير ولا تتماشى مع المنهج الدراسي، كذلك مما يلاحظ أن معلمي اللغة الإنجليزية لا يتمكنون من الحصول على ما يستجد في الميدان من كتب حديثة، ومصادر تعلم، وغيرها من المعلومات التي في حال تمكنهم منها والاطلاع عليها فإنها بلا شك تثري وتصقل تجربة تعليم اللغة الإنجليزية"؛ (من دراسة جامعية منشورة في مجلة الجامعة التربوية ـ عمان).

هذه المشكلات بالنسبة للمنهاج الحديث أضافت عناصر جديدة، فهذا النظام تفاعلي بالدرجة الأولى Communicatively designed، وهو يعتمد على النقاش والحوار وسط ازدحام طلابي فاقمته الأحداث السورية التي جعلت الصف الواحد يضم خمسين طالباً وأكثر، والساعة التدريسية (45 دقيقة ابتدائي، و40 إعداداي) لا تكفي بالمطلق لتحقيق هذا التفاعل، يقول الشاب "علي سليمان" طالب ثانوية علمي: «من أهم مشكلاتنا عدم القدرة على اللحاق بالمنهاج وسط زحام كبير في القاعات المدرسية لذلك نضطر إلى اتباع دورات في اللغة خارج المنهاج المدرسي».

من هنا بابل

في الجانب البشري هناك أيضاً لدى الطلاب أسباب تعرقل الامتداد الكبير للغة في عالمهم، من أبرزها وجود الرغبة والاندفاع لديهم للتعلم، ويخضع هذا الجانب لأمور تتعلق بالبيئة والمجتمع، "إذ إن القدرة على المحافظة على قدر عالٍ من الدافعية أثناء تعلّم اللغة الإنجليزية يعد صمام الأمان نحو تجربة مصيرها النجاح"؛ (من الدراسة السابقة).

كما أن من صفات متعلم اللغة الأجنبية أن يشعر بأهمية وفائدة عملية تعلم هذه اللغة، تقول المدرسة "نجوى" في حديثها، و"أن يكون لديه رغبة في التعرف إلى ثقافة الناطقين بها، ولديه استعداد لتقبل أنماطها المختلفة في التفكير، فهذه الرغبات تفتح له بوابات المعرفة النفسية الفعلية لسوق العمل نفسه في قادم الأيام أيضاً".

هناك الكثير مما يمكن الحديث عنه بشأن هذا الأمر، على أن المهم الآن في ظل الظروف الراهنة التفكير بمنظومات أكثر فاعلية وأقل تكلفة للأهل وللمدارس وتحقق نتائج أسرع في مخرجاتها التعليمية، ولعل الأنظمة التعليمية المفتوحة المصدر تساعد في ذلك أيما مساعدة.